الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دولية

  انقلاب حمد آل ثاني على والده سبقته ثلاث سنوات من التحولات الهادئة

فرنسيون أسسوا حرسًا لولي العهد وكتيبة خاصة مزودة بمدرعات

  خاص- كيوبوست

كان عام 1996 هو العام الأكثر نشاطًا في تحركات حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر، الذي تولَّى مهامه في يونيو عام 1995.. فقد انشغل لسنوات عديدة سبقت وصول حمد بن خليفة إلى الحكم، بالتهيئة للعهد الجديد؛ حيث كان الذراع اليمنى لولي العهد، حتى أثمرت سنوات أربع من العمل السري والتحالفات والمفاوضات والتنازلات، سنوات من التغيير الهادئ في القيادات الأمنية والعسكرية وتغيير خارطة مراكز القوى داخل عائلة آل ثاني.

شاهد: حمد بن خليفة يقرأ بيان خلعه والده وتوليه الحكم

احتلال صدام الكويت يشعل فتيل الفكرة

   يمكن اعتبار اللحظة التي احتل فيها صدام الكويت هي نقطة البداية التي انبجست في دماغ حمد فكرة الإطاحة بوالده الشيخ خليفة.. فالمسؤولية التي حملتها السعودية لطرد صدام من الكويت، وتسهيل مهمة قوات التحالف على الأراضي السعودية، والدور المتعاظم للمملكة بعد التحرير؛ جعلت حمد أكثر تصميمًا كي يمضي قدمًا في مخططه. كان الاجتماع الطارئ لمجلس التعاون الخليجي إثر احتلال الكويت قد شهد مناوشة لسانية واعتراضات من ولي العهد القطري الشيخ حمد، الذي أصر على إثارة مسألة إعادة ترسيم الحدود البحرية بين البحرين وقطر. بعدها بسنتين في سبتمبر 1992، جرى احتكاك على الحدود السعودية- القطرية، قُتل خلاله ضابط وجُرح آخرون.

شاهد: تفاصيل انقلاب حمد بن خليفة على والده

حمد بن خليفة آل ثاني في زيارة للقوات القطرية المشاركة في تحرير الكويت 1991

عشاء على يخت مع مسؤول إسرائيلي

في عام 1990 كان قد ترسَّخ لدى ولي العهد الشيخ حمد، أن الفرنسيين حلفاء يمكن الوثوق بهم. وفي مارس 1992، تلقَّى الشيخ حمد نصيحة من مسؤول إسرائيلي جمعهما عشاء على يخت ولي العهد قرب السواحل اليونانية، بأن الفرنسيين سيكونون هم الخيار الأفضل. قال الشيخ حمد: “الأمريكان لم يأتِ دورهم بعد، الآن لا أحب لفت النظر، ولا أضمن أن يبلغوا السعوديين. البريطانيون لا يمكن الوثوق بهم أبدًا، وسأتفاجأ غدًا باتصال من الأمير سلطان يسأل ما الذي يجري عندكم؟”. تكتم الإسرائيليون قرابة السنة على الاجتماع ونيَّات الأمير التي بدت لهم وقتها مشوَّشة وغير واضحة، وأخيرًا سرَّبوا الخبر إلى الأمريكان، ولا معلومات تؤكد أن السعوديين بلَّغوا بها.

شاهد: مقابلة خاصة مع المعارضة القطرية منى السليطي

خبر نشرته الشرق القطرية بعد حادثة الخفوس 1992

مدرعات فرنسية تحمي ولي العهد

 تم ترتيب لقاء لولي العهد حمد ولحمد بن جاسم مع ضابطَين فرنسيَّين متقاعدَين في مدينة “كان” الفرنسية. وتخلَّقت نواة تشكيل كتيبة من حرس أميري خاص بولي العهد يتلقَّى تدريبات خاصة، ويحصل على السلاح بشكل تدريجي. يقول حارس شخصي، كان ضمن الحرس الأميري لولي العهد القطري، فضل عدم الإفصاح عن اسمه: “تلقينا تدريبات على يد ضباط فرنسيين، كانت هناك أسئلة كثيرة من الحرس الأميري الخاص بأمير البلاد الشيخ خليفة: لماذا حرس أميري خاص بولي العهد؟! الحقيقة أن كل شيء كان يجري ولم يكن هناك إلا الذهول والأسئلة. حتى بعد أن تزوَّد حرس ولي العهد بمدرعات من صنع فرنسي لم تكن هناك أية ردة فعل من أمير البلاد تجاه مخططات ابنه!”.

شاهد: بيت الخيانة.. وثائقى يكشف تاريخ انقلابات الأسرة الحاكمة فى قطر

حمد آل ثاني 1976 قبل توليه ولاية العهد بعام

منذ فبراير 1996 نشط ابن جبر في تأسيس خلايا متناثرة من العملاء والمخبرين على ضفاف الخليج، وفي عمق وأطراف المملكة العربية السعودية.. كان لديه هدف واحد هو حشد أكبر عدد ممكن من السعوديين؛ من المعارضين والمتطلعين إلى أدوار سياسية، الذين لديهم الاستعداد للعمل داخل المملكة أو الانتقال إلى قطر. وفي مارس 1996 وسَّع القطريون دائرة اهتمامهم، فعُقد لقاء في لندن بين المعارض السعودي سعد الفقيه، وحمد بن جاسم، تعهَّدت فيه قطر بدعمه. ولكن الفقيه اشترط، حسب معلومات من منشقين عنه، أن لا يقوم القطريون بتقديم الدعم إلى محمد المسعري، إثر خلافات مالية تسببت في انقسام “لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية” وظهرت إلى العلن وتناولتها الصحف ووسائل الإعلام.

شاهد: سلطان بن سحيم آل ثاني “مع تركي الدخيل” – المقابلة الكاملة

بالتزامن مع هذا، تضاعفت تحركات الحمدَين في فترة اتسمت بالخوف والقلق وعدم الثقة حتى بالمقربين من العائلة. ومنذ يونيو 1996 كان آلاف القطريين ممن لهم صلة قرابة بمَن وجِّهت إليهم تهمة الخيانة والتآمر في الانقلاب ضد الأمير الجديد للبلاد؛ يفقدون جنسياتهم، في الوقت الذي كان فيه أبناء مناطق حدودية شمال السعودية وشيوخ قبائل يتلقون عروضًا بالهجرة إلى قطر والحصول على الجنسية القطرية والتنعُّم بالامتيازات الباذخة في واحدة من أغنى دول العالم.

الولد الشقي يعيث فسادا في دوحته

إن سنوات أربع سبقت استيلاء حمد على الحكم، تغاضت فيها القيادات الخليجية عن نزوات ولي العهد وتحرشاته وتصريحاته في الاجتماعات التي كان يُنظر إليها كتصرفات ولد شقي ضخم البنية مفعم بالطاقة، كانت خطأ قاتلًا. ولكن يمكن الاعتراض على هذا بأن الخليج كان للتو يلملم جراح كارثة كبرى قد ألمَّت به بعد تحرير الكويت؛ فالجميع كان تحت تأثير الصدمة والجميع كان يترنَّح، والسعودية التي كانت حتى لحظة انقلاب حمد تنوء بالعبء الأكبر في حفظ أمن شقيقاتها الخمس؛ كانت مرهقة تعيش لحظة إعادة ترميم ما تهدَّم، ومثقلة تحت وطأة ديون هائلة. الجميع كان أشبه بعائلة ألمَّت بها فجيعة ذات ليلة في أغسطس 1990، ومن بعدها غدت أكثر حنانًا وهشاشةً وضعفًا من أن تتحمل فجيعة أخرى تُحدث شرخًا في نسيج المجلس. لذا كان الولد الشقي يعيث فسادًا في دوحته، ولا أحد يأخذه على محمل الجد. ولِمَ القلق والقطريون أنفسهم يملكون داخل السعودية من العقارات أكبر من دولة قطر، والدوحة نفسها لم تكن منذ وصول والده خليفة بن حمد إلى الحكم تتخذ أي قرار من دون الرياض!

شاهد: حوار الأمير تركي الفيصل مع قناة العربية

إن التاريخ السياسي للبشرية متخم بآلاف الانقلابات، وتاريخ آل ثاني نفسه مرصع بقصص مماثلة عمدت بالدم والنار؛ وهذا ما يجعل من تناول الخبراء والباحثين لانقلاب يونيو 1995 من زاوية العقوق وقطيعة الرحم أمرًا مثيرًا للشفقة، لا يفي بشرح أسباب وجذور التحول في الدوحة منذ قرابة ربع قرن. إن ثقل التقاليد والأعراف وصلات القرابة والثقة التي كان القادة الخليجيون يتمتعون بها ويتعاملون في ما بينهم على أساسها، كان واحدًا من الأسباب التي حملت الجميع على تغاضي الأجهزة الأمنية والاستخبارات عن دق جرس الخطر القادم والسرطان القاتل الذي يضرب شاكلة الخليج. لقد كان بداية حقبة جديدة وتحديات ضخمة وتحولات إقليمية ودولية كبرى ستعصف بالخليج، لعبت فيها المصالح والتحالفات وتطلعات القوى العظمى إلى شرق أوسط جديد والأطماع الشخصية والمخاوف والقلق الدور الأكبر.

كان ثمة تغييرات هادئة بطيئة في الدوحة بين 1992 و1995، تلك المدينة الوادعة السادرة في الرقاد، التي كان طنين الذبابة يمثل فيها زلزالًا، لكنها كانت وميض جمر فتنة تعاظمت بشكل لا سابق له مثَّلت أكبر تهديد للدول الست، ضربت في سويداء قلب المجلس وما زالت بعد 24 عامًا متقدة.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة