الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دوليةشؤون عربية
بروتوكول مكافحة العبودية في السودان.. خطوة لإصلاح القانون
يهدف البروتوكول إلى مكافحة بعض الممارسات التي سادت في السودان لسنوات.. مثل الاتجار بالبشر والعمل القسري وتجنيد الأطفال

كيوبوست – عبد الجليل سليمان
أعلنت منظمة العمل الدولية انضمام السودان إلى البروتوكول الخاص بمكافحة “العبودية” والعمل القسري، الذي سيتم التوقيع عليه في 26 مارس الجاري في جنيف؛ ليصبح الدولة رقم 50 التي تنضم إلى هذا البروتوكول.
ويهدف البروتوكول إلى تحديث اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 29 لعام 1930 المتعلقة بالعمل القسري، لمعالجة بعض الممارسات؛ مثل الاتجار بالبشر، الذي ينتهك حقوق الإنسان، وكرامة ملايين النساء والرجال، والفتيات والفتيان.
اقرأ أيضاً: أهوال المدارس الدينية السودانية.. حبس وضرب وانتهاكات جنسية للأطفال
معضلات جمة

يعاني السودان مُعضلاتٍ كبيرة في هذا الصدد؛ إذ يُعتبر مقراً لضخ المهاجرين من مناطق الحروب والنزاعات والمناطق الريفية البعيدة عن العاصمة، والتي يعاني سكانها فقراً مدقعاً وانعداماً للأمن، كما يعتبر ممراً لعبور المهاجرين من دول شرق إفريقيا (إريتريا وإثيوبيا)، على وجه الخصوص؛ إلى الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، قاصدين القارة الأوروبية؛ وجهتهم الأخيرة.
هذا فضلاً عن الاستغلال المتواصل للأطفال القصر في العمل، وتشغيلهم بالسخرة في المدارس الدينية “الخلاوي”، كما ورد في كثيرٍ من التقارير، علاوة على تجنيدهم كمقاتلين، وزجهم إلى الحروب الأهلية التي وسمت البلاد منذ استقلالها، وإلى وقتٍ قريب؛ خصوصاً في الميليشيات ذات الطابع القبلي والجهوي والقوات شبه الحكومية والكتائب الاحتياطية الإسلامية التابعة للنظام السابق.
اقرأ أيضاً: سامية سولو حسن.. امرأة من أرخبيل القرنفل على عرش “دار السلام”
مكافحة العبودية والاتجار بالبشر

يقول الكاتب والمحلل السياسي محمد المبروك: أصبح السودان، في السنوات الأخيرة، مرتعاً لممارسات تُعد نوعاً من الاتجار بالبشر؛ خصوصاً تهريب اللاجئين الإثيوبيين الإريتريين القادمين من شرق القارة، عبر حدود السودان الشمالية الغربية إلى ليبيا في طريقهم نحو أوروبا.
وكشف المبروك لـ”كيوبوست” عن أن هناك عمليات تجنيد للأطفال في الميليشيات؛ خصوصاً قوات الدعم السريع، كما يُثار في بعض التقارير.
واعتبر المبروك توقيع السودان على البروتوكول أمراً مهماً جداً لمحاربة العبودية والاتجار بالبشر؛ ولكن الأهم من ذلك، والذي يعتبر المحك الفعلي -حسب المبروك- هو تنفيذ ما سيتم التوقيع عليه؛ لكنه عاد ليؤكد أن توقيع السودان على مثل هذه الاتفاقيات الدولية يُعزز انخراطه في المجتمع الدولي، ويظهر نية حسنة في الاهتمام والاشتباك مع القضايا التي تؤرق الضمير العالمي؛ مثل قضايا الاتجار بالبشر واستخدام الأطفال في العمالة والتجنيد.

اقرأ أيضاً: ما الدوافع خلف حملة الاعتقالات ضد عناصر الإخوان في السودان؟
أنسنة التشريعات

من جهتها، قالت الإعلامية والمحللة السياسية د.نونا عمر، لـ”كيوبوست”: كما هو معلوم فإن الانضمام والتوقيع على مثل هذه البروتكولات، مؤشر أساسي في تصنيف الدول وفق شروط (الأنسنة)؛ بمعنى أنها أمكنة صالحة للحياة، وفق معايير إنسانية وأخلاقية متفق عليها عالمياً.
تضيف نونا: في بلدٍ مثل السودان خارج لتوه من حروب وانتهاكات استمرت أعواماً؛ لحق بالأطفال خلالها قدر كبير من الأذى النفسي والجسدي، فإن أهمية هذه الخطوة تتضاعف وتتسق مع الروح التي أعقبت التغيير؛ سواء ذلك المنشود اجتماعياً من خلال العمل على خلق مجتمعٍ معافى، أو سياسياً بإنهاء العزلة السياسية وحالة التجريم المتعمد ونظرة الريبة التي طبعها النظام السياسي السابق على كل المواثيق العالمية التي تضر بمصالحه وسياساته الداخلية.

اقرأ أيضاً: تنافس روسي- أمريكي في مياه السودان الإقليمية
لكن هل التوقيع على البروتوكول يبدو أمراً كافياً؟ تتساءل عمر، قبل أن تستطرد قائلة: بالضرورة لا بد أن تحدث مواءمة داخلية؛ بمعنى ربط هذه الخطوة المهمة بترتيباتٍ داخلية، أقصد إصلاحات قانونية صارمة تؤدي إلى القضاء على الجرائم الواردة في البروتوكول الخاص بالعمل الجبري، وعمالة الأطفال، والقضاء على كل أشكال التمييز، هذا بدوره ينبغي أن يفضي إلى إصلاحاتٍ اجتماعية في ما يتعلق بقضايا الطفل؛ وهنا يأتي دور وسائل الإعلام المحلية ومدى تبنيها هذه القضايا بصورةٍ جادة وواعية، كما يقفز هنا دور المناهج التربوية كذلك.

تواصل عمر حديثها إلى “كيوبوست”، مشددة على أن كل ما تحدثت عنه لن يتحقق إلا باستيعاب الدولة قضايا الأطفال، وبأن تكون لديها استراتيجية للتعامل مع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي نتجت عنها مثل هذه المشكلات والجرائم التي اهتم بها البروتوكول.
اقرأ أيضاً: السودان خارج قائمة الإرهاب.. فهل ستعبر الحكومة الانتقالية به إلى بر الأمان؟
مواءمة القوانين المحلية

إلى ذلك، اعتبرت الحقوقية والناشطة السياسية والنسوية المحامية حنان حسن، انضمام السودان إلى البروتوكول الخاص بمكافحة العبودية والعمل الإجباري، تأكيداً لتوجه الدولة لحماية الأطفال ومحتاجي الحماية القانونية، وسعياً دؤوباً من الحكومة الانتقالية لضم السودان إلى المعاهدات الدولية التي يتم تشريعها لتعزيز الحماية الإنسانية للبشر.
وأضافت حسن: غياب السودان لأعوامٍ طويلة عن المجتمع الدولي حتَّم على الحكومة الانتقالية وضع عودته إليه ضمن أولوياتها؛ وظلَّت وزارة العدل تسعى لتحقيق عودة السودان إلى مظلة الحماية القانونية الدولية، كما أن الانضمام إلى البروتوكول يعتبر خطوة مهمة لحماية الأطفال الذين ظلوا عهوداً طويلة من تاريخ الدولة السودانية الحديثة يعانون التجاهل، وعدم توفير الحماية القانونية؛ ما سيتيح لوزارة العدل وكل المهتمين بحقوق الطفل ومحتاجي الحماية القانونية تشريع مزيدٍ من القوانين التي تتوافق مع هذا البروتوكول، وكذلك تطوير القوانين الحالية وتوسيع مظلة الحماية القانونية لهذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع.
وأشارت حسن إلى أن التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات الدولية يلزم الدول الموقعة مواءمة قوانينها لتتوافق معها؛ وبالتالي فور إعلان الحكومة رسمياً انضمام السودان إلى البروتوكول، ستشرع وزارة العدل، ومنظمات المجتمع المدني، والنشطاء القانونيون والسياسيون، للعمل على متابعة تفعيله على أرض الواقع.