الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
اليمن.. لماذا أصبح الأطفال والنازحون أكثر عرضة لخطر الألغام؟
تشير التقديرات إلى أن الحوثيين قاموا بزرع ما لا يقل عن مليون لغم منذ بداية النزاع، كما يشير بعض التقارير إلى أن الأرقام يمكن أن تكون بالملايين.

كيوبوست- منير بن وبر
أفادت دراسة لمنظمة “سيف ذا تشيلدرن”، أنه تم مقتل أو جرح طفل واحد في المتوسط، كل يومَين خلال عام 2022 في اليمن، نتيجة الألغام الأرضية ومخلفات الحرب، وهو ما يمثل أعلى معدل لضحايا الألغام والأجهزة المتفجرة من الأطفال خلال خمس سنوات. وعلى الرغم من أن الهدنة التي أُعلن عنها خلال العام الماضي في البلاد حققت العديد من المنافع؛ فإن إحداها لم تكن تجنيب الأطفال مخاطر الألغام.
وتفيد التقارير، ومنها دراسة “سيف ذا تشيلدرن” أن عودة النازحين إلى مناطقهم بسبب فترة الهدوء أثناء الهدنة، كانت السبب في وقوع العديد من ضحايا الألغام. إضافة إلى ذلك، تسببت الأمطار الغزيرة وما نتج عنها من سيول وفيضانات في تغيير أماكن بعض الألغام ومخلفات الحرب ونشرها بشكل أكثر عشوائية؛ ما يتسبب في وقوع المزيد من الضحايا لاحقاً.
اقرأ أيضاً: الألغام في اليمن.. مشكلة تسلط الضوء على خطر عالمي
يُصنَّف اليمن على أنه أحد أكثر الدول الملغومة في العالم منذ الحرب العالمية الثانية؛ حيث يُقدر أن الحوثيين قاموا بزرع ما لا يقل عن مليون لغم منذ بداية النزاع، كما تشير بعض التقارير إلى أن الأرقام يمكن أن تكون بالملايين. ووفقاً للتقارير -ومنها تقارير فريق الخبراء المعني باليمن، والتابع لمجلس الأمن الدولي- فإن الحوثيين يتحملون حصرياً زراعة الألغام في اليمن من بين جميع أطراف النزاع الأخرى.
لا تؤدي الألغام الأرضية إلى قتل وتشويه المدنيين فحسب؛ بل إلى تعطل سُبل العيش في الأرياف، مثل الزراعة وصيد الأسماك، وتحرم الأطفال من الذهاب إلى المدرسة بأمان أو ممارسة اللعب أو جلب المياه لأُسرهم، كما تعرقل توصيل المساعدات والجهود الإغاثية لأشد الناس ضعفاً. وعلى الرغم من أن فترات الهدوء، كالوقف المؤقت لإطلاق النار أو الهدنة، تنعش الآمال؛ فإنها في الوقت نفسه تشجع النازحين على العودة إلى مجتمعاتهم التي كانت يوماً ما خطوط نار ساخنة، وهي رحلة محفوفة بالمخاطر.
ملايين النازحين.. في خطر
تشير التقديرات إلى وجود ما لا يقل عن 4 ملايين نازح داخلياً في اليمن؛ جميعهم يعيشون في ظروف قاسية، سواء في مخيمات النازحين أو المنازل في المجتمعات المضيفة. ووفقاً لمنظمة “سيف ذا تشيلدرن”؛ فإن الأطفال في اليمن، بشكل عام، يواجهون مخاطر الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، والأسلحة التي لم تنفجر مثل قذائف المدفعية والقنابل اليدوية وقذائف الهاون والصواريخ. وقد ازدادت تلك المخاطر خلال عام 2022 نتيجة انتقال العديد من مجتمعات النازحين إلى أماكن نزوح أخرى، أو إلى مجتمعاتهم الأصلية بفضل الهدنة.

في عام 2022، بلغ عدد ضحايا الأطفال من الألغام ومخلفات الحرب 199 طفلاً، وهو ما يمثل نحو 55 في المئة من إجمالي ضحايا الأطفال عموماً في اليمن. تنتشر حقول الألغام في كل مكان من اليمن تقريباً، إلا أن بعض أكبر الحقول يوجد في محافظة الحديدة على الساحل الغربي من البلاد. زُرعت الألغام في الحقول والمراعي وعلى جوانب الطرقات، وحتى قرب المنشآت المدنية؛ مثل المنازل والأكواخ والمدارس والمستشفيات، وتم تمويهها بشكل بارع حتى يصعب تمييزها عن الأجسام أو البيئة المحيطة بها.
لم تُزرع الألغام المضادة للأفراد فقط؛ بل تمت أيضاً زراعة ونشر أجهزة متفجرة يدوية الصنع مموهة على شكل صخور أو أجزاء من جذوع الأشجار. والأسوأ من ذلك؛ تمت زراعة ألغام مضادة للمركبات، وألغام مضادة للمركبات معدلة بحيث تنفجر تحت ضغط وزن يصل إلى 10 كيلوجرامات فقط بدلاً من نحو 100 كيلوجرام؛ مما يجعلها تنفجر بمجرد أن يدوس عليها طفل صغير.
يُعد استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد محظوراً بموجب اتفاقية أوتاوا 1997، ولا شك أن هناك ما يبرر ذلك الحظر؛ إذ إن معظم ضحايا الألغام هم من المدنيين الأبرياء، خصوصاً الأطفال. كما أن آثارها تمتد لسنوات، ولا تقتصر على القتل والتشويه؛ بل تعيق التنمية الاقتصادية، وتمنع اللاجئين من العودة إلى مواطنهم، وتحرم الأطفال من ممارسة حقوقهم الأساسية مثل التعليم.
مخاطر متزايدة
يكون الأطفال في مناطق النزاعات أكثر عرضةً لمخاطر الألغام مقارنةً بالبالغين؛ بسبب حيويتهم وكثرة حركتهم وقدرتهم المنخفضة على تقدير المخاطر. وتمثل الحقول والساحات، وحتى الأماكن المهجورة، أماكن اللعب المفضلة لدى الأطفال. ولسوء الحظ، هذه الأماكن المفضلة لزارعي الألغام أيضاً. إضافة إلى ذلك، يمتلك الأطفال حساً فضولياً واستكشافياً أكبر؛ مما قد يدفعهم إلى فحص الأجسام الغريبة، كالمتفجرات، عند رؤيتها، أو حتى اللعب بها؛ مما يوقعهم في الخطر المميت.
اقرأ أيضاً: الألغام الحوثية تلاحق أرزاق اليمنيين في كل مكان
النازحون هم أيضاً عرضة لمخاطر الألغام بسبب بيئتهم المتردية؛ حيث يعيش أغلبهم في مراكز إيواء وخيام بائسة، وبيوت طينية أو حجرية غير آمنة. ويعيش بعض النازحين في بيوت عادةً ما تكون في حالة يُرثى لها. تتأثر بيئة النازحين تأثراً شديداً بالأمطار؛ خصوصاً مع تعرض اليمن إلى المزيد من الظواهر المناخية المتطرفة والمتقلبة. ولا تتسبب الأمطار في الإضرار بمساكن النازحين فحسب؛ بل تؤدي الفيضانات والسيول إلى تحريك الألغام من أماكنها، وربما جلبها من مناطق بعيدة إلى قلب مخيم للنازحين كان آمناً نسبياً منها.
من جانب آخر، قد تدفع الأمطار الغزيرة النازحين إلى النزوح من جديد إلى أماكن أخرى لا يدركون مدى خطورتها. وبطبيعة الحال، تزداد المخاطر في مواسم الأمطار. على سبيل المثال، حذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة -مؤخراً- من احتمالية تضرر 22 ألف شخص في عموم اليمن من مخاطر الفيضانات نتيجة الأمطار الغزيرة خلال أبريل الجاري. تشمل قائمة المناطق الأكثر تأثراً أجزاء من محافظتَي الحديدة ومأرب، اللتين تُعدان من بيئات النزوح والألغام الخطيرة.
التخطيط للمستقبل.. ضرورة

لا يوجد الكثير مما يمكن فعله لتجنب المخاطر التي تسببها الأمطار الغزيرة والفيضانات، باستثناء بعض الجهود الاحتياطية؛ مثل إجراء مسوحات لمسارات الفيضانات المحتملة ورسم خرائط الأماكن التي يُحتمل أن تكون ملغومة، ثم توجيه النازحين إلى مناطق أكثر أماناً -بناء على ذلك- وتحذيرهم من مخاطر مناطق معينة.
تمثل مشروعات إزالة الألغام المنتظمة إحدى أكثر الوسائل فعاليةً في تجنيب المزيد من اليمنيين؛ خصوصاً الأطفال والنازحين، مخاطر الألغام الوحشية، وذلك جنباً إلى جنب مع برامج التوعية بمخاطر الألغام، وكيفية تمييز الأجهزة المتفجرة وبقايا الحرب الخطرة، وتوفير التدريب والأدوات اللازمة لإزالة الألغام.
ويأتي في قائمة المشروعات الرائدة في اليمن، لتطهير البلاد من الألغام والوقاية منها والتوعية بمخاطرها، كلٌ من مشروع “مسام” الممول من المملكة العربية السعودية، ومشروع مكافحة الألغام التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالشراكة مع اللجنة الوطنية لمكافحة الألغام.
أسهمت هذه المشروعات في نزع مئات الآلاف من الألغام ومخلفات الحرب المتفجرة على مدى السنوات الماضية؛ لكنها لا تزال بعيدة عن تطهير كامل البلاد. ولسوء الحظ، كلما اندلعت جولة جديدة من التصعيد، كان ذلك مؤشراً على ظهور حقول جديدة، وفي بعض الأحيان نسف إنجازات السنوات الماضية.