الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
انتحار أحد أبناء “النهضة” حرقاً يحرق ما تبقى من مصداقية الحركة
حادثة الانتحار سلطت الضوء على اللا مساواة داخل الحركة بين القيادات التي تنعم بالرفاهية والقواعد التي تعيش أوضاعاً اجتماعية صعبة

تونس- فاطمة بدري
شَبَّ حريق، يوم الخميس التاسع من ديسمبر الجاري، في مقر حركة النهضة في العاصمة تونس، وتسبب في مقتل شخص وإصابة 18 آخرين؛ من بينهم قياديون في الحزب، بعد أن أقدم سامي السيفي، أحد قدماء أبناء الحركة، على إضرام النار في جسده داخل المقر؛ احتجاجاً على عدم قبول الغنوشي ملاقاته. حادثة يبدو أنها ستنسف ما تبقى من فرص للحركة من أجل استعادة مكانتها على الساحة السياسية؛ لا سيما بعد تعليقات الغنوشي على الحادثة التي أغضبت أبناء الحركة قبل بقية التونسيين.
من جانب آخر، كان سياق الحادثة به بعض الأمور اللافتة؛ منها تلميحات من شقيقة الضحية بأن حادثة حرقه لنفسه كانت مدبرة من الحركة، وأن شقيقها تم استدراجه لهذا المصير.
من جانبه كتب سامي إبراهيم، وهو سجين سياسي سابق من “النهضة”، أن السيفي “عمل في شركة أدوية ووقع تسريحه من عمله بشكل تعسفي، فالتجأ إلى الحزب الذي سُجن بسبب تهمة الانتماء إليه، لينصفه ويتدخل لدى المشغِّل… فكان الحل من قبيل المسكنات؛ حيث أوكلت إليه مهمة هامشية في المقر المركزي للحزب بمقابل زهيد لا يليق بمناضل”.

التصريح يصدر من داخل بيت الحركة ليؤكد أن دائرة الغاضبين من سياستها؛ خصوصاً من رئيسها والمقربين منه من القيادات، بدأت تتسع ولم تعد تشمل فقط التونسيين غير المنتسبين إلى الحركة؛ بل امتدت إلى أبنائها وحتى أولئك الذين دفعوا ثمن انتمائهم إلى الحركة ومشاركتهم في مغامراتها السياسية في فترة الثمانينيات والتسعينيات غالياً.
لكن في مقابل الاعتراف بالذنب والاعتذار من عائلة الضحية، حافظ رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، على سياسة الهروب إلى الأمام والتنصل من المسؤولية، ليصدر تصريحات ألقى خلالها بالمسؤولية على الدولة والسياسيين والإعلام رغم أنه المسؤول المباشر عن انتحار سامي السيفي.
اقرأ أيضاً: تونس.. حركة النهضة تفقد القدرة على تحريك قواعدها
وقال الغنوشي في تصريحاته التي أعقبت حادث الحرق، إن الكهل الذي أضرم النار في جسده وتسبب في اندلاع حريق في المقر المركزي للحزب ”هو شهيد آخر من شهداء النضال من أجل تحرير تونس من ظلم الديكتاتورية والفساد والتهميش وضحية أخرى من ضحايا الفقر”.
ووضعت هذه التصريحات الغنوشي في مرمى الانتقاد على نطاق واسع، وهوجم من جميع الأطراف؛ بما في ذلك أبناء الحركة الذين اعتبروا أن الأخير يحاول، كما تعوَّد دائماً، استثمار آلام وعذابات قواعد الحركة؛ من أجل تحقيق مآرب سياسية، وقد ظل وفياً لهذا الخط؛ حتى إنه سارع لتوظيف موت السيفي والتجارة به من أجل الغاية نفسها.

وسلطت حادثة الانتحار الضوء على اللا مساواة داخل الحركة بين القيادات التي تنعم بالرفاهية والقواعد التي تعيش أوضاعاً اجتماعية صعبة؛ خصوصاً أولئك الذين زجَّت بهم الحركة وهم في أعمار مبكرة، مستغلة الظروف الاجتماعية الصعبة لأغلبهم، في معاركها مع أجل الوصول إلى السلطة. ولكن سنوات حكمها العشر فضحت زيف شعاراتها السابقة في ظل استثراء قياداتها؛ خصوصاً قيادات الصف الأول في ظرف وجيز، وتحالفها مع الفاسدين من الطبقة البرجوازية؛ خصوصاً رجال الأعمال، من أجل خدمة مصالحها دون الاكتراث لواقع أولئك المفقرين الذين شكلوا قواعدها لسنوات طويلة. ولعل هذا ما يجعل الكثير من المراقبين في تونس اليوم يجزمون بأن حادث انتحار السيفي حرقاً قد أحرق ما تبقى من مصداقية هذه الحركة وكشف النقاب عن انتهازية قياداتها؛ ما سيعجل حسب توقعاتهم بانهيارها وإن كانت تسير إلى هذا المصير سلفاً.
كريم عبدالسلام، العضو المنشق عن حركة النهضة والذي يُعد “العقل المنفذ لعملية باب سويقة” (ما هذه العملية؟)، والذي تم الزج به أيضاً في أحد محارق الحركة، وصديق الضحية سامي السيفي منذ سنوات، أكد في تعليقه على الحادث أن السيفي أحرق نفسه بسبب القهر وعدم قدرته على العيش بكرامة، بعد أن تم الاستغناء عنه تعسفياً، وهو الذي كان يعمل “عون استقبال” في المقر المركزي للحزب، ثم تم طرده وظل يعيش وضعاً صعباً.
اقرأ أيضًا: قيادي منشق لـ”كيوبوست”: الجهاز العسكري السري لحركة النهضة لا يزال ناشطاً
وقال كريم عبدالسلام، الذي أحزنه موت صديقه بهذه الوحشية، لـ”كيوبوست”: “إن ركوب (النهضة) على موته بهذه الحقارة والنذالة موت مضاعف له؛ مات عشرات المرات، مات من القهر. لقد تم طرده ومماطلته، وله قضية منشورة في المحاكم في هذا الصدد، وتدخل العديد من الشخصيات للتوسط له؛ مثل سعاد عبدالرحيم، ثم تراجعوا عن مساعدته، وهو يعيش وضعاً اجتماعياً صعباً؛ حيث تتولى زوجته إعالة العائلة”.

وأضاف: “استطاعت قيادات الحركة صرف المليارات على الجلسات المناسبات الخاصة واللوبيينغ والزواج العرفي ومتعهم الشخصية والحملات الانتخابية، وحين تعلق الأمر بمرتب بسيط له، لم يجدوا له أموالاً، كان سجيناً في قضية حي التحرير ثم وجد نفسه في الشارع، لم يقدروا على المساعدة حتى من منظور إنساني؛ قتلوه مرتَين، زجوا به شاباً صغيراً في محرقة سياسية لا ناقة له فيها ولا جمل، واليوم يستغلون موته وركبوا على آلامه وآلام عائلته، والسيفي ليس الوحيد؛ هناك الآلاف ممن تم الزج بهم من قِبل الحركة في المحرقة، ثم تنكر لهم الغنوشي”.