شؤون عربيةفلسطينيات
“باعوها”، دعاية صهيونية التقطها بعض العرب.. من الذي باع؟
ما هي حقيقة اتهام الفلسطينيين ببيع أرضهم تاريخياً

خاص- كيو بوست
تهمتان جاهزتان تُلصقان بالفلسطينيين، في حال أراد نظام عربي التقرّب من دولة الاحتلال الإسرائيلي وتبرير ذلك؛ الأولى هي تهمة “الإرهاب”، وتعريف الفلسطيني بأنه إرهابي، بما يتوافق مع القانون الإسرائيلي، وليس مع القانون الدولي والعرف الإنساني الذي يجيز للشعوب الواقعة تحت الاحتلال استخدام كافة الأساليب، بما فيها أسلوب الكفاح المسّلح من أجل التحرر وتقرير المصير.
التهمة الثانية: “الفلسطينيين باعوا أرضهم”!. وتأتي غالباً من طبقات النخبة في الأنظمة العربية لتبرير سلوك حكامهم. لكن التهمة بحد ذاتها هي صنيعة إسرائيلية بالأساس، روجّت لها الدعاية الصهيونية في الغرب، لإظهار أن الصهانية أخذوا فلسطين بالعقود التجارية والمال، ولم يأخذوها بالمجازر والإبادة الجماعية والتهجير. وبعد أن ملّت آلة الإعلام الصهيونية من استخدام هذه الورقة، قامت بعض الطبقات السياسية المحيطة بالأنظمة العربية بالتقاطها.
لم يكن وزير الاستثمار السوداني، مبارك الفاضل، هو الأول الذي ادعى أن الفلسطينيين “باعوا أرضهم”، ولن يكون الأخير. فتهمة بيع الأرض استخدمها مسؤولون عرب، كحجّة، من أجل عقد اتفاقيات صلح مع الصهاينة، والالتفاف على حقوق الشعب الفلسطيني. آخرهم رئيس الحكومة الأردنية الأسبق عبد السلام المجالي الذي خرج بتصريح ادعى فيه أن الفلسطينيين اللاجئين في الأردن قبضوا ثمن أملاكهم الخاصة في أراض 1948.
عام 1978 وفي غمرة مباحثات كامب ديفيد، واتفاقية الصلح بين نظام أنور السادات ومناحيم بيغن، والتي كانت خروجًا عن الإجماع الشعبي العربي، الرافض لعقد اتفاقية صلح مع العدو، قبل نيل الفلسطينيين لحقوقهم، قام النظام المصري باستخدام ورقة “بيع الأرض”، وأطلق كتّابه في الصحف الرسمية لمهاجمة الفلسطينيين، وتوصيل فكرة للشعب المصري مفادها: “سنعمل اتفاقية سلام مع إسرائيل.. ولا علاقة لنا بالفلسطينيين الذي يتحمّلون وحدهم مأساتهم، لأنهم باعوا أرضهم”. هكذا!
على الرغم من أنه حدثت عمليات بيع فردي، كما ذكر الحاج أمين الحسيني في إحدى خطبه امام وفود من القرى بالقدس 1934، وشدد على أهمية الوقوف بحزم أمام القائمين عليها: “هي البلاد المباركة التي لا يجوز لأحد في الدنيا أن يبيع شبرًا منها، وعلينا جميعًا ان نتصدى لكل من يريد أن يبيع قطعة أرض منها ونضرب على يده، لأن ضرره يتناول المجموع”.
تدل خطبة المفتي الحسيني، على وجود عمليات بيع فردي كانت تحدث، وأنه بصفته الرسمية والعسكرية طالب بتصفية المتورطين بنقل الأراضي. ولكنها عمليات بيع فردية، تمّت قبل اتضاح المشروع الصهيوني، فاليهودية كانت طائفة مدنية فلسطينية، قبل أن تتحول إلى جنسية عنصرية، أما في فترة ثورة 36 فقد قام الثوار بتصفية الباعة والسماسرة على الملأ، ولكن كل عمليات البيع تلك، لم تجعل من اليهود ملاكين كبار، إذ لم تتجاوز ملكيتهم من أراضي فلسطين 5.7% حتى دخول الانتداب البريطاني لفلسطين، كانوا قد أخذوا نصفهم من المسؤولين العثمانيين، بالرشاوي والمساومات، وأقاموا عليها مستوطنات كبرى على الساحل الفلسطيني.
إضافة إلى ما منحته بريطانيا للشركات اليهودية والأشخاص، مثل مشروع كهرباء روتنبرغ (1926)، والذي أقيم على مساحات شاسعة من الأرض، بتواطؤ حكومة الانتداب مع حكومة أبو الهدى شرقي النهر.
بداية القصة.. المُلّاك الكبار والإقطاعيين
أول أملاك اليهود في فلسطين، وقبل استخدامهم للقوّة المسلحة في احتلال الأرض علانية، تمت من خلال الملاكين العرب الكبار، والإقطاعيين الذين امتلكوا آلاف الدونمات، وتم تسجيلها باسمهم في العهد العثماني.
بحسب الموسوعة الفلسطينية، تعود أقدم المعلومات المتوفرة عن توزيع الملكية في فلسطين إلى العام 1882م، وتدل المعلومات على أن متوسطي الملاك وصغارهم كانوا يملكون 25% من أراضي الجليل و50% من أراضي فلسطين الجنوبية. وإذا ما كانت هذه المعلومات صحيحة فإن ذلك يعني ازدياد ملكية كبار الملاك على حساب ملكية متوسطي الملاك. ويمكن القول إن السبب الرئيس لهذا التطور هو طبيعة القوانين العثمانية التي أباحت مصادرة الأراضي التي تبقى ثلاث سنوات متتالية دون زراعة، والتي أجبرت في الوقت نفسه الملاكين على تسجيل أراضيهم، بينما لم يقم عدد كبير من صغار الملاك بذلك لارتفاع رسوم التسجيل وتهرباً من دفع الضرائب، مما أدى إلى سقوط حقهم في ملكية أراضيهم.
إقرأ: نزع القداسة عن الخلافة.. الاستيطان الصهيوني لفلسطين في العهد العثماني
بالإضافة لعمليات نقل الأراضي في العهد العثماني لعائلات غير فلسطينية، لبنانية وسورية، بسبب ولائها للدولة العثمانية، وتقديم تلك العائلات خدماتها للسلطنة، مثل جباية الضرائب، كل تلك الأسباب أدّت لنشوء الإقطاع في فلسطين، وتركّز نسبة كبيرة من الأرض في أيدي عائلات قليلة، وأشارت الإحصاءات الزراعية عام 1941 إلى أن 30% من الفلاحين الفلسطينيين لا يملكون أي أرض، وأن 50% من الفلاحين يملكون أراضي صغيرة لا تكفيهم.
على الرغم من التساهل البريطاني في نقل الأرض ومنحها للمنظمة الصهيونية، لم تتجاوز ملكية اليهود حتى وقوع نكبة (1948) 8% من أرض فلسطين، بحسب كتاب “مذكرات سمسار أراضٍ صهيوني”، لمؤلفه اليهودي يوسف نحماني.
ولد نحماني في روسيا في سنة 1891، وهاجر إلى فلسطين في سنة 1907. ولدى وصوله عمل في كروم القدس، ومن ثم برع في استملاك الأراضي لمصلحة “الصندوق القومي الإسرائيلي”، وعُيّن مديراً لمكتب الصندوق في طبرية، وأقام علاقات مع عرب فلسطينيين، ومن دول عربية اخرى، وزار لبنان. ويذكر يوسف نحماي في كتابه كيف استملك اليهود الأرض في فلسطين قبل النكبة، ودور الإقطاعيين العرب في التنازل عنها.
كانت تبلغ الملكية اليهودية قبل النكبة على أكثر التقديرات 8% من كامل فلسطين، ولكن كيف وصلت هذه النسبة إلى اليهود؟.. هنا ترد أسماء لعائلات أصولها ليست فلسطينية، وثقتها الروايات التاريخية على أنها بالفعل باعت أراض لليهود:..
– آل سرسق اللبنانيون (ميشال ويوسف ونجيب وجورج) وهؤلاء باعوا أراضي الفولة ونورس وجنجار ومعلول في سنة 1910، ثم باعوا مرج ابن عامر بين سنة 1921 وسنة 1925، وبلغ مجموع ما باعه أفراد هذه العائلة 400 ألف دونم.
– آل سلام اللبنانيون، حصلوا في سنة 1914 على امتياز تجفيف مستنقعات الحولة من الدولة العثمانية، واستثمار الأراضي المستصلحة، لكنهم تنازلوا عنها للوكالة اليهودية. وبلغت المساحة المبيعة 165 ألف دونم.
– آل تيان اللبنانيون، باعوا وادي الحوارث في سنة 1929 ومساحته 308 آلاف دونم.
– آل تويني اللبنانيون، باعوا أملاكاً في مرج ابن عامر وقرى بين عكا وحيفا مثل نهاريا وحيدر وانشراح والدار البيضاء.
– آل الخوري اللبنانيون، باعوا أراضي قرية الخريبة على جبل الكرمل والبالغة مساحتها 3850 دونماً. وقام بالبيع يوسف الخوري.
– آل القباني اللبنانيون، باعوا وادي القباني القريب من طولكرم في سنة 1929، وبلغت مساحته 4 آلاف دونم.
– آل الصباغ، الذين باعوا أراضيَ في السهل الساحلي.
– آل اليوسف السوريون، باعوا أراضيهم في البطيحة والزويّة والجولان من يهوشواع حانكين ممثل شركة تطوير أراضي فلسطين.
– آل المارديني السوريون، باعوا أملاكهم في صفد.
– آل القوتلي والجزائرلي والشمعة والعمري السوريون وكانت لهم ملكيات متفرقة باعوها كلها.