الواجهة الرئيسيةترجمات

بريطانيا ترفض الانسياقَ وراء المتطرفين بشأن “استراتيجية المنع”

كيوبوست-ترجمات

ليام دوفي ♦

لقد كان الجدلُ الدائرُ حولَ المراجعة المستقلة لاستراتيجية المنع، التي تشكِّل جزءًا من الاستراتيجية البريطانية العامة لمكافحة الإرهاب، والتي تُعرف باسم “Contest“، كان جدلًا متوقعًا. الجدير بالذكر، أن استراتيجية المنع قد أُطلقت في عام 2003، بهدف المساعدة في إبعاد الأشخاص المُعرضين للتطرف عن الوقوعِ بين براثنه، وكذلك إبعاد الذين يمكن تجنيدُهم في جماعات إرهابية، بعيدًا عن هذا المسار الخطير. ومنذ إقرارها، أصبحت استراتيجيةُ المنع واجبًا قانونيًا في كثيرٍ من مناحي الحياة البريطانية. وبالتالي يتدرب الموظفون، بدءًا من المدرسين إلى العاملين في مجال التمريض، الذين يتعاملون مع أشخاصٍ عرضة للتطرف، على التعرف على مؤشراتِ الاضطراب، والإبلاغ عنهم، وكيفية إحالة الأفراد لتلقي الدعم من الهيئات المختصة؛ بهدف الحيلولة دون انخراطهم في الأنشطةِ المتطرفة والإجرامية.

مؤخرًا، برز لوبي ضد استراتيجية المنع في المملكة المتحدة، يرى أصحابُه أن الاستراتيجيةَ تُحوِّل الموظفين المهنيين؛ مثل المدرسين، إلى جواسيس، وتهدد حرية التعبير. ويُروَّج لهذه الحجج، التي تُعتبر “سخيفة”، من قِبل شبكة سيئة النية من جماعات تدعم التطرف، لكنها تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان. الهدف الحقيقي لهذه الجماعات، هو إضعافُ قوانين مكافحة الإرهاب في بريطانيا، ومن ثم إلغاؤها، ليصبح من السهل عليها نشرُ الأفكارِ المتطرفة.

اقرأ أيضًا: العصفور الأسود.. التطرف اليميني يقض مضجع فرنسا

دائمًا ما تحتج جماعاتُ هذا اللوبي والتي تقود دعواتٍ للقيامِ بمراجعة للاستراتيجية، أنها غيرُ ممثلةٍ في النقاشات حول هذه الاستراتيجية، من بين هذه الجماعات، على سبيل المثال، جماعة ضغط تدعى “كيج” CAGE، التي دافعت مرارًا عن متطرفين وإرهابيين، ومثَّلتهم في قضايا عدة، ودعت لإلغاءِ تشريعات مكافحة الإرهاب كافة التي تم إدخالها منذ هجمات 11 سبتمبر 2001. ومن ثم، فإن حالة الغضب والحنق التي قابلت بها هذه الجماعات تعيين اللورد كارليل كمراجعٍ مستقل لاستراتيجيةِ المنع لم تشكِّل مفاجأةً. بل يأتي تعيينُه مناسبًا تمامًا، ذلك أن الرجل قضى عشر سنوات كمراجعٍ مستقل لتشريعاتِ الإرهاب، وليس هناك سوى عدد قليل من المؤهلين لقيادة هذه المراجعة.

ولا شك أن استراتيجية المنع، توفِّر للأشخاص فرصةً للنجاة من التورط في الإرهاب، قبل فوات الأوان، لكن استراتيجية المنع أضحت ساحةَ معركةٍ كبرى للمتطرفين الذين يسعون إلى تخريب جهود بريطانيا لمكافحة الإرهاب. والمفارقة هي أن المطالبات المتعلقة بإلغاء الاستراتيجية تشكِّل جزءًا رئيسًا من الإجراءات التي أدت إلى بدء المراجعة المستقلة في المقام الأول، والتعيين الذي تلا ذلك للورد كارليل، الذي سيعزز السياسة التي يحاول هذا اللوبي إلغاؤها.

وهكذا، في حين أن وزارة الداخلية قد اتُهمت بمحاولة تحسين صورة المراجعة، قبل أن تبدأ، فإن أولئك الذين يقومون بتخفيفِ وجه التهديد الإرهابي، الذي يلوح في الأفق دائمًا، ويقللون من شأنه، لا يمكن اعتبارهم أشخاصًا مخلصين، وذوي نية حسنة في رد فعلنا الجماعي على الإرهاب. ومن ذلك، ما قامت به البارونة سعيدة وارسي والتي سارعت إلى شجبِ إعلان تعيين اللورد كارليل، حيث قالت لمتابعيها على “تويتر” الذين يصل عددهم إلى 150,000 متابع، إن اللورد كارليل لا يحظى “بثقة المجتمعات المتضررة من التجاوزات والأخطاء التي ارتكبت باسم استراتيجية المنع”.

ويبدو أن استراتيجية المنع عانت تضليلًا في طرحها لرجلِ الشارع العادي، وأن العديدَ من “التجاوزات” التي ارتكبت، نُسِبَت إلى الاستراتيجية وقد ثبُت أنها مضللة في أحسن الأحوال، أو تُختلَق، بشكلٍ متكرر، من قبل لوبي المعارضة للاستراتيجية الذي يحاول تنصيب نفسه كممثِّل للمجتمع. وقد تعرّض اللورد كارليل للانتقاد من سعيدة وارسي؛ لأنه دافع سابقًا عن استراتيجية المنع، مدعيّة أن هذا دليل على عدم استقلاله. وبالطبع، لا ينبغي أن نستغرب أن يكون شخصٌ له مثل هذا التاريخ، في مجال مكافحة الإرهاب، أن يكون له تعليق أو موقف من أكثر مكونات سياسة مكافحة الإرهاب المطروحة أمام الرأي العام أهمية. ولكن من الصعب أيضًا أن يُفوِّت اللوبي المناهضُ للمنع هذه الفرصةَ، من دونِ أن يشيرَ إلى أنه غير مستقل. وربما كان الأكثر توقعًا، أن يلي ذلك اتهاماتٌ للرجل بالإسلاموفوبيا. وكان اللورد كارليل قد عمل في السابق مع مركز “بوليسي اكستشينج” للأبحاثِ السياسية في لندن، للوقوف في وجه مقترح مجموعة برلمانية تضم جميعَ الأحزاب؛ بشأن تعريفٍ مقترح من قبل المسلمين البريطانيين للإسلاموفوبيا.

اقرأ أيضًا: التطرف العنيف في جمهورية التشيك: أسباب كثيرة وأهداف أكثر

عقب ذلك، أصدر ائتلافٌ من 10 منظماتٍ بيانًا مشتركًا، ادعى فيه أن تعيين اللورد كارليل قوّض “نزاهة ومصداقية المراجعة منذ البداية“. غير أن إلقاءَ نظرة سريعة على الجماعات المشاركة في الائتلاف من شأنه أن يُظهر، مرة أخرى، جماعاتٍ من أمثال “كيج” و”ميند“، التي لا تُعرف بمصداقيتها أو نزاهتها، فيما يتعلق بالتطرف، ومنظماتٍ مثل “جاست يوركشاير”. ولقد أصدرت منظمةُ “جاست يوركشاير”، في السابق، تقريرًا معيبًا للغاية عن استراتيجية المنع وانتقدتِ الدعمَ لمجلة تشارلي إبدو في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له المجلة في يناير 2015، باعتبارها تدعي بغير حق “قيم الحرية لبعض المفاهيم الأسطورية حول التفوق الأخلاقي الغربي”.

وقال متحدث باسم منظمة “ليبرتي” أيضًا عن قرار تعيين اللورد كارليل: “إن استراتيجية المنع تقتل حرية التعبير، وتشجع التمييز، وتضغط على العاملين في القطاع العام ليصبحوا عملاء بالإكراه في أجهزة الشرطة والأمن. وقد تسببت في أضرار لا تعد ولا تحصى للمجتمعات التي تستهدفها”.

وختامًا، يمكن القول إنه بتعيين اللورد كارليل، مستشارَ الملكة، لهذا العمل، اختارتِ الحكومةُ خبيرًا رفيعَ المستوى، ناهيك عن أنه خبيرٌ أيضًا في الطب الشرعي، للاضطلاع بالمهمة الشاقة المتمثلة في مراجعة الاستراتيجية التي باتت أشبه بجزءٍ من “أحجية الصور المقطوعة”، المُفترى عليه والذي يُساء فهمُه في الجهود التي تبذلها المملكة المتحدة لمكافحةِ الإرهاب. والشيء الأكثر تشجيعًا في هذا الصدد هو أن الحكومة لم تشارك في هذا الأمر العقيم؛ أي محاولة استرضاء الاشخاص الذين لا يمكن استرضاؤهم. ومن الأهميةِ بمكان، أن يؤخذ هذا في الاعتبار عند نشرِ المراجعةِ في نهاية المطاف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: عين أوربية على التطرف.

♦  باحث في شؤون مكافحة التطرف في مركز “سيفيتاس” البحثي.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة