فلسطينيات

بتوافق الرؤى: قطر تخدم أهداف إسرائيل في اتفاق التهدئة مع حماس

موافقة حماس على اتفاق التهدئة دون الفصائل ينجز خطة تل أبيب قبل 31 سنة

كيوبوست – أحمد أمين نمر

منذ بدء مفاوضات التهدئة طويلة المدى بين حركة حماس وإسرائيل التي ترعاها جمهورية مصر العربية والأمم المتحدة، حاولت قطر لعب دور الوسيط، بحكم العلاقة المتينة التي تربطها مع الطرفين، إذ تسعى الدوحة إلى إتمام التهدئة، بغض النظر عن اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس.

الدوحة التي تنتهج حربًا دبلوماسية ضد مصر من خلال دورها في أزمة قطاع غزة، تعمل على الوصول إلى اتفاق لإتمام التهدئة بين حركة حماس والإسرائيليين، بشكل يتنافى مع توجه القاهرة التي تحاول رأب الصدع بين الفرقاء الفلسطينيين للم الشمل بينهم، ثم التوجه لمفاوضات أوسع مع الإسرائيليين.

اقرأ أيضًا: وزير الاستخبارات الإسرائيلي: لم ندرس أي اقتراح للإطاحة بحماس منذ سنوات

فرغم مساعي مصر للتوصل إلى اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس قبل التوجه لاتفاق بين إسرائيل والقطاع، إلا أن قطر تناقض التوجه عبر تجاهل المصالحة الفلسطينية، وإغراء حماس بسيادة أكبر على القطاع، عبر الوعود باستثمارات كثيفة تشمل البنى التحتية، وبناء مطار بالقرب من إيلات في جنوب إسرائيل، تحت إشراف أمني إسرائيلي، بالإضافة إلى مشاركتها في إنشاء طريق بحرية من غزة إلى قبرص.

وكسبت قطر ولاء حركة حماس بما قدمته من مساعدات لتكريس حكمها بغزة، إذ قدمت نحو 800 مليون دولار على هيئة مساعدات لغزة، منذ آخر صراع بين إسرائيل وحماس في 2014. ويعود تاريخ علاقة الدوحة مع حركة حماس إلى عام 1999، أي بعد 4 أعوام على انقلاب أمير قطر السابق على والده، وذلك في أعقاب قرار السلطات الأردنية ترحيل قادة حماس وإغلاق مكاتبها في عمان. حينها توسط أمير قطر السابق حمد بن خليفة للمصالحة بين الطرفين.

وفي أعقاب فوز حماس في الانتخابات التشريعية التي أجريت في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2006، كرست الدوحة علاقتها بحماس، واستقبلت في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية في أول زيارة له خارج البلاد، إذ كانت قطر في ذلك الوقت من أوائل الدول التي أعلنت دعمها ومساندتها لحركة حماس في مشوارها للوصول إلى سدة الحكم، وهو المشهد الذي تكرر مرة أخرى في العام التالي 2007، عندما أعلنت حماس انقلابها على السلطة الفلسطينية، وبسط سيطرتها على قطاع غزة؛ فقد أيدت الدوحة الخطوة التي اتخذتها حماس، وتعهدت لها بتقديم دعم مالي سخي. وقُدرت قيمة الدعم القطري لحكومة حماس المنشقة بـ30 مليون دولار شهريًا حسب صحيفة الاتحاد الإماراتية، الأمر الذي ساهم في تعزيز الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، وعرقلة أي جهود لتشكيل حكومة وفاق، وترسيخ فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة.

اقرأ أيضًا: تطورات مفاجئة في غزة… وإسرائيل تتحدث عن صفقة كبرى

وفي عام 2008، ترسخت العلاقة بين قطر وحماس، فشهدت طفرة كبيرة على مختلف المستويات، وذلك عندما أراد أمير قطر السابق تعزيز مكانة رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، من خلال الدعوة إلى عقد قمة طارئة في الدوحة، لبحث تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (2008-2009). وفي هذه القمة جلس خالد مشعل للمرة الأولى بجانب رؤساء بعض الدول العربية والإسلامية، منهم الرئيس السوري بشار الأسد، والرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، ورئيس مجلس الوزراء التركي في حينه رجب طيب إردوغان. وحينها ألقى مشعل كلمة الشعب الفلسطيني بدل محمود عباس، فيما أعلنت قطر تقديم 250 مليون دولار لإصلاح ما أفسدته الحرب الإسرائيلية.

ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، بدأت حماس في البحث عن مقر آخر غير دمشق التي احتضنتها عشرات السنوات، لا سيما بعد أن أيدت حماس الثورة ضد الأسد، واختار مشعل قطر لتكون مقر الحركة الجديد.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2012، خلال حكم الإخوان لمصر برئاسة الرئيس المخلوع محمد مرسي، قام أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، بزيارة غزة، فاستقبلته حماس استقبال القائد الفاتح رغم معارضة الرئيس الفلسطيني لأي تعامل مباشر مع حماس. وحينها قدم الأمير دعمًا ماليًا لحماس قيمته 450 مليون دولار تحت ستار مشروعات إعادة إعمار غزة.

 

أهداف قطر تتوافق مع توجهات إسرائيل

أهداف قطر بتمكين حركة حماس في القطاع كقوة تخدم مصالح الدوحة –الداعم الأكبر للإخوان المسلمين-  الإقليمية، التي تتطابق مع أهداف إسرائيل التي سعت إلى تنفيذها قبل 31 سنة؛ وذلك عندما ساعدت تل أبيب، بشكل غير معلن، خلال فترة ولاية رئيس الوزراء الإسرائيلي، يتسحاق شامير في الثمانينيات، بشكل قوي، على إنشاء حركة حماس في ديسمبر/كانون الأول 1987، لكي تكون سلطة موازية لسلطة حركة “فتح”. وحسب تقرير موقع “إيميت أحيريت” الإسرائيلي، الذي نشر في فبراير/شباط 2012 تحت عنوان “العلاقة بين إسرائيل وحماس”، فإن تسهيلًا لمهمة إنشاء حركة حماس، أوعز به وزير الجيش الإسرائيلي في حينه، إسحاق رابين، بتعيين العقيد، دافيد حاخام، وسيطًا بين حماس وإسرائيل، والتقى بمحمود الزهار -كان من المؤسسين لحركة حماس، مع الشيخ أحمد ياسين- للتنسيق معه.

اقرأ أيضًا: قرار أمريكي صادم للفلسطينيين قريبًا، وعباس يهدد مجددًا بحل السلطة

وبالنظر إلى الوقائع والأحداث، نجد أن فترة ما بعد بروز حماس في الانتفاضة الأولى، كحركة إسلامية مقاومة للاحتلال، نالت شعبية كبيرة وتوسعت قاعدتها الجماهيرية بشكل متسارع لتكون القطب الثاني والمنافس من ناحية الاستقطاب لحركة التحرير الفلسطينية فتح، حتى في الانتفاضة الثانية، مما جعل إسرائيل تنفذ خطة التخلص من خلية أحمد ياسين القوية، باغتيال مؤسس الحركة بقصفه بثلاثة صواريخ، بعد عودته من صلاة الفجر، يوم الإثنين 22 مارس/آذار 2004، وبعدها بشهر واحد أو أقل قررت تصفية عبد العزيز الرنتيسي، لكنها أبقت على خالد مشعل ومحمود الزهار حتى الآن، مع قدرتها على الوصول إليهم وتصفيتهم.

وباغتيال أحمد ياسين والرنتيسي، بدأت حركة حماس تغيير توجهها من حركة مقاومة ضد أي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، إلى حركة تسعى إلى السلطة عبر دخولها في انتخابات المجلس التشريعي التي كانت بداية الانقسام الفلسطيني، الذي كرسته حماس في سيطرتها على قطاع غزة بعد اقتتال دامٍ مع أجهزة السلطة الفلسطينية وعناصر حركة فتح، ثم تشكيل حكومة مستقلة فصلت القطاع عن الضفة، وبهذا تكون نجحت تل أبيب في خلق توازن قوى متناحر في الداخل الفلسطيني صرف تركيز الفصائل الفلسطينية جميعها عن مقاومة حقيقية للاحتلال الإسرائيلي، والسعي إلى تحقيق مصالحة داخلية توحد الصف والموقف الفلسطيني.

تحركات قطر في كسب الحرب الدبلوماسية مع مصر، وتقوية نفوذها الإقليمي، كلها تناغمت مع توجه وخطط إسرائيل، التي استغلت علاقة الدوحة بحركة حماس للضغط عليها لاتمام الاتفاقية، فجاء لقاءات وزير الجيش الإسرائيلي أفيجادور ليبرمان -العقل المدبر لاتفاق التهدئة وأبرز داعميه- مع مسؤولين قطريين بدأها بلقاء وزير خارجية دولة قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، سرًا في قبرص، قبل نحو شهرين، حيث ناقش الطرفين ملف غزة، ثم لقاء سري آخر جمعه بمبعوث قطر في غزة محمد العمادي، الأسبوع الماضي.

 

منظمة التحرير تعي خطورة اتفاق التهدئة مع حماس

تعي منظمة التحرير الفلسطينية وجميع الفصائل تمامًا خطورة إتمام اتفاق التهدئة بين إسرائيل وفصيل فلسطيني واحد (حماس)، وترى أنه جزء من خطة ترامب المعروفة باسم صفقة القرن، بما يشمل تمزيق شطري الوطن -الضفة وغزة- وخلق انفصال كامل. واعتبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن توقيع الاتفاق دون موافقة السلطة الفلسطينية سيكون غير قانوني وبمثابة خيانة، حسب القناة الإسرائيلية العاشرة، التي كشفت الثلاثاء، عن تفاصيل محادثات مغلقة أجراها الرئيس محمود عباس مع مسؤولين في السلطة، بشأن الحراك الذي تجريه حركة حماس والفصائل الفلسطينية، للتوصل إلى اتفاق تهدئة مع الاحتلال بوساطة مصر والأمم المتحدة.

اقرأ أيضًا: قطر ترعى تفاهمات صفقة القرن بين حماس وإسرائيل والولايات المتحدة

كما اعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، د. صائب عريقات، في تصريحات صحفية سابقة أن الهدنة المرتقبة تكريس لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، واستمرار لحالة الانقسام، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يبحثان عن طريقة لاستمرار فصل غزة عن الضفة… “إذا قررت حماس أن تعمل اتفاق مفرد مع إسرائيل فهذا يعني تدمير القضية الفلسطينية”، مطالبًا حركة حماس استدراك المخاطر الحقيقية للقضية والمشروع الوطني الفلسطيني.

في حين جددت الفصائل الفلسطينية، الثلاثاء الماضي، مطالبتها بضرورة البدء بإجراءات تطبيق اتفاقات المصالحة وتعزيز الشراكة الوطنية، وصولًا لتنفيذ اتفاق القاهرة 2011، ووضع الآليات الضرورية لذلك. وشددت الفصائل على “ضرورة إنجاح جهود الراعي المصري الشقيق لتحقيق الوحدة”، داعية إلى عقد اجتماع اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني، للترتيب لعقد مجلس وطني جديد، انسجامًا مع مخرجات لقاء بيروت.

 

القيادة الإسرائيلية تدرك مكاسب إتمام المصالحة

في المقابل، تدرك القيادة الإسرائيلية مكاسب إتمام المصالحة مع حماس وتقوية نفوذها بغزة، عبر فصل الأخيرة عن الضفة، مما دفع وزير الطاقة الإسرائيلي، عضو “الكابينت” يوفال شتاينتس، إلى شن هجوم على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قائلًا إن “على إسرائيل التوصل لاتفاق تهدئة مقلص مع حماس في غزة، دون مشاركة السلطة الفلسطينية”، متهمًا الرئيس عباس بمحاولة دفع إسرائيل لمواجهة عسكرية ضد حماس بغزة.

اقرأ أيضًا: معاريف الإسرائيلية: السعودية تغتال “صفقة القرن”

أما نائب وزير الاقتصاد الإسرائيلي يتسحاك كوهين فأكد أن المباحثات مع حركة حماس مستمرة للتوصل لحل لمشاكل قطاع غزة، قائلًا إن على إسرائيل التوصل لاتفاق سياسي مع حماس، وأن الحكومة تواصل المباحثات، ومن يدعي غير ذلك فهو كاذب، مضيفًا أن الحلول العسكرية لغزة غير مجدية، ويجب التوصل لاتفاق سياسي.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة