الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

“بعبع” تزايد أعداد المسلمين في الهند.. هواجس دينية ومصالح دولية

قد يصل عدد المسلمين في الهند إلى 311 مليوناً بحلول عام 2050؛ لكن هذا الرقم يُبقيهم كأقلية في بلاد سيبلغ عدد سكانها نحو 1.7 مليار في منتصف القرن.

كيوبوست- زيد قطريب

لم يكن من ضمن حسابات صندوق الأمم المتحدة للسكان، أن يُستخدم إعلانه في التاسع عشر من أبريل الماضي، حول تجاوز الهند للصين سكانياً منتصف العام الجاري،  ذريعةً لشن هجمة شرسة من قِبل الهندوس على المسلمين، نتيجة اتهامات الهندوس لهم بالسعي للوصول إلى الأغلبية السكانية، والعمل على تغيير دستور البلاد.

ويبدو أن بعض وسائل الإعلام والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، اتخذوا من إعلان الأمم المتحدة ذريعة لتأليب الطائفة الهندوسية وبقية مكونات المجتمع الهندي، ضد المسلمين، في ظل تأخير الإحصاء الرسمي للسكان حتى عام 2024، بسبب انتشار فيروس كورونا.

اقرأ أيضاً: مفتي الهند لـ”كيوبوست”: ما حدث من إساءة إلى الرسول موقف فردي لا يمثل الحكومة

وعلى الرغم من أن التوقعات تشير إلى أن عدد سكان الهند سيصل إلى مليار و428.6 مليون نسمة مقابل مليار و425.7 مليون في الصين بحلول منتصف عام 2023؛ فإن المسلمين البالغ عددهم أكثر من مئتي مليون، لا يمكن أن يصلوا إلى أغلبية السكان، كما يصور النشطاء من أعضاء حزب “بهاراتيا جاناتا” الهندوسي القومي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

ويُعتبر الصيدلاني الهندي المنتمي إلى الطائفة الهندوسية، “آميت أبادهياي”، من أبرز المروجين لهذه المعلومات المضللة؛ عبر صفحته التي يتابعها أكثر من أربعين ألف شخص، وقد كتب مؤخراً أن “زيادة عدد السكان في الهند يتحملها المسلمون؛ لأنهم ينجبون الكثير من الأطفال”. وطالب الهندوسيات أن ينجبن المزيد. وفي لقاء مع وكالة “فرانس برس”، قال أبادهياي: “المسلمون سيصبحون تهديداً، وسيقومون بمحو الديانة الهندوسية من الهند”.

اقرأ أيضاً: هل نجح الحزب الحاكم بالهند في احتواء أزمة التصريحات المسيئة؟

توقعات مركز “بيو” الأمريكي، تشير إلى أن عدد المسلمين في الهند قد يصل إلى 311 مليوناً بحلول عام 2050؛ لكن هذا الرقم يُبقي تصنيفهم كأقلية في بلاد سيبلغ عدد سكانها نحو 1.7 مليار في منتصف القرن. ورغم ذلك؛ فإن هذه المعلومات لم توقف حملات التجييش التي تتطور إلى أعمال عنف واضطهادات تُمارس ضد المسلمين هناك.

رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي- EPA

يقول خبير السكان الأممي، باتريك جيرلاند، لمحطة “بي بي سي” البريطانية: “ليست لدينا أي بيانات كاملة منشورة من قِبل الحكومة الهندية منذ عام 2019. ما لدينا مجرد افتراضات وتقديرات، قُمنا بها في الأمم المتحدة بناء على مصادر مختلفة للمعلومات المتاحة حتى عام 2019″، ويُضيف: “إن اللحظة المحددة التي ستتجاوز فيها الهند عدد سكان الصين، يمكن أن تحدث هذا الشهر، أو هذا العام، أو ربما تكون قد حدثت بالفعل”.

وليس من المستبعد أن تتسبب تقديرات إحصاءات السكان في اضطرابات واعتداءات ضد المسلمين في الهند، على الرغم من أنها ما زالت ضمن إطار الفرضيات البعيدة عن الأرقام الرسمية؛ فالمنطقة لها سجل حافل من الصدامات، يعود إلى بدايات القرن الماضي؛ عندما قُتل أكثر من عشرة آلاف شخص من المسلمين والهندوس عام 1950، وتكررت أحداث العنف الطائفي خلال عقدَي الخمسينيات والستينيات، وصولاً إلى اليوم.

إحراق مدرسة العزيزية الإسلامية في الهند- مواقع التواصل

وتكثر في الهند المجموعات الإثنية والدينية التي يطالب بعضها بالانفصال وتشكيل دولة مثل السيخ في البنجاب، بينما يعتقد الهندوس بضرورة تكريس الصفة الهندوسية على الهند باعتبارهم أغلبية. أما البوذية فتعتبر من الطوائف الكبيرة بعد الهندوسية، بينما يُعد المسلمون أكبر الأقليات، وتصل نسبتهم إلى 15% من السكان.

وفي ظل هذا التنوع داخل المجتمع الهندي، يمكن البحث عن العامل السياسي الدولي والمحلي المستفيد من الاضطرابات الحاصلة ومحاولة بعض الأطراف الخارجية إثارة القلاقل والنعرات؛ لا سيما أن الهند بدأت تفرض مكانتها كقوة اقتصادية وعسكرية عالمياً.

اقرأ أيضاً: الجبهة الشعبية الهندية.. نافذة على التطرف

التهجم على المسلمين في الهند، واستغلال موضوع التزايد السكاني لاتهامهم بالسعي للسيطرة والتحول إلى أغلبية، لا يقتصر على الناشطين العاديين في مواقع التواصل الاجتماعي؛ فقد نشرت الصحف الغربية، مثل “الغارديان”، مقالات افتتاحية اتهمت فيها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، بمحاولة “شيطنة المسلمين”، وقد منعت واشنطن إعطاء مودي تأشيرة دخول للولايات المتحدة عندما كان رئيساً لإقليم غوجارات؛ بسبب إخفاقه في منع أعمال العنف ضد المسلمين، التي راح ضحيتها المئات عام 2002؛ لكنها سمحت له بالدخول بعد أن صار رئيساً لوزراء الهند.

صدامات بين المسلمين والهندوس- مواقع التواصل

يبدو المسلمون في الهند وكأنهم “مكسر عصا”؛ فحكومة نيودلهي الميالة للاتجاه الهندوسي تنظر إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية، أما عالمياً فالأمر متروك لطبيعة المصالح السياسية والاقتصادية التي تشيطنهم أحياناً، أو تتخذهم ذريعةً للحديث عن حقوق الإنسان والأقليات؛ إذا ما أرادت الأطراف الدولية الحصول على مكاسب من الحكومة الهندية.

والأخطر من ذلك كله هو محاولة جماعة الإخوان المسلمين والجماعات التابعة لها، اختطاف المسلمين في الهند وتوريطهم في مواقف تجعلهم عرضة للتهجمات. وقد سبق لما يُسمى “الجبهة الشعبية” و”الجبهة النسائية الوطنية” و”الحركة الإسلامية الطلابية”، أن ارتكبت الكثير من التجاوزات، وفي مقدمتها المطالبة بتغيير الدستور الهندي وجعله دستوراً إسلامياً.

يبدو موضوع الزيادة السكانية و”فوبيا” ارتفاع أعداد المسلمين في الهند، مجرد واجهة لقضايا جوهرية تحدث داخل المجتمع والحكومة الهنديَّين، إضافةً إلى المستويَين الإقليمي والدولي اللذين يتابعان هذا الملف باهتمام.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

زيد قطريب

كاتب وصحفي سوري

مقالات ذات صلة