الواجهة الرئيسيةحواراتشؤون عربية
باجهام لـ”كيوبوست”: الوسطية والاعتدال سبيلنا للخروج من المآزق
في حديثه عن أهمية تجديد الخطاب الديني شدد الداعية اليمني عبدالله باجهام على ضرورة أن تكون لغة الخطاب قريبة من الواقع ومنسجمة مع المتلقي

كيوبوست
قال الداعية عبدالله باجهام، في مقابلة مع “كيوبوست”، إن شهرة محافظة حضرموت، جنوب شرق اليمن، كمصدر للعلوم الشرعية؛ هي واحدة من الأسباب التي تدفع الكثير من طلاب العلم من إندونيسيا وغيرها من دول جنوب وجنوب شرق آسيا، لطلب العلوم الشرعية ودراسة اللغة العربية في هذه المحافظة؛ خصوصاً، كما يشير باجهام، أن سكان تلك المناطق، عبر التاريخ، وصلت إليهم الدعوة إلى الإسلام عن طريق الحضارم.
كما أكد باجهام، في معرض حديثه أيضاً، أن الوسطية والاعتدال والإنصاف هي طريقنا للخروج “من المآزق التي نعانيها بجميع المسميات”، مذكراً بالكثير من الآيات والمواقف التي تحثّ على أهمية الاعتدال في كل الأمور.
وفي حديثه عن أهمية تجديد الخطاب الديني ودور الخطباء والدعاة، قال باجهام إن الخُطب يجب أن تكون “قريبة من الواقع، وترشد المستمع من أين يبدأ”.
اقرأ أيضاً: دار المصطفى.. قصة منبر إسلامي معتدل من حضرموت
عبدالله باجهام هو داعية وخطيب، ومقدم عدد من البرامج التليفزيونية والإذاعية الدينية. خلال السنوات الماضية، قدم باجهام العديد من البرامج الدينية على القنوات اليمنية وغير اليمنية؛ مثل قناة السعودية الأولى وقناة الإرث النبوي. وعادة ما تكون مشاركته التليفزيونية من خلال مؤسسة المدينة الإعلامية؛ وهي أكبر مؤسسة إعلامية في محافظة حضرموت؛ وتنتج برامج مختلفة للقنوات العربية.
كما قدم باجهام العديد من البرامج الإذاعية عبر إذاعة صنعاء وإذاعة نور الإيمان وغيرهما من الإذاعات، وهو يحظى بحضور إعلامي وجمهور لافت.
إضافة إلى حضوره الإعلامي، يعمل باجهام أيضاً خطيباً منذ عشرين عاماً في جامع الإحسان بمدينة تريم، وله نشاط دعوي وتنموي في مختلف المدن والمناطق المجاورة من خلال الخطب والدورات التعليمية. يُشتهر بجاذبية خطابه وقدرته على لفت نظر جمهوره والحفاظ عليهم إلى نهاية خطبته، حسب وصف متابعيه.
درس اللغة العربية في جامعة صنعاء، ثم واصل دراسته للعلوم الشرعية في رباط تريم ومدرسة دار المصطفى للدراسات والبحوث الإسلامية في تريم بمحافظة حضرموت، وهما المؤسستان الرائدتان في اليمن للطلاب الأجانب من مختلف أنحاء العالم لدراسة اللغة العربية والعلوم الشرعية. وتشتهران بمنجهمها المعتدل في الإسلام، وبعدهما عن الجدل والصراعات الدينية والسياسية، والتأثير والنفوذ القوي للقائمين عليهما.
للمدرستَين جمهور عريض من الطلاب؛ خصوصاً من إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، كما يرتادها الطلاب من أوروبا وأمريكا وغيرهما من دول العالم، ويحظى الدارس في إحدى هاتين المؤسستَين بمكانة اجتماعية وعلمية عالية، سواء من الطلاب المحليين أو الأجانب. اللقاء كاملاً في هذا الفيديو والنص أدناه:
سؤال: ما سبب إقبال طلاب العلوم الإسلامية من دول آسيا إلى حضرموت اليمن؟
الضيف: في الحقيقة؛ خصوصاً بالنسبة إلى إندونيسيا، كونهم يرون المنهج الذي وصل إليهم ونقل الإسلام إليهم والدعوة التي وصلت إليهم من جهة حضرموت؛ فهم يرون أن المنهج الذي ممكن يُستقى منه الفهم الصائب جهة حضرموت؛ فهذا كان من أكبر الأسباب والعوامل التي دفعتهم للتوجه إلى حضرموت.

مع أنه لا يغفل أن مجموعة منهم ليست بالقليلة متوجهة إلى الدراسة في الأزهر الشريف، وفي معاهد بمكة وفي المدينة، ويلحظها كل مَن كان له تردد على الحج والعمرة أو له تردد على إندونيسيا؛ فيرى المخرجات الموجودة في إندونيسيا أنها متنوعة بين الأزهر الشريف؛ بين مكة المكرمة، بين المدينة المنورة، بين حضرموت.
وحضرموت منها الكثرة الغالبة؛ قد يكون السبب فيها شعورهم بأن المنهج الذي وصل إليهم ويدينون إليه بالمعرفة للمنهج الصحيح السليم في دين الله تبارك وتعالى؛ فأرادوا أن يواصلوا المشوار من حيث ما بدأ وصول الدعوة إليهم. جاؤوا إلى ذات المنبع، هذا أمر.
اقرأ أيضاً: عبدالرزاق قرنح.. التنزاني الذي انتزع نوبل بروح “حضرموت”
الأمر الثاني أنه كل ما عُلم في موقع معيّن -مثلما ضربت مثالاً بمكة والمدينة والأزهر- أنه مصدر لتوجيه، لتعليم، أو لتربية؛ وبرز علم من الأعلام وسطع نجمه؛ تتوجه إليه القلوب والأفئدة.
في هذه الحيثيات كان سبب كثرة تُقبل من جهة إندونيسيا إلى مثل حضرموت بعمومها (الشحر كساحل) وبعض الأربطة الموجودة في ضواحيها؛ مثل ما يوجد في المكلا الآن عدد من الأربطة يُشرف عليها مشايخ بتعدد مسمياتهم.
وفي حضرموت الداخل كذلك، إن كان ما يوجد في مثل سيئون أو ما يوجد في تريم، مع تعدداتها. ولربما الواقع يغني عن التفصيل الذي فيها، إن كان جهات رسمية، إدارية؛ من حيث صلتها بالتعليم الأكاديمي، ككلية الشريعة أو جامعة الأحقاف، أو التعليم النظامي التقليدي الذي مضى على سلسلة السند والإجازة؛ كرباط تريم ودار المصطفى والمعاهد الأخرى التي سارت على هذا المنحى.
سؤال: ماذا تعني الوسطية والاعتدال في الدين الإسلامي؟
الضيف: الوسطية هو وصف؛ وصف للأمة، وصف للمنهج الذي يخرج الإنسان من طرفَي الذم (الإفراط والتفريط).
عليك بأوساط الأمور فإنها … طريق إلى نهج الصراط قويم
ولا تك فيها مُفْرطاً أو مُفَرِّطاً … كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وابن عباس يسألونه عن الوسطية والاعتدال كما يُقال، هل توجد في كتاب الله؟ ذكر لهم أنها موجودة في أربع آيات، في ذكر البقرة حينما قال الله تبارك وتعالى: (لا فارض ولا بكر)؛ لا صغيرة ولا عجوز كبيرة (عوان بين ذلك).
الآية الثانية يقول الله تعالى: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط)؛ توسط في الإنفاق (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) و(ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً).
في أصل الوسطية الخروج عن طرفَين ذميمَين؛ أخذ الأمر بالشدة أو ضياع وتسيب وإهمال.
التوسط في الأمور لا يعني دائماً المشي على حال الوسط؛ مما يذكر في الطرفة أن رجلاً ضعيف العقل كان يمشي في وسط الطريق؛ سأله شرطي المرور فقال خير الأمور أوسطها!
اقرأ أيضاً: تبني الاعتدال: الأزهر المصري والمدارس الإسلامية الإندونيسية
لكن الوسطية التي جاءت في الشريعة وسطية فهم، وسطية معرفة، كوسطية الأمة (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً)؛ هذه الوسطية تبرز للإنسان جمال الشريعة، والذوق الرفيع الذي يوجد في أحكامها وفي تعاملاتها.
بها أحسن النبي، صلى الله عليه وسلم، التعامل مع الأطراف كلها مع حسن معايشها؛ فهو الذي تعامل مع نموذج في الصحابة كأبي بكر وعمر وغيرهما، وهو الذي أحسن التعامل مع عبدالله بن أبي، ولما مات طُلب قميصه فأعطاهم إياه، هو الذي أحسن التعامل حتى مع أسرى بدر الأحياء، وقتلى بدر.
الأسرى، في صحيح الإمام البخاري أن النبي، صلى الله عليه وسلم، كان يقول لأصحابه (استوصوا بالأسرى خيراً)، وكان يوجه الصحابة؛ فبعد أن انتهت غزوة بدر جاء إلى أبدان القتلى من الكفار ودفنها، تكريماً للذات.
ولما أرسل سيدنا عمر بن الخطاب سيدنا عمرو بن العاص إلى مصر، قال له: أحسن إليهم فإنهم أحد رجلَين: إما أخوك في الدين، أو نظيرك في الخلق، من كان مسلماً أخوك في الدين، ومن كان غيره نظيرك في الخلق، أنت وإياه مخلوقان سواء.
سيدنا عمر بن الخطاب من القواعد التي يؤسسها كان يقول لسيدنا سعد بن أبي وقاص، لمّا توجه إلى القادسية: يا سعد يا بن أم سعد لا يغرك أن يُقال عنك خال رسول الله، وصاحب رسول الله؛ فإن الله لا يجزي السيئة بالحسنة، ولكن يجزي الحسنة بالحسنة.
ثم ذكر له أن القوة التي سيتوجه بها إليهم تحتاج إلى شيء من الرفق والتعامل الحسن؛ حتى يكون أدعى إلى استجلابهم قبل قتلهم. حتى في توجيهات النبي، صلى الله عليه وسلم، عموماً، نجد هذا واضحاً.
الوسطية والإنصاف، قاعدة جميلة يذكرها بعض أهل العلم؛ فيقول (إن الإنصاف وترك الاعتساف في ساعات الخلاف من أجمل ما يوصل إلى الإلف والائتلاف)؛ هذه العبارة حينما تنظر إليها في القرآن، تنظر إليها في حياة الحبيب، صلى الله عليه وسلم، تجد فيها روعة، قمة.
الله تعالى حينما ذكر اليهود والنصارى تكلم عنهم وذكر (ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباؤوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، ليسوا سواء..) في إنصاف، في توسط في الحكم، لا يلغي الحكم ما يلغي فضيلة مَن هو صاحب فضيلة.
هؤلاء نفسهم اليهود والنصارى الله يقول عنهم (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين، وما يفعلوا من خير فلن يكفروه).
من جميل ما يُذكر أيضاً في الكتاب العزيز أن الله تعالى ذكر في معرض الإنصاف وإعطاء صاحب الحق وصفه، قال الله تعالى (ومن أهل الكتاب مَن إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم مَن إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً)؛ هذه القواعد دفعت المسلمين لأن يتعاملوا بتوسط، لا إفراط ولا تفريط.
في تعاملنا مع المرأة لا إفراط ولا تفريط، في تعاملنا مع الكافر لا إفراط ولا تفريط. توسط فيها على اعتبار إعطائه الحق الذي له من غير مزاحمته في ما له، من غير أن نزاحمه ولا أن نلغي حقه.
اقرأ أيضاً: رابطة علماء المغرب تواجه التطرف العنيف.. حوارات خلفية وخرائط ذهنية
وسطية الإسلام جاءت بمنهج واسع في الحقيقة؛ وهو الذي لو حصل الالتفات إليه اليوم لخرجنا من المآزق التي نعانيها بجميع المسميات؛ مستويات الخطاب الديني، مستويات الحياة المعيشية، مستويات الحياة الاقتصادية.
سؤال: يقول البعض إن الوعظ والإرشاد من خلال الخطب والتوجيه المباشر غير مجدٍ في التأثير في جيل الشباب اليوم، ما تعليقكم على ذلك؟
الضيف: طبعاً كلٌّ يؤخذ من قوله ويرد، قال الإمام مالك وهو واقف أمام قبر الحبيب، صلى الله عليه وسلم: (كلٌّ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي، صلى الله عليه وسلم)؛ لكن هذه النظرية قد تكون لها نسبة من التحقيق في الواقع؛ والسبب في ذلك أن من أول الأمور التي نعرفها أن مثل الخطابة (خطبة الجمعة بذاتها والدروس المباشرة كالحلقات) في الحقيقة أنه لا توجد وسيلة مؤثرة مثلها إذا وجهت التوجيه الصحيح.
والسبب في ذلك أن هاتين الوسيلتَين باشرهما الحبيب، صلى الله عليه وسلم، بذاته.
بقية الوسائل ربما يرى في الواقع أن لها أثراً أقوى من الخطبة، أقوى من الدرس، أقوى من الحلقة، وقد يكون السبب فيها ما أشرت إليه؛ أنها إذا وجهت توجيهاً صحيحاً.

حينما يصعد أحد من خطباء الجمعة بشكل عام، فيتحدث عن موضوعات فضفاضة، موضوعات قد لا تمس الواقع الذي يعيشه المستمع، ربما هو بذاته يشعر بالملل.
الطرف الآخر مَن يتحدث بجوانب حماسية وإثارة للواقع؛ أثارَهم حتى كادوا ينفجرون، لكن بعد الجمعة يذهب كل منهم إلى غدائه، والعصر ربما يذهب إلى لعبه، وينسى، كأن لم يكن شيء! التأثر الآني والبرود في التوجيه أو الطرح، كلا الطرفين ضيَّع أثر الخطبة بذاتها وأثر الخطابة.
الذي نحتاج إليه هو أن تكون قريبة من الواقع، وترشد المستمع من أين يبدأ؛ يبدأ من هنا، ولو كانت المشكلة عنده بنسبة قريبة على قرب اكتمال السوء عنده والمؤشر يؤشر بمشكلة كبيرة عنده.
اقرأ أيضاً: المؤرخ بوتشيش: هذه حقيقة الزوايا الصوفية في المغرب
يقولون في ما يحفظ من الحكم (أن مسافة الألف ميل تُقطع بخطوة) يبدأ في مشوار الحل وسيصل إلى النهاية.
الذي نحتاج إليه في الخطاب بشكل عام؛ هو أن يكون مقترناً ببداية طرق الحل، التي يقدر الشاب أن يراها قريبة عليه. الحبيب، صلى الله عليه وسلم، استعمل هذا الأمر مع شباب من الصحابة ودلّ الأمة عليه؛ حتى لما نقرأ في كتاب الله تعالى في أن الدعوة تمشي على قواعد لم يبدأ في التذكير، بدأ بالحكمة (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).
قد تكون الحكمة ما يتعلق بها كلام إطلاقاً؛ فأحياناً ربما بموقف معين. ما الذي حصل في حجة الوداع؟ كان الحبيب، صلى الله عليه وسلم، متوجهاً إلى الحج ومردفاً خلفه ابن عمه، الفضل بن العباس، لما كانا أثناء الطريق استوقفتهما امرأة، تسأل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الحج لأُمها أو عن الحج لأحد من أقاربها، أثناء ما كانت تسأل النبي، صلى الله عليه وسلم، النبي ما يرى الفضل بن العباس وهو خلفه؛ لكن شعر أن المرأة تنظر إليه، وأنه يبادلها النظرة، فلما التفت ووجد أن الفضل بن العباس ناظراً إلى المرأة، أدار رأسه، أخذ وجهه إلى الجانب الآخر.
أحياناً الواقع عندنا يحتاج هكذا، إلى شيء مثل الإدارة؛ إدارة بلطف، ربما قد يديره بطرقةٍ بِكف، ربما بكلمةٍ: اصرف نظرك، النظر حرام. فقط إدارة بلطف.
ابن عباس قال أبيت بعض الليالي عند خالتي ميمونة، زوجة النبي، صلى الله عليه وسلم، خالته أخت أمه، قال في ليلة من الليالي قام النبي، صلى الله عليه وسلم، يتهجد، فقُمت بجواره من الجانب الأيسر، قال فأخذ بطرف رأسي أو بأذني فأدارني إلى الأيمن؛ لأجل يوجه أنه لمّا يصلي واحد بجانب واحد كإمام ومأموم يكون بجواره إلى الجانب الأيمن مباشرةً.