الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

اليمن.. تداعيات تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية من قبل واشنطن

رغم الترحيب بالقرار من مختلف الأطراف.. فإن الكثير من المنظمات الإغاثية الدولية عبرت عن مخاوفها من أن يؤدي القرار إلى تأزم الوضع الإنساني والاقتصادي والدبلوماسي في اليمن

كيوبوست

صنفت وزارة الخارجية الأمريكية يوم الاثنين، 11 يناير، المتمردين الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية أجنبية؛ وهو قرار يأتي ضمن جهود الولايات المتحدة لتعزيز الردع ضد الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، بما في ذلك دعم المتمردين الحوثيين ضد الحكومة اليمنية الشرعية.

وحسب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، باللغة العربية، ساميويل وربيرغ، فإن جماعة الحوثي قد حرمت اليمنيين من حل سلمي للصراع، وتعاونت مع إيران؛ وهي الدولة الأولى الراعية للإرهاب. وقد وصفت الحكومة اليمنية الشرعية القرار بأنه “ينسجم مع مطالب الحكومة اليمنية لمعاقبة هذه الميليشيات الإرهابية”. كما لاقى القرار ترحيباً من قِبل عدة دول وجهات محلية ودولية؛ منها المملكة العربية السعودية والإمارات ومجلس النواب اليمني والبرلمان العربي.

اقرأ أيضاً: هل يقود استهداف الحكومة اليمنية العودة إلى نقطة الصفر؟

من جانب آخر، أدانت جماعة الحوثي قرار تصنيفها كمنظمة إرهابية، وقال الزعيم الحوثي، محمد علي الحوثي: إن الجماعة تحتفظ بحق الرد. كما اعتبرت الخارجية الإيرانية، الداعمة للحوثيين، الخطوة الأمريكية “تعبيراً عن إفلاس” إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب.

يُذكر أن القادة الأساسيين للمتمردين الحوثيين؛ ومنهم عبدالملك الحوثي، هم بالفعل تحت العقوبات من قِبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتهدف العقوبات إلى منعهم من السفر وتجميد أصولهم المالية. كما أن الحوثيين وجميع الأطراف التي تعمل لصالحهم أو تتلقى التعليمات منهم ملزمون بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216 الصادر في عام 2015، والذي ينص على عدة عقوبات؛ منها حظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية، وتفتيش الشحنات المتجهة إلى اليمن، في حال ورود اشتباه بوجود أسلحة فيها.

مخاوف إنسانية ودبلوماسية

عبَّرت الكثير من المنظمات الإغاثية الدولية عن مخاوفها الشديدة من أن يؤدي القرار إلى تأزُّم الوضع الإنساني والاقتصادي والدبلوماسي في اليمن؛ وذلك من خلال ما قد يترتب على القرار من أخطار، منها عرقلة الاتصال بالمسؤولين الحوثيين، وتعثُّر عمل النظام المصرفي، وتأخير وصول المساعدات الإنسانية والرواتب والطعام والمشتقات النفطية.

اقرأ أيضاً: لماذا باع رجل ابنته في اليمن؟

من جهته، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من عواقب التصنيف، قائلاً: إن اليمن في خطر وشيك بدخول أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود. وقال مدير المجلس النرويجي للاجئين في اليمن، محمد عبدي، إن هذه الخطوة “ستعرقل قدرة وكالات الإغاثة على الاستجابة” للوضع المزري بالفعل.

مواطنون يمنيون يجمعون الماء- وكالات

الخارجية الأمريكية أكدت بدورها أن التصنيف لن يؤثر على وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين، وأكدت استمرار واشنطن في مساعدة الشعب اليمني ومحاسبة المسؤولين عن زعزعة الاستقرار. وقال وزير الخارجية: “نخطط لاتخاذ تدابير تكفل تقليص أثره (القرار) على الأنشطة الإنسانية وعلى واردات معينة إلى اليمن”.  ومع ذلك، عبر مسؤولو الإغاثة عن مخاوفهم من أن تفشل جهود واشنطن في تسهيل مرور الإغاثة وعملها في طمأنة البنوك وشركات التأمين.

كما يعتقد الكثير من الخبراء والمطلعين على الشأن اليمني أن قرار تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية سوف يحد كثيراً من مواصلة مفاوضات السلام. ووصف ديفيد ميليباند، الرئيس التنفيذي للجنة الإنقاذ الدولية، الخطوة بأنها “تخريب دبلوماسي محض”. كما ذكرت وكالة الأنباء “رويترز”، أن إدارة ترامب قد دأبت على تكديس العقوبات على إيران، في إشارة منها إلى رغبة الجمهوريين في تصعيب عمل الإدارة القادمة الراغبة في التعامل مع إيران وتخفيف العقوبات عليها والعودة إلى الاتفاق النووي.

وقال جورجيو دي جونسنفي، في تقرير نشره معهد بروكينغز الأمريكي، إنه من غير المرجح أن يؤدي التصنيف للجانب الذي يربح على الأرض، في إشارة إلى الحوثيين، إلى تقدُّم مفاجئ. ورأى نواب أمريكيون بارزون أن قرار وزير الخارجية مايك بومبيو، تصنيف الحوثيين جماعة “إرهابية” من شأنه أن يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية.

ما الذي يترتب على التصنيف؟

لا يعتمد تصنيف مجموعة ما كمنظمة إرهابية أجنبية على الأعمال الإرهابية التي نفذتها بالفعل فقط؛ بل أيضاً يتم الأخذ في الاعتبار نية المجموعة أو قدرتها على تنفيذ أعمال إرهابية في المستقبل. كما يجب أن يكون نشاط تلك المجموعة مهدداً لأمن المواطنين الأمريكيين أو الأمن القومي، والذي يشمل المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة. تبلغ مساهمة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي نحو 24 في المئة؛ مما يجعل شبكة مصالحها منتشرة في كل مكان على الأرض تقريباً، وفي غاية التداخل.

اقرأ أيضاً: اليمن.. عواقب وخيمة قد تنتظر العمل الإغاثي

تشمل تداعيات تصنيف جماعة ما كمنظمة إرهابية خارجية، تجريم تقديم الدعم المالي والموارد للمنظمة من قِبل أي شخص في الولايات المتحدة؛ بما في ذلك المشورة والتدريب ومساعدة الخبراء. كما سيتعين على المؤسسات المالية الأمريكية التي تمتلك أو تتحكم في أموال ترتبط بها الجماعة الإرهابية، أو أحد وكلائها، الاحتفاظ بتلك الأموال أو التحكم بها. ومن شأن مثل هذه التدابير عزل الجماعات الإرهابية ونبذها عالمياً، ومنع وصول التبرعات والتعاملات الاقتصادية معها.

سبق أن قامت الولايات المتحدة بتطبيق هذا التصنيف على عدة جماعات حول العالم؛ منها على سبيل المثال لا الحصر حركة حماس، و”حزب الله”، وحزب العمال الكردستاني، والقوات المسلحة الثورية لكولومبيا، والجيش الجمهوري الأيرلندي الحقيقي، و”داعش” و”القاعدة”، وحركة الشباب.

الهلال الأحمر الإماراتي يقدم مساعدات إغاثية لليمن- الهلال الأحمر الإماراتي

لكن الكثير من المنظمات تلك استطاعت مواصلة عملها، وابتكار طرق للتحايل على العقوبات، وإن كانت العقوبات بالفعل أدت إلى عزلها. من تلك المجموعات على سبيل المثال حركة الشباب الصومالية، والتي عملت على الاستفادة من أنظمة التحويلات المالية عبر الهواتف؛ وهي طريقة يصعب تعقبها، كما نشطت الحركة في عمليات غسيل الأموال والابتزاز الضريبي، والشراكة مع الشركات والوكالات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية الأخرى التي تعمل في جنوب وسط الصومال. كما أصبحت الحركة تركز أيضاً على الهجمات الخارجية واستهداف البعثات الأجنبية، مثل تلك الهجمات التي استهدفت جامعة كينية في عام 2015، وتفجير قنبلة على متن طائرة كانت متجهة من مقديشو إلى جيبوتي في عام 2016، واستهداف بعثات الاتحاد الإفريقي في الصومال.

وعلى الرغم من أن المتمردين الحوثيين قد ارتكبوا بالفعل جرائم مروعة ضد الشعب اليمني، وهم مستمرون في استهداف المدنيين وابتزازهم وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية؛ فإنه يُخشى بالفعل أن يؤدي تصنيفهم كجماعة إرهابية إلى عرقلة النشاط الاقتصادي المنهار، وعرقلة وصول المواد الغذائية والمساعدات والأموال والوقود؛ مما قد يؤدي إلى خلق سوق سوداء في مناطق سيطرة الحوثيين، وزيادة أنشطة غسيل الأموال، ونقص حاد في المستلزمات الضرورية للمواطنين الأبرياء، وتدهور قيمة الريال اليمني في أنحاء البلاد؛ لذلك، سيكون تخفيف كل هذه التداعيات على الشعب اليمني تحدياً هائلاً للحكومة الأمريكية والحكومة اليمنية الشرعية ودول التحالف العربي الذي سئم عنجهية وإرهاب المتمردين الحوثيين، وأحدثه استهداف الحكومة في مطار عدن.

اقرأ أيضاً: حركة الشباب الصومالية.. من الغايات الدينية إلى الأهداف المالية

من الناحية النظرية، يمكن لوزير الخارجية إلغاء التصنيف إذا ما انتفت الأسباب التي أدت في المقام الأول إلى وضع الجماعة في القائمة السوداء. يمكن للإدارة الأمريكية القادمة فعل ذلك؛ لكن ذلك سيكون مرهوناً بسلوك الحوثيين وردود أفعالهم على تصنيفهم كجماعة إرهابية. سيكون من الجيد أن يخفض الحوثيون من تصعيدهم، والامتثال إلى السلوك الحَسن لإنقاذ ملايين اليمنيين الذين لا يتحملون المزيد من الضغوط.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة