الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
بعد أن أصبح ملف أمن قومي.. تونس تفتح ملف المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء
حديث لمراقبين عن وجود مخططات وضغوط من الجانب الأوروبي لتوطين المهاجرين الأفارقة على التراب التونسي

تونس– كريم وناس
شهدت تونس منذ سقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وصعود حركة النهضة الإسلامية للحكم سنة 2011، طفرة غير مسبوقة من المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء؛ ليتحول الملف مع مرور الوقت إلى مسألة أمن قومي بعد وقوع العديد من الجرائم البشعة التي استهدفت هؤلاء المهاجرين ووقوعهم ضحايا لمافيات الاتجار بالبشر والاستغلال أو ارتكابهم هم أنفسهم جرائم ضد بعض المواطنين التونسيين.
خلَّف هذا الوضع المعقَّد مطالبات بضرورة طرح الملف، وتعالت الأصوات المنادية بحله، ووصلت إلى حد المطالبة بترحيل هؤلاء اللاجئين إلى بلدانهم؛ ليصبح الأمر محل مناكفات سياسية في ظل تدخل بعض منظمات المجتمع المدني المطالبة بضمان حقوق هؤلاء المهاجرين وطرح ملفهم وَفق مقاربة إنسانية، محذرةً من موجة كراهية وعنصرية تستهدفهم. في حين يرى مراقبون أن هذه المنظمات مرتبطة بتنفيذ أجندات أجنبية مشبوهة تهدف إلى تحويل أرض تونس من أرض عبور للمهاجرين الأفارقة نحو الضفة الأخرى من المتوسط إلى أرض لجوء لهم.
اقرأ أيضاً: مأساة المهاجرين الأفارقة في المغرب.. مافيا البشر والمتاجرة بالأرواح
ترتيب إجرامي وأموال طائلة

الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال إشرافه على اجتماع لمجلس الأمن القومي المخصص للإجراءات العاجلة التي يجب اتخاذها لمعالجة ظاهرة توافد أعداد كبيرة من المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، أكد أن الوضع المتعلق بهذه الظاهرة غير طبيعي، مشيراً إلى أن هناك ترتيباً إجرامياً تم إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديموغرافية لتونس، وأن هناك جهات تلقت أموالاً طائلة بعد سنة 2011؛ من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس، مشيراً إلى أن هذه الموجات المتعاقبة من الهجرة غير النظامية الهدف غير المعلن منها هو اعتبار تونس دولة إفريقية فقط ولا انتماء لها إلى الأمتَين العربية والإسلامية.
وشدَّد الرئيس التونسي على ضرورة وضع حد بسرعة لهذه الظاهرة؛ خصوصاً أن جحافل المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء ما زالت مستمرة مع ما تؤدي إليه من عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة، فضلاً عن أنها مجرَّمة قانوناً. ودعا إلى العمل على كل الأصعدة الدبلوماسية والأمنية والعسكرية والتطبيق الصارم للقانون المتعلق بوضعية الأجانب في تونس ولاجتياز الحدود خلسة، معتبراً أن مَن يقف وراء هذه الظاهرة يتَّجر بالبشر ويدَّعي في نفس الوقت أنه يدافع عن حقوق الإنسان.
ظاهرة فرضت نفسها وحزب قومي يدعو إلى طردهم

وحسب مراقبين، فإن ظاهرة المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء فرضت نفسها على مجلس الأمن القومي بعد أن أصبحت ملفاً خلافياً يشق البلاد إلى نصفَين متضادَّين، وملفاً حارقاً تم تفادي الحديث عنه منذ سنوات ليصبح خلال الأشهر الأخيرة ملفاً حارقاً بعد أن أصبح وجود المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء ظاهرة لافتة للنظر تستدعي تدخل السلطات التونسية.
فقد أطلق الحزب القومي التونسي، حملة لدفع السلطات على “طرد المهاجرين” وتطبيق القانون، معتبراً أن هناك مخططاً لـ”الاستيطان”؛ وهي حملة وصلت إلى مواقع التواصل الاجتماعي وانخرط فيها صانعو المحتوى والمؤثرون وكذلك الأحزاب وشخصيات سياسية والفنانون.
اقرأ أيضاً: العالم عاجز عن مواجهة الهجرة
ويقود هذا الحزب حملات ميدانية لحض السلطات على طرد المهاجرين الأفارقة، معتبراً أن هناك مخططاً لـ”الاستيطان الإجصي”، و”الإجصي” كلمة تعني حسب هذا الحزب المهاجرين المنحدرين من إفريقيا جنوب الصحراء.
وأكد أمين عام الحزب حسام طوبان، في تصريحات إعلامية، أن حزبه “ليس عنصرياً؛ بل يدافع عن القومية التونسية، ويرفض توطين المهاجرين من دول جنوب الصحراء” في بلاده، معتبراً أن “تونس تتعرض إلى مخطط لتحويلها إلى موطن أصلي للأفارقة من أصحاب البشرة السوداء”.
حملة إيقافات

الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمكلف بالهجرة رمضان بن عمر، أكد في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، وجود حملة إيقافات تستهدف المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء الموجودين في تونس؛ وهي حملة تبرِّرها السلطات والجهات الأمنية، بملاحقة المقيمين منهم على غير الصيغ القانونية والمفتش عنهم في قضايا حق عام، ليتم رصد نحو 300 إيقاف عشوائي في صفوفهم مؤخراً؛ وهي إيقافات هدفها خلق حالة من الذعر والترهيب لديهم لإثنائهم عن التوجه إلى تونس أو لإجبارهم على مغادرتها بأية طريقة كانت.
وحسب رمضان بن عمر، فقد انطلقت حملات تستهدف المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء منذ مدة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتتخذ أبعاداً خطيرة بعد دخول أطراف سياسية ونواب منتخبين في البرلمان القادم على الخط، تحت عنوان “التثبت من وضعية الإقامة”، بعد أن أصبحت تونس نتيجة السياسات الهجرية الأوروبية والوضع في الجزائر ملجأ ومهرباً للعديد من المهاجرين من جنوب الصحراء.
“الدولة التونسية مطالبة باحترام حقوق المهاجرين بصرف النظر عن وضعيتهم الإدارية؛ خصوصاً في ظل التعهدات التي وقعتها تونس على المستوى الدولي، إضافة إلى التشريعات الوطنية التي تحميهم”، يضيف ابن عمر.
وأكد ابن عمر أن “الدولة التونسية أغمضت عينَيها”، وَفق تعبيره، “عن الحملة التي استهدفت المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء على شبكات التواصل الاجتماعي، وانخرطت في هذه الحملة”، وبيَّن أن “هذه الحملة أثارت مخاوف كبرى لدى المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء؛ وهو ما ترجم لدى العديد منهم في شكل من أشكال الهروب الجماعي في عديد من الجهات، خوفاً من الملاحقات الأمنية والإيقافات التي يمكن أن تطولهم”.
تنديدات حقوقية

حملات الاعتقالات والدعوات إلى ترحيلهم دفعت بالعديد من المنظمات الحقوقية إلى التحذير مما وصفته بتنامي خطاب الكراهية تجاه المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء. ونددت 20 منظمة وجمعية تونسية بتنامي الخطاب العنصري ضد المهاجرين الأفارقة؛ من بينها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي انتقد ما سمَّاها بـ”حملة التحريض التي تستهدف المهاجرين الوافدين من بلدان جنوب الصحراء”، وقال إنها “اتخذت منحى خطيراً”.
ووَفق التقرير السنوي للهجرة الصادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية سنة 2019، فإن تونس التي كانت على رأس الدول المصدرة للمهاجرين غير النظاميين إلى الأراضي الأوروبية، أصبحت وجهة للمهاجرين الأفارقة من بلدان جنوب الصحراء. وحسب التقرير، فإن تونس ولئن أصبحت بلد عبور نحو القارة العجوز بالنسبة إلى عدد كبير من الأفارقة من دول جنوب الصحراء؛ فإن البعض منهم اختاروا الاستيطان فيها والبحث عن مواطن شغل، ويعملون في عديد من المهن الصغرى؛ على غرار عمال المقاهي والمنازل ومحلات الحلاقة والأنشطة الفلاحية.. وغيرها، ويتعرضون إلى الاستغلال والتمييز العنصري.
مقترح أوروبي لتوطين المهاجرين في تونس
اقرأ أيضاً: طريق الموت.. أكثر من خمسين ألف شخص فقدوا حياتهم أثناء الهجرة
الإعلامي التونسي لطفي العماري، أكد أن تونس التي لم تكن سبباً في المآسي التي تعانيها إفريقيا ولم تنهب ثرواتها سابقاً على غرار الدول الأوروبية الاستعمارية، تواجه ضغوطات متواصلة من الجانب الأوروبي، حتى في عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، لاحتضان تونس مخيماً لإيواء المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء في اتجاه أوروبا. وحسب العماري، فإن هذا الضغوطات والمقترحات الأوروبية ازدادت بعد سنة 2011؛ خصوصاً من ألمانيا وبلجيكا التي ألحت على تونس لفتح حدودها؛ حتى تتحوَّل إلى محتشد للمهاجرين غير النظاميين الموجودين في أوروبا، وعرضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، هذا المقترح على حكومتَي الباجي قايد السبسي، ويوسف الشاهد، ورفضاه. وصرَّح وزير اللجوء والهجرة البلجيكي “ثيو فرانكين”، إثر زيارته إلى المغرب والجزائر، بأن الحل الوحيد أمام أوروبا للتخلص من المهاجرين غير الشرعيين هو أن تستقبلهم تونس ودول أخرى كمصر، مع التعهد بتقديم إغراءات مهمة لهم.
وحسب مراقبين، فإن التطرق إلى ظاهرة وضعية وجود الأفارقة من جنوب الصحراء في تونس يتطلب الكثير من الرصانة والموضوعية بعيداً عن المزاجية والانفعال والتشنج؛ نظراً لتشعب الملف وارتباطه العضوي بعدة عوامل داخلية وخارجية على أكثر من صعيد.