الواجهة الرئيسيةمجتمعمقالات
امرأة.. طبيبة.. إنسانة
الحياة برمّتها ليست أكثر من تمرين أول على كل شيء!

كيوبوست
د. نجاة عبد الصمد♦
يوم أخذت على نفسي عهدًا أن لا أمدّ من ظلال الحبر الأسود على صفحاتي إلا بما يليق أن يملأ هذا البياض، لم أكن أدرك مشقَّة هذا العهد!
مازلت أتعثَّر وأتعلَّم؛ فالحياة برمّتها ليست أكثر من تمرين أول على كل شيء!
كيف لي أن أظل وفيَّةً لثالوث يقوم عليه وجودي؟ وأزعم أني أعمِّدُه باليقظة وصحوة الضمير؟ ثالوث كوني طبيبة، وامرأة، وإنسانة؟
من أيّها أبدأ؟ أتأمّل أعمدتي الثلاثة طويلًا، أشقلبها وأعيد تمركز زواياها؛ قد أبدأ بالذي يناديني نداءً أكثر حميميَّةً في اللحظة الراهنة، ذلك أن لكلٍّ منها ما له من السطوة المحبّبة على قلبي! لن يطول بي الأمد حتى أكتشف أن كلّ ركنٍ منها يتماهى مع نظيرَيْه، ولا يكون إلا بهما، حتى لتكاد جميعها تتنافر من زواياها متكاتفةً ضدّي وأنا أمام كيدها في غاية السعادة!
عيادتي ككل عيادة طبيَّة، تتتالى خلف بابها المغلق خلوات ثنائيَّة بيني وبين نساء متتابعات، القاسم المشترك لزياراتهن آلام المرض، وآلام الحياة، والحاجة إلى البوح، والتوق إلى الشفاء.
عندما تقصد المرأة عيادة طبيبها النسائي تكون قد نضَّدت في رأسها سلَّة شكاوى لا تتوقَّف عند علامات المرض، بل قد تتشعَّب إلى أكثر الأسئلة سريَّة وخصوصيَّة؛ تلك الأسئلة التي لا تستطيع طرحها لا في مكان آخر ولا أمام شخص آخر، حتى زوجها أحيانًا، عن ألم ما في مكان ما قصي حميم، عن كُنه العلاقة بزوجٍ تحبّه ولا تعرف كيف تعبّر عن محبتها له، أو كيف تتلقى حبه لها، وهواجس حول الجسد والشباب والشيخوخة، ومطالب للنصيحة و…
اقرأ أيضًا: 22 حالة تشرح كيف يمكن أن تكون المرأة عدوة نفسها.
وعبر يوم العمل الطويل كثيرًا ما تتردَّد عبارة مألوفة جدًّا في قاموس النساء تختتم بها إحداهن شكواها: (الله يقطع جنسنا!)
أعترف أنني لم أجد نفسي حانقةً يومًا أكثر من حنقي على امرأةٍ تدعو ربَّها فعلًا أن: يقطع جنسنا! والصبر جميل -أقول لنفسي- وعليَّ أن أتريَّث؛ كي لا أصدم هيمنة هذه العبارة من عصر جدَّاتنا وصولًا إلى جيلنا وجيل بناتنا..
كيف لي أن أوصل إلى مريضتي (وأنا الأنثى) فكرةَ أنّ أجمل ما في تكويني أنني وريثة حوّاء منذ أغوت آدم إغواءها الجميل، إلى أن أهدتني تجربتها وصيّرتني امرأة ومحضتني جاذبية الأنثى، وفيض عاطفتها، وقدرتها على احتضان الأجنّة، وروعة ولادتها وإهدائها الحياة بعد مكابدات المخاض المريرة واللذيذة في آنٍ معًا، ثم سهرها الطويل على رعاية أبنائها وتنشئتهم، إضافة إلى إدارة أمور زوجها وبيتها؛ بحيث إنها لو غابت عن هذا البيت يومًا واحدًا لانقلب عاليه سافله، بينما يغيب الزوج في بلادنا المعتادة على هجرة الرجال سنةً أو اثنتَين ولا يتغيَّر في البيت أكثر من اشتياقه لحضور الأب!

اقرأ أيضًا: خبراء: لهذه الأسباب اتجهت المرأة الغربية إلى التظاهر عارية الجسد في الأماكن العامة.
شرفٌ للمرأة وميزةٌ أن تحمل هذه المسؤوليات جميعًا على كتفها الصّابرة، ومقابل ذلك لا ضير من دفع الثمن طواعيةً، وعن طيب خاطرٍ من وقتها وتفكيرها وجهدها.
نعم.. نعمةٌ أنني أنثى، وفخرٌ أنني امرأةٌ، وأودّ لو أورث بناتي -وكذلك أبنائي- هذه النعمة والمسؤولية في آنٍ معًا..
تاليًا، ومن أجل إجراء الفحص النسائي، يصير على المرأة أن تخلع ثيابها استعدادًا له، كم تتردّد نساء وتتلكّأ وتحمرّ وتتعثّر، ولسان حالها يقول: أخجل من جسدي.. جسدي عورة أداريها، جسدي بشع، جسدي ثقيل.. جسدي أنوء به!
لا أنكر أنني نفسي أمضيت سنوات طويلة في تدريب نفسي على أن لا أكون كذلك! أنا امرأة أحترم جسدي كما أحترم اسمي وعقلي ومبادئي وإنسانيّتي وحرّيتي!
أنا لا أحترمه فقط، بل أكنّ له الحب وأوليه الاهتمام، وأصونه، وأعطيه حقَّه! بل إنه إحدى مسؤولياتي، وما دمت أهتم بعافية أسرتي كلها، أليست عافية جسدي النفسية جديرة باهتمامي أيضًا؟!
حتّى إن تغيَّرت تضاريس البطن والثديين وتهدَّلت بعد الإنجاب والإرضاع أو اكتسبت بضعة كيلوجرامات جديدة، فهل هناك –بالمقابل- أجمل من بانوراما أمٍّ شابَّة تحمل بين يدَيها وليدًا معافى؟
اقرأ أيضًا: ليس سِنًّا لليأس بل سِنًّا للسعادة.. الإياس أو سنّ الضهي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦ طبيبة وكاتبة سورية.