الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية

انتقام مقتدى الصدر

لم يلجأ الصدر إلى الشارع نتيجة الاستعصاء السياسي بل نتيجة لتهديد مكانته الدينية

كيوبوست- ترجمات

محمد بزي♦

كتب أستاذ الإعلام في جامعة نيويورك محمد بزي مقالاً على صفحات مجلة “فورين أفيرز”، يقيم فيه عواقب الطريق المسدود الذي وصلت إليه جهود تشكيل الحكومة في العراق منذ أكتوبر الماضي، بعد الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن فوز التحالف الذي يقوده الصدر بأكبر عدد من المقاعد.

ويشير البزي إلى أن الصدام لم يحدث بين طوائف أو جماعات عرقية مختلفة، بل ضمن الطائفة الشيعية المنقسمة على نفسها حول علاقة البلاد مع إيران، حيث تحول الصدريون من تحالفٍ وثيق مع إيران إلى المطالبة بالنأي عنها، بينما لا تزال الفصائل الشيعية الأخرى تحافظ على تحالفاتها مع طهران.

اقرأ أيضاً: مقتدى الصدر يريد أن يصبح خميني العراق

ويرى بزي أنه على الرغم من إعلان الصدر اعتزاله السياسة فمن المرجح أنه سوف يستفيد من سياسة السير على حافة الهاوية والاحتجاجات الشعبية لتعزيز مكانته كزعيم شيعي بلا منازع في العراق. وعلى الرغم من أنه حاول أن يصور تحركه على أنه حملة على سياسة الولاء لإيران والقوى الأجنبية الأخرى، فإنه يشكل خطراً على الدولة العراقية الهشة.

فبغداد لا يمكن السيطرة عليها من خلال الفصائل السياسية المدعومة من إيران، بل من قبل رجل دين شيعي كان يقود إحدى أكثر الميليشيات إثارة للرعب، وينتمي لإحدى أشهر العائلات الدينية في العالم، خاصة في ظل إحجام آية الله السيستاني وغيره من كبار علماء الشيعة في العراق عن المشاركة المباشرة في العمل السياسي، مما خلق فراغاً تمكن الصدر من ملئه.

آية الله علي السيستاني- أرشيف

ولم يلجأ الصدر إلى الشارع نتيجة الاستعصاء السياسي، بل نتيجة لتهديد مكانته الدينية. فقبل يومٍ واحد من إعلانه الانسحاب من العمل السياسي، كان آية الله العظمى كاظم الحائري، العراقي المقيم في إيران -الذي يعتبره كثيرون من أتباع الصدر مرشدهم الروحي- قد أعلن عن تنحيه بسبب تقدمه في السن واعتلال صحته. ولكنه بدلاً من دعوة أتباعه لموالاة رجل دين شيعي عراقي آخر، دعاهم لموالاة المرشد الأعلى في إيران، كما أن خطابه تضمن انتقاداتٍ ضمنية للصدر، وقال عنه دون أن يسميه إنه خاطر بتمزيق العراق، والأغلبية الشيعية فيه، وأشار إلى أنه يفتقر إلى المؤهلات الدينية، وشكك في مدى أحقيته كوريث لإرث عائلته الدينية العريقة. وقد زعم الصدر أن المسؤولين الإيرانيين وخصومه من الشيعة العراقيين يقفون وراء انتقادات آية الله الحائري.

ويواجه العراق احتمال وقوع المزيد من المكائد السياسية، فآية الله السيستاني، أقوى رجل دين في العراق، قد أصبح في التسعينيات مع عمره، ومن المعتقد أن حالته الصحية سيئة، والقادة الشيعة في العراق وإيران يستعدون لوفاته، حيث تلوح الانقسامات في أفق الطائفة الشيعية. ويرى بزي أن حملة الصدر الأخيرة هي جزء من هذه الاستعدادات.

اقرأ أيضاً: فوز مقتدى الصدر في الانتخابات العراقية يثير القلق في طهران

نشأت الأزمة السياسية الحالية في العراق من فشل الصدر بتشكيل حكومة جديدة بعد أن تكتلت الفصائل الشيعية المدعومة من إيران، واستقطبت عدداً من الأحزاب السنية والكردية في مواجهة الصدر. ومن المعروف أن النظام السياسي القائم على المحاصصة يقوم على توزيع المكاسب على غرار النظام اللبناني المختل الذي أدى إلى انتشار الفساد وعدم الاستقرار السياسي والانهيار الاقتصادي.

ويقضي هذا النظام في العراق بأن يكون رئيس الوزراء شيعياً، ورئيس البرلمان سنياً، ورئيس الدولة -وهو منصب فخري إلى حد كبير- كردياً. ويمتد هذا النظام إلى معظم مستويات الحكومة والوظائف المدنية. ونتيجة لذلك تضاعف عدد الموظفين الحكوميين في البلاد ثلاث مرات منذ عام 2004، إلى أن وصل مجموع رواتب الموظفين الحكوميين إلى ما يعادل ثلاثة أرباع ميزانية الدولة. وكبقية الأحزاب العراقية يستفيد الصدر من هذا النظام. وعلى الرغم من جهوده الكبيرة للظهور بمظهر المصلح، فهو لا يسعى إلى إلغاء نظام تقاسم الغنائم، بل إلى وضع نفسه على رأس هذا النظام.

متظاهرون في محيط البرلمان العراقي يرفعون صور مقتدى الصدر- وكالات

ربما يكون الصدر قد بالغ في محاولته لفرض سيطرته على نظام المحاصصة بعد الانتخابات الأخيرة. فبعد مفاوضات استمرت لأشهر مع الأحزاب الكردية والسنية، تمكن من حشد أغلبية برلمانية ربما تكون قادرة على انتخاب رئيس يقوم بدوره بترشيح رئيس وزراء لتشكيل الحكومة.

ولكن في فبراير الماضي قضت المحكمة العليا في العراق التي يدين أعضاؤها بالولاء للميليشيات الموالية لإيران بأن البرلمان يجب أن ينعقد بنصاب لا يقل عن ثلثي أعضائه لانتخاب الرئيس، وقاطعت الميليشيات الشيعية جلسة الانتخاب، فعطلت بذلك النصاب المطلوب لانعقادها.

اقرأ أيضاً: آفاق بزوغ “الظاهرة الصدرية” وجذورها السياسية والاجتماعية

وفي يونيو أعلن مرشح الصدر لرئاسة الوزراء وابن عمه جعفر الصدر انسحابه من الترشح، وأمر مقتدى الصدر نوابه البالغ عددهم 73 نائباً بالاستقالة الجماعية من البرلمان أملاً في الضغط على منافسيه وإجبارهم على العودة عن مقاطعتهم لجلساته. لكن مناورة الصدر هذه جاءت بنتائج عكسية، فقد سارع خصومه لملء المقاعد التي ينص القانون على أن تؤول للمرشح التالي بعدد الأصوات في المناطق عندما يستقيل النائب الفائز.

ومع سيطرة منافسيه على الأغلبية البرلمانية الجديدة، خشي الصدر من استبعاده من الحكومة العراقية للسنوات الثلاثة القادمة، فكان رده بدعوة أنصاره لاختراق المنطقة الخضراء ومحاصرة البرلمان لمنع التصويت على رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة.

أنصار مقتدى الصدر يقتحمون مقر البرلمان العراقي- أرشيف

ويخلص البزي إلى أن الصدر ربما يكون قد أخطأ في رده على تحدي آية الله الحائري لسلطته الدينية بالدعوة إلى احتجاجاتٍ عنيفة، دون خطة واضحة لكسر الجمود السياسي في البلاد. ولكن في الوقت نفسه، فإن الصدر لن يعدم الوسيلة للتعافي من هذه النكسة السياسية والنهوض مجدداً، فهو كان قد تمكن من تجاوز امتحان الاحتلال الأمريكي، ومنافسة كبار رجال الدين في التسلسل الهرمي الشيعي في النجف، كما تمكن من بناء حركة اجتماعية وسياسية كبيرة توفِّر له الأصوات، ويقدم لها فوائد المحسوبيات.

حتى الآن لم يتمكن الصدر في حملته من احتواء النفوذ الإيراني، وإضعاف الفصائل الشيعية الأخرى في العراق، وفرض سيطرته على ترتيبات تقاسم السلطة في البلاد.

والسؤال المطروح الآن هو ما إذا كان معارضوه سيحاولون إقصاءه من الحكومة بشكلٍ كامل، ويخاطرون بجولةٍ جديدة من سفك الدماء، أم أنهم سيحاولون الوصول إلى حلٍّ وسط، وبالتالي يعيقون طموحه الكبير في أن يصبح أقوى زعيم شيعي في العراق.

♦مدير مركز هاغوب كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى، وأستاذ مساعد للإعلام في جامعة نيويورك.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة