شؤون عربية
بعد المصافحة: بوادر انفراج لأزمة المغرب والجزائر
تعتبر قضية إغلاق الحدود بين الجارين من الأزمات التاريخية العالقة التي لم تجد حلًا لها حتى الآن

خاص كيو بوستس –
أزمة دبلوماسية خلقتها تصريحات وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل قبل قرابة شهر ونصف يتهم فيها المصارف المغربية والخطوط الجوية الملكية بالعمل على تبييض الأموال وتجارة المخدرات في أفريقيا. هذه التصريحات دفعت الرباط إلى سحب سفيرها حسن عبد الخالق من الجزائر تنديدًا بما وصفته “التصريحات غير المسؤولة”.
ولكن عقب أسابيع من مغادرته المغرب، عاد عبد الخالق إلى مكتبه في العاصمة الجزائرية. وقد جاءت هذه العودة بحسب مصادر داخلية وخارجية بسبب رغبة كلا الطرفين عدم الوصول إلى القطيعة، والحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الدبلوماسية بينهما للتخفيف من حدة التوتر.
وبدأت بوادر الانفراج بالظهور من جديد، بعد مصافحة الوزير الأول للجزائر أحمد أويحيى للعاهل المغربي الملك محمد السادس، خلال القمة الأفريقية الأوروبية في ساحل العاج. وتعتبر هذه المصافحة أول لقاء بين مسؤولين من البلدين بعد أزمة التصريحات. وبهذا الخصوص قال أويحيى إن مصافحته جاءت كفعلٍ طبيعي بين الجيران، مؤكدًا أنه عندما صافح الملك أبلغه تحيات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وسلام الشعب الجزائري لنظيره المغربي.
علاقات متوترة تجمع البلدين
يجمع الجارين العديد من نقاط الخلاف، لكن تقريرنا هذا سيقتصر على طرح مشكلتي الصحراء الغربية وإغلاق الحدود المغربية الجزائرية.

في تفاصيل المشكلة الأولى، كانت الصحراء الغربية مستعمرة إسبانية ثم ضُمت معظم أراضيها إلى المغرب عام 1975. وقد بدأ الخلاف بين المغرب والجزائر عندما اتهمت الرباط الجزائر بدعمها لـ”جبهة البوليساريو” التي سعت منذ أواسط السبعينات إلى استقلال الصحراء الغربية وتأسيس “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، في نزاع استمرّ لأكثر من 36 عامًا. وتصرّ الحكومة المغربية على تبعية الصحراء لأراضيها، فيما ترفض البوليساريو ذلك، الأمر الذي جعل حل النزاع مستعصيًا حتى يومنا هذا.
ورغم اتهام المغرب للجزائر بعدم حيادتها في القضية ووقوفها إلى جانب جبهة البوليساريو، أكدت الجزائر على الصعيد الرسمي أنها ليست طرفًا في النزاع، وأنها لا تدعم طرفًا على حساب الآخر. لكن المغرب يرى بأن احتضان الجزائر لمخيمات “تندوف” للاجئين البوليساريين، وتقديمها للدعم المتواصل للجبهة يثبتان عكس ذلك.
وعن سبب الدعم الجزائري للجبهة، يرى الضابط الجزائري السابق أنور مالك في حديثه مع قناة “cnn” أن ذلك لا يتعلق بما تعلنه الجزائر من “عدالة للقضية” فقط، بل إنها فرصة لها لتصفية حسابات قديمة ومتجددة مع المغرب، بالإضافة إلى المنافسة على الزعامة في المغرب العربي. أما أستاذ العلوم السياسية “بوحنية قوي” فيرى أن دعم الجزائر للجبهة يأتي بفعل اعتبارات تاريخية، إذ أن القضية الصحراوية أصبحت جزءًا من مسلمات السياسة الخارجية للجزائر، باعتبارها مسألة تصفية استعمار، لآخر المستعمرات الأفريقية على حد قوله.
الحدود الجزائرية المغربية
تعتبر قضية إغلاق الحدود بين الجارين من الأزمات التاريخية العالقة التي لم تجد حلًا لها حتى الآن. وتعود بدايات هذه القضية إلى عام 1994، بعد وقوع تفجير إرهابي في مراكش اتهمت فيه السلطات المغربية الاستخبارات الجزائرية بتدبيره، وبناءً على ذلك، فرضت المغرب تأشيرة دخول على الرعايا الجزائريين، ليرد الرئيس الجزائري السابق “اليمين زروال” بإغلاق الحدود البرية إلى أجل غير محدد.
في العام 2004 بدأت معالم الحل للقضية بالظهور حين تقرر إسقاط التأشيرة عن الجزائريين من قبل الملك محمد السادس الذي أبدى رغبة في فتح الحدود. وفي ردّها على ذلك، اكتفت الجزائر بإسقاط التأشيرة مع إبقاء الحدود مغلقة، ووضعت عدة شروط لإعادة فتحها؛ منها منع تسرب المخدرات إلى الجزائر، والتقدم في حل نزاع الصحراء الغربية، ورفع مستويات التنسيق الأمني على الحدود في إطار “الحرب على الإرهاب”.
معاناة
على أي حال، يجمع الجارين صلات قرابة ومصاهرة، إلا أن إغلاق الحدود ولد معاناة لكلا الشعبين. وكشف مسؤول فرع “اتحاد الشباب الأورو مغاربي بالجزائر” جمال موسى لموقع “أصوات مغربية” أن إغلاق الحدود أدى إلى حرمان الكثيرين من زيارة ورؤية أقاربهم في كلا البلدين. في منطقة “وجدة” الحدودية وحدها، يوجد هناك قرابة 20 ألف عائلة ذات جذور مشتركة محرومة من تبادل الزيارات، لأن الحدود البرية مغلقة.
وفي تصريح لوزير الشؤون المغاربية والأفريقية والعربية بالحكومة الجزائرية في مارس الماضي للإذاعة الوطنية الجزائرية، اعتبر أن المغرب هو الشريك التجاري الأول للجزائر في المنطقة إلا أن فتح الحدود بين البلدين يظل أمرًا غير وارد.