الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

بعد انفجار المرفأ.. تراث بيروت المعماري مهدد بالاندثار

مئات المباني المدرجة على لائحة التراث المعماري في وسط بيروت قد تضررت.. وسيتكلف إصلاحها مئات الملايين من الدولارات

كيوبوست

قبل الرابع من أغسطس الماضي، كان التجول في أحياء كالأشرفية والجميزة ومار مخايل، وسط بيروت، متعة حقيقية؛ ليس فقط لانتشار المقاهي والمطاعم وأماكن السهر، بل لوجود العديد من المباني والبيوت القديمة ذات النوافذ ثلاثية الأقواس، والتي حافظت على طرازها المعماري طوال تلك السنوات رغم الحرب الأهلية التي عصفت بهذا البلد، حتى استحال بعضها إلى متاحف بهية تسر الزائرين.

اقرأ أيضاً: كارثة مرفأ بيروت.. مزيد من الأدلة على تورط “حزب الله”

من داخل متحف سرسق بعد التفجير- وكالات

لكن مع الدمار الرهيب الذي خلفه انفجار مرفأ بيروت، تعرَّض معظم تلك المتاحف المذهلة والمباني التاريخية ذات العمارة التقليدية إلى دمار هائل؛ خصوصاً أن المئات من الجواهر المعمارية التي تعود إلى الإمبراطورية العثمانية أو الانتداب الفرنسي كانت تعاني أصلاً ويلات الزمن.

متحف سرسق

أحد أبرز تلك المباني كان “متحف سرسق”؛ وهو عبارة عن قصر يعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي. صمد هذا القصر البالغ من العمر 160 عاماً في وجه حربَين عالميتَين، وكان شاهداً على سقوط الإمبراطورية العثمانية والانتداب الفرنسي واستقلال لبنان.

في قلب بيروت التاريخية بُني هذا القصر في عام 1860، على تلّة تطل على المرفأ؛ ليجمع بين جدرانه أعمالاً فنية إيطالية، وقطع أثاث تعود إلى العصر العثماني، جمعتها ثلاثة أجيال تنتمي إلى عائلة سرسق العريقة.

في المسكن الأرستقراطي المزين بأعمدة من الرخام، مزَّق الانفجار الأبواب الخشبية التي تعود إلى العصر العثماني والمزينة بالخط العربي، كما حطَّم النوافذ الزجاجية التي يزيد عمرها على 200 عام؛ “الأمر أشبه بالاغتصاب”، كما يؤكد أحفاد عائلة سرسق الذين أشرفوا على ترميمه بعد الحرب الأهلية، وتحويله إلى متحف يجتذب العديد من سياح العاصمة اللبنانية.

منظمات مجتمع مدني تحاول إنقاذ ما يمكن- “أ ف ب”

المسؤولون اللبنانيون أكدوا أن “مئات” المباني المصنفة على أنها تراث وطني قد تضررت اليوم، وسيستغرق الأمر الكثير من العمل، كما سيكلف “مئات الملايين” من الدولارات، على أمل الحصول على مساعدة خارجية؛ خصوصاً من باريس التي ينظر إليها كمنقذ وحيد لِلُبنان اليوم.

اقرأ أيضاً: الجامعة الأمريكية في بيروت.. تاريخ عريق وتحديات غير مسبوقة

جهود ملحة

تشير الإحصاءاتُ الأولية إلى أن قرابة 80 ألف مبنى من جميع العصور قد تضررت؛ من بينها 640 مبنى تاريخياً، بينما حذَّرت منظمة اليونسكو، يوم الخميس الماضي، مِن أنَّ 60 من هذه المباني معرضة إلى خطر الانهيار، مما يستدعي تدشين حملة عالمية لجمع الدعم اللازم من أجل إعادة الترميم. لقد دعَت اليونسكو بالفعل إلى حشد القوى والوسائل الممكنة للحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه، وستعمل لجنة مستقلة في فرنسا على تقييم سُبل إعادة بناء تراث بيروت، مع خبراء لبنانيين وفرنسيين ودوليين.

اللبنانيون بدورهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي؛ ففي محاولة لحصر وتقييم الأضرار الناجمة عن هذا التفجير، بدأت مجموعة صغيرة من المهندسين المعماريين بتمشيط الأحياء المدمرة لتفقد المباني؛ هم ينتمون إلى عدد من منظمات المجتمع المدني النشطة هذه الأيام.

لكن في المقابل، هناك مخاوف جمة تحيط بمشروعات إعادة الترميم؛ أولها تلك البيوت القديمة الآيلة للسقوط، والتي لن تصمد مع النوّات الجوية الشتوية؛ حيث موسم الأمطار الذي قد يتسبب في انهيارها إن لم تتخذ إجراءات وتدبيرات ملائمة لحماية الهياكل الأساسية لتلك المباني.

وهذا ليس الخطر الوحيد الذي يهدد التراث المعماري للمدينة؛ فهناك سوق المضاربة العقارية المحموم والذي يمكن أن يزيل ما تبقى من هذا الإرث المعماري، فالمطورون العقاريون يرون أنها فرصة سانحة لاقتناء الكثير من تلك المنازل بسعرٍ زهيد هذه الأيام في ظلِّ حاجة البعض إلى المال، فضلاً عن رغبة البعض الآخر في الهجرة إلى الخارج وترك الماضي بجراحه العميقة يندثر تحت الأنقاض.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة