الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
اليمن.. لماذا علق المجلس الانتقالي مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض؟
استمرار القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية في استهداف المدنيين بمحافظة شبوة ووادي حضرموت والمهرة بالتصفيات الجسدية والقمع والاعتقالات والإخفاء القسري.. هو أحد أسباب التعليق

كيوبوست
أثارت حملة القمع التي نفذتها القوات العسكرية ضد احتجاجات في مدينة سيئون بوادي حضرموت، جنوب اليمن، سخط السكان وغضبهم، وعزَّزتِ المزيدَ من الدوافع للفت أنظار العالم إلى ما يجري على الأرض بالفعل. الاحتجاجات التي خرجت في 24 أغسطس، والتي ترافقت مع عصيان مدني شامل، كانت تعبيراً عن الاستياء من تردِّي الخدمات وممارسات الجماعات المحسوبة على الحكومة الشرعية غير المرغوب فيها.
وقد أعادت حملةُ القمع العسكرية تلك إلى الأذهان ما كانت تقوم به قوات الأمن الخاص في ذروة الاحتجاجات المُطالِبة باستقلال الجنوب قبل أكثر من عقد من الزمان، والتي وصفتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” في 2009 بـ”أعمال القمع القاسية في الجنوب”.
اقرأ أيضاً: نقطة تحول.. ماذا بعد إعلان المجلس الانتقالي التخلي عن الإدارة الذاتية في الجنوب؟
لم تكن حملة القمع الأخيرة للناشطين في مدينة سيئون سوى واحدٍ من بين عدة أسباب دفعت بالمجلس الانتقالي الجنوبي إلى تعليق مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض، وقد عبَّر المجلس الانتقالي عن ذلك الدافع بالقول: “استمرار القوات المحسوبة على الحكومة اليمنية في استهداف المدنيين بمحافظة شبوة ووادي حضرموت والمهرة، بالتصفيات الجسدية، والقمع والاعتقالات والإخفاء القسري، والتعذيب داخل السجون”.
وقد أفاد شهود عيان قيام وحدات عسكرية بحملة اعتقالاتٍ واسعة ضد منظمي العصيان والاحتجاجات، كما تعرَّض الناشطون إلى الضرب بأعقاب البنادق والهراوات ومسيلات الدموع.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر علاقات الحكومة بالجماعات الإسلامية على وحدة اليمن واستقراره؟
شخصيات مُفسِدة لمحاولات الاستقرار
وعلى الرغمِ من الغضب الشعبي الواضح بسبب تردي الخدمات وانهيار العملة وعدم صرف المعاشات والرواتب، وهي جميعها من ضمن أسباب تعليق مشاركة المجلس الانتقالي أيضاً؛ فإن الاحتجاجات جاءت كذلك مناهضة لفعالية نظمها ما يُسمى بـ”الائتلاف الوطني الجنوبي” في سيئون، تدعو إلى اليمن الاتحادي؛ حيث ينظر أبناء الجنوب إليه ككيان سياسي ابتزازي يهدف إلى خلط الأوراق وتمييع القضية الجنوبية.
يرأس ما يُعرف بالائتلاف الوطني الجنوبي الملياردير اليمني المعروف أحمد صالح العيسى، ويتكون الائتلاف عموماً من أعضاء وقيادات من المؤتمر الشعبي العام؛ وهو الحزب الذي بقي حاكماً في اليمن برئاسة علي عبدالله صالح، لعقودٍ من الزمن.
يُعرف العيسى على نطاقٍ واسع بأنه أحد أكبر تُجار الحرب في اليمن؛ وقد أشار تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن لعام 2019 إلى العيسى كأحد مكامِن الفساد في حكومة الرئيس هادي والموالين له. وحسب إيلينا ديلجور، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فإن مثل تلك الاتهامات تمثِّل تهديدات محتملة لتسوية النزاعات قصيرة الأجل وتحقيق الاستقرار في اليمن.
اقرأ أيضاً: أسباب استمرار المعاناة في مناطق اليمن المحررة
يعمل العيسى في مجال نقل المُشتقات النفطية في اليمن منذ التسعينيات، وهو مرتبط بالطبقة الأرستقراطية لنظام علي عبدالله صالح، كما أنه قريب من الرئيس هادي، وهو يشغل منصب رئيس اتحاد كرة القدم ونائب مدير مكتب الرئيس. وصفته الصحافة بـ”إمبراطور النفط اليمني”، كما قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية، إنه “أحد المُستَغلِّين في حرب اليمن”، وإنه “مُتهم بتهريب البنزين المدعوم؛ لإعادة بيعه في شرق إفريقيا عبر جزيرة سقطرى اليمنية في المحيط الهندي”.
يمثِّل أحمد العيسى إحدى قطع الأحجية المهمة لاستمرار الحرب وعدم الاستقرار في اليمن لمصالح اقتصادية جشعة؛ على سبيل المثال. ووفقاً لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، هدد العيسى في إحدى المرات بـ”تعطيل واردات الوقود لجنوب اليمن؛ لتشجيع الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة”، وذلك إذا تم حرمانه مما يشبه الاحتكار لاستيراد الوقود في اليمن.

التمسك الجشع بالسلطة
لطالما كان إنتاج وتصدير واستيراد النفط المورد الأساسي لفساد المسؤولين والقادة العسكريين في اليمن، والذين يستخدمون عوائده الضخمة لشراء الولاءات والبقاء في السلطة. على سبيل المثال، يتولَّى علي محسن الأحمر، نائب الرئيس الحالي، ملف التفاوض بشأن عقود الطاقة في اليمن، وهو المسيطر الفعلي على شركة “بترومسيلة” لاستكشاف وإنتاج البترول، المنبع الأول لإيرادات الحكومة، كما يعمل أبناء الأحمر كوكلاء لبيع منتجات الطاقة اليمنية.
اقرأ أيضاً: رموز “الإصلاح” في اليمن.. انتهازية سياسية كشفت عنها الأزمات
يُدرك اللاعبون السياسيون الكِبار في اليمن أن السيطرة على موارد الطاقة في البلاد هي المُحرِّك الحيوي للسياسة، وهي العامل والدافع الأهم لبقائهم في السلطة، وهم على استعداد دائم للحفاظ على هذا المورد مهما كلَّف الثمن، وقمع أية محاولات لإقصائهم منه. وبطبيعة الحال يُمثِّل استقلال الجنوب، حيث يتركز هذا المورد، كابوساً للحكومة الشرعية، وهي تستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لمنع تحقيقه؛ بما في ذلك استنزاف الوقت في المفاوضات ووضع العراقيل، واستخدام الجماعات الإرهابية والقمع وتعمُّد إحداث الانفلات الأمني.

وتمثِّل مناطق مثل شبوة ووادي حضرموت ملاذاتٍ آمنة لمجاميع من عناصر تنظيمَي القاعدة وداعش، والذين يتجولون بحرية، وأحياناً مسلحين، في المدن والقرى، ويزورون المعسكرات التابعة للحكومة الشرعية، كما يفيد شهود عيان. وتشهد هذه المناطق موجة من الاغتيالات لمواطنين وأعيان وقيادات وعسكريين لأسبابٍ قبلية أو تقطّع وحِرابة أو استهداف إرهابي، وهو انفلات تعجز سلطات الأمن المحلية عن إيقافه في ما يبدو أنه تواطؤ واضح من قوات الجيش المحسوب على الشرعية.
اقرأ أيضاً: اليمن.. كيف يساعد الإرهابيون الساسة على البقاء في الحكم؟
يمتلك الجنوبيون دوافع لا يمكن كبحها من أجل استعادة وطن سُلب منهم في لحظة غفلة من التاريخ؛ لكنهم يتمسكون -أقلّه إلى الآن- بالسعي السلمي والدبلوماسي لتحقيق هذا الهدف، رغم يقينهم بأن حقوق الشعوب لا تُمنح من المستبدين؛ بل تُنتزع.