الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة.. الجن يهاجر من السودان أسوة بالإنس

كيوبوست- عبدالجليل سليمان

لم يُثر تصريح رئيس الجمعية الروحية السودانية “البكري أبو حراز”، المنسوب إلى إحدى الصحف القطرية، عن هجرة معظم الجن من السودان بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، سخرية السودانيين وغيرهم ممن اطلعوا عليه فحسب؛ بل لفت أنظار الجميع إلى الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها السودان والحالة المعيشية الضنك التي يرزح تحتها شعبه، بسبب عدم وجود حكومة منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021، وتعليق المانحين الدوليين المساعدات المالية واشتراطهم إعادة السلطة إلى المدنيين لاستئنافها.

وكانت الحكومة الانتقالية المُطاح بها برئاسة عبدالله حمدوك، تمكنت من رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على البلاد وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأعادت المساعدات الأجنبية التي فاقت مليارَي دولار سنوياً.

اقرأ أيضاً: بعد عمليات القتل على الهوية القبلية.. مصير مجهول لإقليم دارفور

ويعاني ثُلث السودانيين الجوعَ، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة؛ حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية خلال عام 2022 بنسبة 137%، بما يزيد عن عام 2021 بـ50%، مع استمرار ارتفاع معدلات البطالة والفقر وغلاء السلع والخدمات.

التصريحات المنسوبة إلى رئيس الجمعية الروحية السودانية، ربما تفسر هذا الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي شديد الهشاشة والرثاثة بإحالته إلى (الغيبيات) والحديث عن أن الأمور بلغت حداً جعل حتى “الكائنات” غير المرئية تضيق بها ولا تقوى على احتمالها فتهرب من البلاد.

ما ورائيات السياسة

حيدر المكاشفي

إن الحديث عن الشياطين والجن في ما يتعلق بالمسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليس غريباً في السودان وليس وليد لحظة البكري أبو حراز، يقول الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي؛ إنه حدث في عهد النظام السابق أن اقترح أحدهم في مؤتمر اقتصادي نظرية الاستعانة بالجن لخدمة نظام الحكم.

يضيف المكاشفي لـ(كيوبوست): هنالك طرفة تقول إن المردة والشياطين والأبالسة والجن قد شوهدت في مطار الخرطوم وهي تتأهب للمغادرة خارج البلاد عن بكرة أبيها.. وعندما سُئلوا عن سبب مغادرتهم البلاد، تباروا في ذكر جملة من الأسباب والشواهد والمشاهد والمواقف والممارسات؛ مما لا يمكن حصره سوى في عبارة جامعة ملخصها أن البلد قد امتلأ بغيرهم من الشياطين والأبالسة والجن ولم يعد لهم ما يفعلونه فيه.

اقرأ أيضاً: تجميد النقابات في السودان.. تقييد لعناصر الإخوان

أزمات طاحنة

وفي السياق ذاته، تسببت الأزمة السياسية التي مر بها السودان في أوضاع اقتصادية طاحنة؛ حيث طال الفقر أكثر من 60% من السكان البالغ عددهم نحو 44 مليون نسمة، وفقاً لتقارير متطابقة محلية ودولية، وأن نحو 15 مليون شخص بحاجة إلى الدعم الأساسي من مياه شرب نظيفة وغذاء، حسب تقارير الأمم المتحدة، فضلاً عن 12 مليون شخص يعانون الجوعَ في أنحاء البلاد المختلفة؛ إذ فاق معدل التضخم % على أساس سنوي، ما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للموظفين في ظل تدني الدخول وتراجع قيمة الجنيه؛ وزيادة الضرائب والرسوم.

أسواق شعبية مغلقة نتيجة توقف عمليات الشراء- وكالات
صديق دلاي

من جهته، قال الصحفي والمحلل السياسي صديق دلاي، لـ”كيوبوست”: إن التفسيرات الماورائية للواقع تَظهر وتُرَوَّج في أوقات الأزمات الكبرى، وما يمر به السودان من أزمة سياسية واقتصادية وأمنية وانسداد أفق الحل وعجز القادة العسكريين الحاليين الذي انقلبوا على الحكومة الانتقالية المدنية، عن تشكيل حكومة لتسيير دولاب العمل في البلاد لأكثر من عام، وتفشي البطالة والفقر والمخدرات وسط الشباب، وتنامي الطلب على الهجرة للبحث عن فرص عمل وحياة معيشية وأوضاع أمنية أفضل، ربما يفسِّر تصريحات البكري أبو حراز، رئيس الجمعية الروحية السودانية، الذي ربما أراد أن يقول إن البلاد ضاقت بالجميع دون استثناء الجن والشياطين، الكل يريد الهروب من هكذا أوضاع والنجاة بنفسه منها؛ هذا هو مغزى التصريح برأيي، وإن كان تفسيره على هذا النحو غير ضروري لتبريره لكون الرجل (رئيساً لجمعية روحية) لا يتوقع منه أن يأتي بتفسيرات علمية بالضرورة وطبيعة الحال.

اقرأ أيضاً: رجم بالحجارة.. “أمل” السودانية تعيد إلى الشارع كابوس عهد مضى

الجن يتبع الإنس

إلى ذلك، فإن البكري أبو حراز، كان قد عزا هجرة الجن من السودان إلى سوء الأحوال الاقتصادية؛ إذ يمر السودان بأزمة اقتصادية خانقة لم يشهد مثلها من قبل، حيث ارتفعت أسعار بعض السلع الأساسية إلى نحو 500%، خلال عام 2022، وأُصيبت كل الأنشطة الاقتصادية الرئيسية؛ مثل الزراعة والرعي، بشلل تام، بينما تنامت عمليات تهريب الذهب إلى الخارج وعدم قدرة الأجهزة على الحيلولة دون ذلك.

مفرزة من المتصوفة في حالة جذب- وكالات

ونتيجة للتباطؤ الشديد في الدورة الاقتصادية، حدث انخفاض حاد في الاستهلاك مع ارتفاع مماثل في أسعار السلع الرئيسية؛ حيث تفشت البطالة والفقر، وبالتالي انتشرت الجريمة والمخدرات بشكل غير مسبوق، حيث وجدت بيئة مواتية ومثالية للنمو.

مفرزة من المتصوفة في حالة جذب- وكالات

وفي هذا الصدد، أشارت تقارير صادرة عن العديد من النقابات المهنية، أواخر العام الماضي، إلى الأوضاع الاقتصادية الراهنة والتراجع المخيف في قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، أفضت إلى تدهور كبير في أوضاع الموظفين والعمال في القطاعَين العام والخاص؛ حيث انخفضت الأجور الشهرية -تبعاً لانخفاض قيمة الجنيه- انخفاضاً حاداً وأصبحت غير مجزية ولا تفي بأبسط المتطلبات؛ الأمر الذي جعل معظم الموظفين يغادرون وظائفهم ويطلبون الهجرة إلى الخارج بحثاً عن فرص أفضل، وهكذا ربما تفعل الجن والشياطين وفقاً لرئيس الجمعية الروحية السودانية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

عبد الجليل سليمان

مراسل السودان