الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
بروتوكول “كيوتو”.. مهَّد للحد من انبعاثات الاحتباس الحراري ولم ينهها

كيوبوست
مع تزايد الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وتصاعد تهديدها للمناخ والكوكب، نتيجة لأكثر من 150 عاماً من النشاط الصناعي، كان لا بد من ظهور أول اتفاقية دولية تعنى بالتغير المناخي، فشكَّلت الأمم المتحدة بروتوكول “كيوتو” وتم توقيعه في 1997م في مدينة كيوتو في اليابان، على أساس اتفاقية “قمة الأرض” التي انعقدت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992م.
وألزم البروتوكول دولاً صناعية بالحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وخفضها، كما وقَّعت عليها معظم دول العالم؛ بما في ذلك الدول النامية، التي كانت معفية من تحقيق أهداف البروتوكول. ومع أن البروتوكول وُقِّع في عام 1997م، إلا أنه دخل حيز التنفيذ في 16 فبراير 2005م؛ بسبب عملية التصديق المعقدة والطويلة من قِبل أطرافه.
اقرأ أيضاً: مكافحة تغير المناخ تتطلب نهجاً جديداً عابراً للحدود
الأهداف
اعتبر بروتوكول كيوتو أن الدول المتقدمة مسؤولة بشكل أساسي عن المستويات المرتفعة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ لذلك وضع على عاتق 38 دولة صناعية واقتصادات تمر بمرحلة انتقالية والاتحاد الأوروبي، خفض الانبعاثات؛ وعلى رأسها انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (CO2) وغازات الدفيئة (GHG) في الغلاف الجوي، بينما أُعفيت أكثر من 100 دولة نامية من الأهداف الموضوعة؛ بما في ذلك الصين والهند.

ولتحقيق أهدافه، اعتمد البروتوكول عدة آليات؛ منها الاتجار بما يُسمى حصص انبعاث الغازات أو تجارة الكربون، إذ يحق لدولة ما شراء وحدات انبعاث فائضة من دولة أخرى، إضافة إلى العمل على تطوير مشروعات تهتم بالحفاظ على البيئة في الدول الفقيرة، والعمل على تطوير مشروعات تقوم بها الدول الصناعية لصالح دول أخرى.
نتائج وعثرات
كما اتفقت الدول الموقعة على البروتوكول على خفض الانبعاثات على مراحل، وبدأت المرحلة الأولى بعد دخول البروتوكول حيز التنفيذ بثلاث سنوات (2008م- 2012م)، وبموجب خطة المرحلة تَحتم على الدول الصناعية خفض الانبعاثات بنسبة 5% مقارنةً بمستويات عام 1990م، الذي اعتُمد كمرجعية، وبلغت مستويات انبعاثاته 22.4 مليار طن متري.
والتزمت 37 دولة بخطة العمل المتفق عليها، بينما خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من البروتوكول عام 2001م، على اعتبار أنه مجحف؛ فقد أكد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، أن بلاده لن تصدِّق على البروتوكول ما لم توافق الصين والدول النامية الأخرى على الحد من انبعاثاتها، وتلتها كندا عام 2011م.
اقرأ أيضاً: ما هو أسوأ من السيناريو الأسوأ لتغير المناخ!
بينما تمكنت الدول التي التزمت بالاتفاق من خفض انبعاثاتها بنسبة 20٪ بحلول عام 2012م، ومع ذلك ارتفعت الانبعاثات العالمية خلال نفس الفترة بنحو 38٪، وهذا ما يكشف نقطة ضعف بروتوكول كيوتو؛ إذ يعتقد خبراء أن عدم إشراك الدول النامية بأهدافه كان إحدى ثغراته، فقد نمت اقتصادات دول نامية مثل الصين والهند وإندونيسيا، ونمت معها انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وبهذا السياق، قال أندرو لايت، المساعد الحالي لوزير الطاقة للشؤون الدولية في وزارة الطاقة الأمريكية، إن الاتفاقية ليست كافية للحد من ارتفاع ظاهرة الاحتباس الحراري على المدى الطويل؛ لأنها تنطبق فقط على البلدان المسؤولة عن رُبع الانبعاثات العالمية، ويضيف: “هذا لا يكفي للتعامل مع المشكلة، يجب الحصول على اتفاق بمشاركة أكبر”.

الوصول إلى اتفاقية باريس
بعد انتهاء المرحلة الأولى من بروتوكول كيوتو، اجتمعت الأطراف الملتزمة به في الدوحة في قطر خلال ديسمبر 2012م، لتمديده والإعلان عن بدء مرحلته الثانية انطلاقاً من عام 2013م وحتى 31 ديسمبر 2020م، وكان المطلوب خلال تلك المرحلة هو خفض ما لا يقل عن 18٪ من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مقارنةً بنسبة انبعاثات عام 1990م.
ومع أنه كان من المقرر أن يمتد تعديل الدوحة لعام 2020م، إلا أنه في عام 2015م عُقدت قمة المناخ في العاصمة الفرنسية باريس؛ حيث تمت صياغة اتفاقية باريس لتحل محل بروتوكول كيوتو، فقد عانى الأخير ثغرات؛ أهمها عدم إشراك الدول النامية بالأزمة البيئية، وبهذا السياق يقول أتي كورهولا، الباحث في السياسات البيئية في جامعة هلسنكي: “كان لاتفاقية كيوتو أثر محدود جداً على المناخ”، وأضاف: “لقد كان طموحها محدوداً جداً، وكانت أدواتها خاضعة لعديد من النظم البيروقراطية، وكان فيها الكثير من الثغرات”.
اقرأ أيضاً: مكافحة تغير المناخ تتطلب نهجاً جديداً عابراً للحدود
واقترحت اتفاقية باريس، بموافقة 195 دولة، خفض الاحتباس الحراري إلى ما دون درجتَين مئويتَين خلال القرن الحالي، مقارنةً بتلك المسجلة في عصر ما قبل الثورة الصناعية، للحد من زيادة درجة حرارة الأرض، ومع ذلك لا تزال مستويات الانبعاثات ترتفع.
في النهاية، يمكن الإشارة إلى بروتوكول كيوتو على أنه مهَّد الطريق للحد من الانبعاثات؛ لكنه لم يأتِ بالحل النهائي، وبهذا الخصوص قال الخبير في العلوم السياسية، روجر بايلكه جونيور: “لقد كانت اتفاقية كيوتو تجربة سياسية كبيرة، وقدَّمت دروساً مهمة يجب الاستفادة منها لأجل المُضِي قدماً، وكان لها عيوبها، ولا عجب في ذلك؛ فمن النادر أن توضع السياسات بشكل صحيح من المرة الأولى، لكن الهيكل العام لا يزال مفيداً”.