الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون عربية

اليوم الذي يلي وقف إطلاق النار

ماذا بعد الجولة الأخيرة من العنف بين إسرائيل والفلسطينيين؟

كيوبوست- ترجمات

غابي ميتشل♦

اعتباراً من الساعة الثانية من صباح اليوم، دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؛ ما يضع حداً للتصعيد الأخير بين إسرائيل و”حماس”. على مدى أحد عشر يوماً أمطرت الصواريخ المنطلقة من غزة مناطق جنوب ووسط إسرائيل. وعلى مدى أحد عشر يوماً، استهدف الجيش الإسرائيلي البنى التحتية العسكرية، والمقاتلين التابعين لـ”حماس” والجهاد الإسلامي. وفي غضون ذلك قُتل عدد من المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وكما جرَت العادة في مثل هذه الاشتباكات، ستعلن كل من إسرائيل و”حماس” النصر (جرَت احتفالات في القدس الشرقية، والضفة الغربية، وقطاع غزة الليلة الماضية)؛ ولكن لا يوجد رابحون حقيقيون في هذه الحرب، ولا يوجد حل عسكري لهذا الصراع، حتى في ما يتعلق بـ”حماس”.

وعندما يتراجع مستوى الأدرينالين يصبح من الضروري إجراء تقييم أكثر عقلانية، لا يكتفي بالنظر في أسباب هذه الجولة من القتال، (تناولت عناوين الأخبار في الأسبوع الماضي هذا الأمر بشكل مفصل)، وفي ما إذا كان من الممكن تجنبها (هنالك حجج قوية ومقنعة تؤيد ذلك وأخرى تعارضه)؛ ولكن أيضاً يرسم خريطة لما يجب فعله في المستقبل.
ولكن لمعالجة هذا الأمر لا بد أولاً من تحديد المسائل التي تحتاج إلى معالجة.

رسم كاريكاتيري للفنان الأردني محمود رفاعي- غابي ميتشيل

اندلعت جولة العنف هذه بسبب التطورات في القدس، والاشتباكات بين الشرطة وفلسطينيي القدس الشرقية، والشيخ جراح، وحول بوابة دمشق (باب العامود)، ومجمع الأقصى/جبل الهيكل. اتخذت “حماس” قراراً محسوباً باستغلال هذه التطورات لتشتيت الانتباه عن القدس. ولكن صواريخ “حماس” لم تفعل شيئاً بشأن الإحباط العميق الذي يعانيه سكان القدس الشرقية تجاه كل من القيادة الفلسطينية، ودولة إسرائيل. ودون معالجة جوهر تضارب المصالح في القدس الشرقية، فإنك تتجاهل جوهر الصراع وتهيئ الأرضية لتوتراتٍ جديدة.

اقرأ أيضاً: الإعلام التركي يهدد إسرائيل بـ”النموذج الليبي” للاستيلاء على سواحل غزة

تتطلب غزة مجموعة مختلفة من الأدوات؛ فمنذ استيلاء “حماس” على غزة بالقوة عام 2007، شكلت تحدياً أمنياً مستمراً لإسرائيل، وقوضت شرعية السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من الحصار والعمليات العسكرية المتتابعة؛ فإن القدرات العسكرية للمنظمة الإرهابية قد تطورت وتحسنت مع الوقت (كما يصورها بشكل ذكي رسام الكاريكاتير الأردني محمود رفاعي، في الصورة أدناه). ولكن “حماس” لا تشكل خطراً وجودياً، فهل تحافظ إسرائيل على سياستها الحالية مع العلم أنها لا تزال تمتلك تفوقاً عسكرياً نوعياً، ولديها القدرة على تحمل هذه الجولات؟ وهل يمكن أن يؤدي أي تغييرات على سياستها الحالية إلى إحداث تأثيرات إيجابية وإضعاف نفوذ “حماس”؟ وكيف يستطيع شركاء إسرائيل -الذين قدموا لإسرائيل، من وجهة نظري، دعماً كبيراً- أن يلعبوا دوراً في إيجاد حلول سياسية؟

الأمهات والآباء والشباب ، يتكاتفون ضد العنف ومن أجل مستقبل أفضل- شبكات التواصل

القدس وغزة من الأولويات؛ ولكن مجرد الهدوء النسبي في الضفة الغربية خلال الشهر الماضي لا يعني أنه يمكن تجاهلها. ففي نهاية المطاف، نحن على بعد عام واحد من نظر الحكومة الإسرائيلية في ضم مناطق من الضفة الغربية. ولم تختف التساؤلات حول مستقبل السلطة الفلسطينية بعد الرئيس محمود عباس، الذي أسهم قراره بإلغاء الانتخابات الوطنية هذا الصيف في قرار “حماس” بضرب إسرائيل. ما الذي يمكن فعله لتسهيل الانتقال السلمي للسلطة بعد رحيل عباس؟ هل من المهم أن تكون هذه العملية ديمقراطية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمَن الذي ينبغي أن يسمح لهم بالتصويت، ومَن الذي ينبغي أن يسمح لهم بالترشح؟ وكيف يمكن لإسرائيل والمجتمع الدولي تعزيز فرص فوز شركاء يتخذون مواقف بناءة في الضفة الغربية؟

اقرأ أيضاً: مجلة “نيوز ويك”: إسرائيل تسير بخطوات متسارعة لضم الضفة الغربية كاملة

وأخيراً، هنالك الديناميكيات بين اليهود والعرب في إسرائيل. كيف يمكن شفاء هذه الجراح؟ مَن هم الشركاء الضروريون لتشكيل عقد اجتماعي جديد؟ كيف يمكن الاستفادة من المؤسسات الديمقراطية لمواجهة التباينات الهيكلية ضمن المجتمع الإسرائيلي (هذا التساؤل لا ينطبق على العرب فقط، بل على جميع الأقليات في إسرائيل)؛ فالسكان العرب في إسرائيل -وكثير منهم إذا لم يكن معظمهم، يعتبرون أنفسهم فلسطينيين- هم أيضاً طرف في الصراع، ويمكن أن يكونوا جزءاً من إيجاد الحلول.

باختصار، هنالك الكثير من التحديات التي تحتاج إلى معالجة. وبشكل فردي، فإن لكل واحد من هذه التحديات مجموعة فريدة من الشروط والوصفات السياساتية. ولكنها جميعاً جزء من شبكة أكبر من الديناميكيات بين اليهود والعرب/ الإسرائيليين والفلسطينيين في هذه الأرض. وإيجاد حلٍّ لأحد هذه التحديات ليس كافياً، وليس هنالك من حل سحري لها جميعاً في الوقت نفسه. فالأمر يتطلب جهوداً استباقية منسقة على المستويات المحلية والوطنية والشعبية على مدى عقود من الزمن.

الأمهات والآباء والشباب ، يتكاتفون ضد العنف ومن أجل مستقبل أفضل- شبكات التواصل

لقد تشرفتُ هذا الأسبوع بمناقشة الوضع مع النشطاء الاجتماعيين والخبراء السياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكنت أعرف العديد من بينهم؛ ولكنني سمعت أيضاً أصواتاً جديدة ووجهات نظر جديدة. كانت حواراتٍ صعبة. لا يزال هنالك أشخاص يرغبون في الاشتراك بالحوار، ويريدون مشاركة رؤيتهم للعالم والاستماع إلى الجانب الآخر. وفي نهاية المطاف، كان عليَّ أن أقتنع بالرغبة في العمل على حل هذه المشكلات. ولكنّ كثيراً من الفلسطينيين اعترفوا أن أولادهم -الجيل الجديد الذي سمعنا صوته خلال الأسبوعين الماضيين- لم يعودوا يؤمنون بحل الدولتَين. وتُظهر استطلاعات الرأي أن الشيء نفسه يحدث في المجتمع الإسرائيلي أيضاً.

اقرأ أيضاً: الإرهاب الإسرائيلي في الضفة: حقائق بإقرار أمني إسرائيلي ولا رادع

لذلك، فبينما من السهل بالنسبة إليَّ أن أقول إنني أعتقد أن معظم الإسرائيليين والفلسطينيين يريدون السلام، فأنا أدرك أيضاً أن الأغلبية لا تعتقد أن السلام هو أمر ممكن التحقيق في ظلِّ الظروف الراهنة، ولا يريدون بالضرورة بذل جهود فردية للوصول إلى ذلك الهدف. أعادت أعمال العنف الصراعَ إلى الخطاب العام الإسرائيلي مجدداً؛ ولكن بعد وقف إطلاق النار فإن التعابير المألوفة، مثل “لقد أدرنا الأمر بطريقةٍ جيدة جداً”، و”لا يوجد مَن نتفاوض معه في الطرف الآخر”، و”الوضع الراهن أفضل من البديل المطروح”؛ فإننا بلا شك سوف نعود إلى العنف. ربما سوف تشفى الجروح من الخارج، وربما ينسى الناس آلامهم لبعض الوقت، لنتفاجأ بالحرب تطل برأسها القبيح مرة أخرى.

التغيير هو الثابت الوحيد في الحياة. والطريقة الوحيد لضمان أن التغيير هو للأفضل هي في تحمل مسؤولياتنا الخاصة، والنظر في ما يمكن أن نفعله كأفراد وكمجتمع لنعكس دورة العنف.

اقرأ أيضاً: قصة حي الشيخ جراح في القدس.. شرارة الحرب

كما اعتدت دائماً، أرغب في أن أستعرض بضعة مقاطع تظهر وجهات نظر مختلفة حول موضوع هذا الأسبوع. وليس هذا بمثابة تأييد لوجهة نظر معينة؛ بل هو تأييد للقراءة والتفكير بالنقاط التي أثارها مَن كتب هذه المقاطع. فمن دون الاطلاع على مجموعة مختلفة الآراء من الصعب أن نرى العالم بعيون مختلفة.

  1. نسرين حداد حاج يحيى؛ مديرة برنامج المجتمع العربي في إسرائيل في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، تتناول بعض الطرق التي يمكن لإسرائيل من خلالها معالجة التوترات في المدن المختلطة في البلاد؛ حيث يعيش العرب واليهود جنباً إلى جنب منذ عقود.
  2. كتب كل من مايكل كوبلو؛ مدير السياسات في منتدى السياسة الإسرائيلي، وحسين إيبش، الباحث المقيم الأول في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، مقالات هذا الأسبوع حول الخطوات التي يجب اتخاذها لتجنب الحرب التالية بين إسرائيل و”حماس”، وحول الدور المستقبلي للاعبين الخارجيين؛ مثل الولايات المتحدة الأمريكية في المحافظة على السلام (ربما التقدم في مشروع السلام) يمكن قراءة هذه المقالات هنا وهنا.
  3. خليل الشقاقي؛ مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وأحد أبرز الخبراء في الرأي العام الفلسطيني، كتب في مقاله الأخير في صحيفة “فورين أفيرز”: “كيف ستؤثر المواجهة الحالية على آفاق السلام طويل الأمد؟ على الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية ربما يكون حل الدولتَين قد تلقى ضربة قاتلة”. تابع قراءة المقال لتفهم وجهة النظر الفلسطينية حول ما يمكن أن تحمله الأشهر القليلة المقبلة.

♦مدير العلاقات الخارجية في ميتيفيم – المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية والإقليمية، وطالب دكتوراه في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا.

المصدر: موقع غابي ميتشل

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة