الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
انتفاضة شباب هونج كونج في وثائقي على “دويتش فيله”
مجلة "شينخو": الصينيون أصبحوا حذرين من المشكلات العميقة للديمقراطية الغربية

كيوبوست
كانت جزيرة هونج كونج في ثلاثينيات القرن الـ18 تتبع الصين قبل اندلاع حرب الأفيون الأولى، وفي عام 1842 تنازلت الصين لبريطانيا رسميًّا عن الجزيرة بعد احتلالها، وعام 1898 وقَّعت بريطانيا مع الصين عقد إيجار لمدة 99 عامًا؛ لتوسعة هونج كونج، ومع انقضاء الفترة عادت ملكية الجزيرة لصالح الصين في عام 1997.
لم يكن الحراك الطلابي ضد الحكومة المحلية في هونج كونج، الذي اندلع في مارس وبلغ ذروته الشهر الماضي؛ احتجاجًا على مناقشة برلمان المدينة مشروع قانون يتم بمقتضاه تسليم الأفراد المطلوبين إلى السلطات الصينية، سوى جزء من تفاعل السكان مع دعوات مجموعة من الشباب الذين لا يزالون يدرسون في المراحل التعليمية المختلفة، وأبدوا اعتراضهم على القانون الجديد الذي يسمح بتسليم المعارضين لبكين؛ لمساءلتهم أمام القضاء الصيني.
وتتمتع هونج كونج بوضعية خاصة بموجب الاتفاق الموقع بين الحكومة البريطانية التي استعمرت هونج كونج والحكومة الصينية؛ حيث تحتفظ هونج كونج بشبه استقلال في إطار الصين الموحدة، لكن مع نظامَين مختلفَين، ويشهد الإقليم انتخابات ديمقراطية ونظامًا سياسيًّا ديمقراطيًّا يترأسه رئيس تنفيذي -رئيس الوزراء- في وقت يُنظر فيه بقلق من قِبَل المواطنين المقيمين إلى تدخلات الصين التي يراها البعض متزايدة في الفترة الأخيرة؛ خصوصًا مع وجود مجلس تشريعي مؤيد للصين والاندماج معها، نتيجة ضم المجلس عددًا من ممثلي الشركات المستفيدين من العمل التجاري والصناعي مع حكومة بكين.
وهذه ليست المرة الأولى التي تخرج فيها احتجاجات اعتراضًا على قوانين تدعم تدخُّل الصين في هونج كونج؛ حيث سبق أن خرجت احتجاجات في 2014 بسبب تدخل الصين في الانتخابات، وسبقتها احتجاجات في 2003؛ بسبب مشروع قانون يمنع الحديث بشكل سيئ عن الصين، وهو القانون الذي منعت الاحتجاجات تمريره.
شباب هونغ كونغ ينهض من أجل الحرية | وثائقية دي دبليو – مراسلون
وفي فيلم وثائقي أنتجه تليفزيون “دويتشه فيله” الألماني، عن المظاهرات، رافقت الكاميرا رحلة الشاب “زاك” مع أصدقائه في المدرسة، بدايةً من تقديمهم طلب التظاهر في قلب المدينة؛ حيث الدعوة التي شارك فيها نحو مليونَي شخص، حسب ما أعلن منظمو التظاهرات في وقت قلَّلت الشرطة فيه من هذه الأعداد في أرقامها الرسمية، مرورًا باتخاذ قرار الاعتصام من أجل المطالبة بإسقاط مشروع القانون، وصولًا إلى اتهام رئيسة وزراء هونج كونج، بالتعجرف، والمطالبة باستقالتها واشتعال الهتافات ضدها.
رصد الفيلم رحلة عمرها أيام وتطورات في الشارع، تفاعلًا مع دعوات الطلاب الذين قرروا أن يجعلوا صديقهم الذي خضع لمراقبة الشرطة معهم في الاجتماع التحضيري؛ من خلال الاتصال الهاتفي للتخطيط للتظاهرة، بالإضافة إلى تحركاتهم في الشارع التي دعت المواطنين إلى الاقتراب والتجمُّع في نطاق واحد؛ لمواجهة أي تحركات عنيفة من الشرطة تجاههم، خصوصًا بعدما تم استخدام العنف تجاههم في فض تظاهرة سابقة شهدت إطلاق الرصاص المطاطي للمرة الأولى منذ أكثر من 22 عامًا على المتظاهرين.
اقرأ أيضًا: دول حاربت مواقع التواصل الاجتماعي
امتاز الفيلم بالواقع الشديد في رصد فترة من الاحتجاجات ووجهة نظر الطلاب في الحراك وتدافعهم للمشاركة فيه، وتأثير ذلك على ارتباطاتهم الدراسية؛ حيث تزامنت الاحتجاجات مع اقتراب مواعيد امتحاناتهم الفصلية، فضلًا عن حرصهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي في التنزه والاستمتاع بالطبيعة.
على الرغم من أن الفترة التي يقوم الفيلم برصدها وتغطيتها ليست كبيرة نسبيًّا؛ فإنها عبَّرت عن تطورات في الشارع وتفاعل الجماهير واستجابة السلطة لها بتقديم اعتذار من رئيسة حكومة هونج كونج كاري لام، التي اتُّهمت من قِبَل المتظاهرين بأنها دمية في يد الحزب الشيوعي الصيني، في وقت رفضت فيه الاستقالة؛ لرغبتها في تقديم مزيد من المبادرات والعمل خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وكان وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، أكد في الرابع من يوليو الجاري أنه سيواصل الضغط على الصين بشأن معاملة المحتجين في هونج كونج، وسط تصاعد الخلاف الدبلوماسي بين البلدَين، قائلًا: “إن هذه قضية لا يمكن تجاوزها، هي مسألة جدية جدًّا للمملكة المتحدة”.
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية جينغ شوانغ، خلال لقائه الدوري مع الصحفيين: “يبدو أن وزير الخارجية البريطاني يعيش في الخيال، بشأن المجد البائد للاستعمار البريطاني، ويلجأ إلى العادة السيئة في التحدث بفوقية عن شؤون دول أخرى”. ولكن وزير الخارجية البريطاني عاد مرة أخرى معلقًا: “إن الحريات الأساسية في هونج كونج هي التي كانت وراء النجاح المذهل قبل عام 1997”.
وفي مارس الماضي، ضمَّنت مجلة “شينخو” الصينية، في افتتاحيتها نقدًا قاسيًا للنظرة الغربية التي ترى في الصين عملاقًا عالميًّا ينمو اقتصاديًّا على أرضية مرعبة من الاستبداد، وقالت المجلة: “إن بعض النظريات السياسية الغربية التقليدية لديه إيمان غامر بأن الصين حتمًا ستتبع الديمقراطية الغربية بمجرد أن تصبح ثرية، لتتبع في النهاية الأنظمة السياسية الغربية بشكل كامل، وهذا يعكس الغطرسة والانغماس الذاتي، ويعد إشارة تحذيرية إلى أن هذا النموذج في تراجع”.
وأضافت “شينخو” الصينية، أن الصين تتعلم من الغرب وتعمل معه أيضًا. لكنَّ الصينيين؛ مثل عديد من الغربيين، أصبحوا حذرين من المشكلات العميقة لنموذج الديمقراطية الذي يتلاعب برأس المال ويقوده الصراع.
اقرأ أيضًا: كيف تتسلل الصين إلى داخل الجامعات الأمريكية؟
وتابعت المجلة: “لم تفكر الصين مطلقًا في تصدير نظامها إلى دول أخرى.. هذا مثال يظهر أن هناك أكثر من نموذج للديمقراطية في العالم يمكن أن ينتج حوكمة جيدة. إذا كان الغرب يريد الحفاظ على قيمه وتجديدها؛ فإن الوقت قد حان للتوقف عن الحكم على الدول الأخرى باستخدام المعايير والقوانين الغربية. الديمقراطية كائن حي، وأي نموذج يرفض التطوير من أجل تلبية مطالب العصر سينتهي الأمر به في التراب”.
وقد اختار صناع الفيلم أن ينتهى بالخطاب الأكثر مرونة للرئيسة التنفيذية/ رئيسة وزراء هونج كونج التي استجابت لطلبات المتظاهرين؛ ما دفع “زاك” للعودة إلى منزله للمذاكرة مع الاستعداد للخطوات القادمة، باعتبارها نهاية مؤقتة لذروة الاحتجاجات؛ لأن رئيسة الوزراء لام، صرَّحت بأن مشروع القانون قد مات دون سحبه نهائيًّا من جدول أعمال المجلس التشريعي ودون انتظار المدة القانونية التي تنتهي في يوليو 2020، موعد ختام الدورة البرلمانية المقبلة.
ويرى المتظاهرون أن تصريحات كاري لام بالعمل للأمام بمثابة محاولة لتهدئة الأوضاع.
جوشوا وونغ، الذي قاد تحركات شعبية في 2014 واعتقل لمدة شهر إبان الاحتجاجات الأخيرة، كتب عن تفاصيل الاحتجاجات بعدة تغريدات على “تويتر” بالإنجليزية، انتقد فيها وصف رئيسة الحكومة للمحتجين بمثيري الشغب، وإصرارها في البداية على تمرير القانون، وإعلانها أنها لن توافق على إجراء تحقيق مستقل في وحشية الشرطة في التعامل مع المتظاهرين.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، قد وجه رسالة إلى شباب هونج كونج في فبراير 2018، مؤكدًا أنه يأمل في أن يزيدوا من قراءتهم وسفرهم وأن يتعلموا المزيد عن التاريخ والظروف الوطنية، ويوسّعوا رؤيتهم؛ حتى يتمكنوا من خدمة هونج كونج والبلاد بأعمالهم.