الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربية

اليمن.. بداية المعارك الفاصلة في شبوة

كيوبوست

تشهد محافظة شبوة، جنوب شرق اليمن، منذ نحو أسبوع، تطوراتٍ متسارعةً يُنظر إليها على نطاق واسع كتحولات استراتيجية في الصراع الدائر في اليمن. وتكتسب المحافظة المطلة على البحر العربي أهميتها من موقعها الجغرافي وثرواتها النفطية ودورها كمنفذ لتصدير الغاز القادم من محافظة مأرب المحاذية؛ الأمر الذي يجعل السيطرة على شبوة مفتاحاً أساسياً للنصر في الحرب ضد المتمردين الحوثيين والجماعات الإرهابية وميليشيات الإخوان المسلمين.

في عام 2017 تمكنت قوات النخبة الشبوانية، المشكلة حديثاً حينها من قِبل التحالف العربي، من دك أوكار عناصر تنظيم القاعدة في شبوة، وفرض النظام والقانون في المحافظة؛ لكن لم يكد يمضي عامان من إحكام قوات النخبة سيطرتها على شبوة حتى تم استبدال قوات الحكومة الشرعية بها، المتهمة بالتواطؤ مع مختلف الجماعات المزعزعة للاستقرار في البلاد بمستويات مختلفة وتكتيكات متنوعة، وتشمل قائمة تلك الجماعات تنظيم القاعدة وميليشيات من الإخوان المسلمين والمتمردين الحوثيين، وذلك حسب مواطنين وناشطين من شبوة، وتقارير صحفية واستخباراتية وحقوقية.

اقرأ أيضاً: سياسات تركية جديدة تتضمن سحب البساط من إخوان اليمن

وعلى الرغم من القوة التي تمتلكها قوات جيش الشرعية؛ فإن المواطنين في شبوة بقوا يقاومونها بمختلف الوسائل السلمية؛ من احتجاجات ومظاهرات وإضرابات، وقد تم قمع كل تلك التحركات من قِبل قوات الجيش والأمن الموالية للمحافظ السابق محمد بن عديو، المتهم بتورطه في مئات الانتهاكات، والتي تشمل قتل عناصر من قوات النخبة أو التواطؤ في ذلك، والحجز التعسفي، والفساد المالي والإداري، وإقصاء أبناء شبوة.

تغييرات حاسمة

أدت الاحتجاجات الشعبية الواسعة والمستمرة بلا كلل في شبوة إلى إقالة المحافظ محمد بن عديو، وتعيين محافظ جديد للمحافظة، وهو عوض بن الوزير؛ وسرعان ما تم الدفع بعدد من ألوية العمالقة من الساحل الغربي إلى محافظة شبوة، لتعزيز الأمن والمساهمة في تحرير المديريات التي سيطر عليها المتمردون الحوثيون بتواطؤ من القوات الموالية للإخوان المسلمين. قُوبلت القوات بترحيب شعبي واسع؛ نظراً للإنجازات التي سبق أن حققتها في محافظة الحديدة على البحر الأحمر غرب اليمن. كما لاقى تعيين المحافظ الجديد ترحيباً واسعاً من المواطنين وزعماء القبائل والقادة العسكريين من أبناء شبوة الذين تم إقصاؤهم من قِبل السلطة السابقة.

محافظ شبوة المعين حديثاً عوض بن الوزير وسط الحشود- أرشيف

لكن التغييرات الحاسمة في شبوة تسببت في تحركات انتقامية من قِبل ميليشيات الإخوان المسلمين والمتمردين الحوثيين، والذين كان عملهم المشترك مفيداً لهم في سقوط مديريات من شبوة ومأرب والبيضاء. وكان من بين تلك التحركات الانتقامية نهب بعض المعسكرات في شبوة، وتشمل أطقماً عسكرية وأسلحة وأثاثاً وتجهيزات داخل معسكرات في مدينتَي عتق وميفعة وغيرهما، حسب وسائل الإعلام.

تصاعدت وتيرة الانتقامات خلال الأيام القليلة الماضية؛ حيث تم استهداف مطار عتق؛ مما تسبب في أضرار في بوابة وصالة المطار، ويُحتمل أن يكون الاستهداف قد تم بواسطة صاروخ باليسيتي أو طائرة مسيَّرة. وفي حين أنه لم يُعلن عن وقوع خسائر بشرية ناتجة عن استهداف المطار؛ إلا أن انفجاراً آخر  استهدف معسكراً تابعاً لقوات “العمالقة” أدى إلى وقوع ما لا يقل عن أربعة قتلى وإصابة آخرين.

اقرأ أيضاً: هل يوشك الإخوان المسلمون على الأفول في العالم العربي؟

ويأتي ذلك في ظل عمليات عسكرية مكثفة تشنها قوات التحالف العربي وتحركات شرسة من قِبل قوات العمالقة لتحرير مديريات شبوة، وقد رد المتمردون الحوثيون على هذه الحملة بتكثيف الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة عبر الحدود على السعودية أيضاً. وفي المقابل، تمكنت قوات العمالقة من تحرير مركز مديرية “عسيلان” من الحوثيين، وتتجه القوات المنتصرة لتحرير المزيد من المناطق.

مستقبل الإخوان

يُنظر إلى التغييرات الجارية في محافظة شبوة كمؤشر على بداية انحسار نفوذ الإخوان المسلمين المهيمنين على الحكومة الشرعية في اليمن، الذين أوجدوا لأنفسهم حضوراً قوياً في محافظة شبوة من خلال المحافظ محمد بن عديو، والقوات العسكرية. ووفقاً لمشائخ قبليين ومصادر خاصة فإن سلطات الإخوان والقوات الحكومية كانت تتألف من العديد من العناصر الإرهابية والحوثية القادمة من مختلف المناطق؛ مثل مأرب وغيرها من محافظات شمال اليمن خصوصاً.

ميناء بلحاف في شبوة- أرشيف

كما سبق أن ذكرت عدة تقارير حقوقية نشاطاً دؤوباً للجمعيات الإنسانية؛ من أبرزها على الإطلاق جمعية التكافل الإنساني، التي تقوم بتوزيع المساعدات على الموالين لحزب الإصلاح فحسب، وتهميش المجتمعات غير الموالية على الرغم من حاجتها الملحة إلى الدعم. تقارير خاصة أخرى أشارت إلى تورط هذه الجمعية في انتهاكات واستغلال للمهاجرين الأفارقة منذ التسعينيات من القرن الماضي بقيادة زعيم من حزب الإصلاح يمتلك علاقات وثيقة مع قيادات عسكرية موالية. وبالنظر إلى هذا السجل المرعب لحزب الإصلاح، ذراع الإخوان المسلمين في اليمن، منذ عقود؛ فإن التخلص من سيطرته يصبح أكثر إلحاحاً أكثر من أي وقت مضى؛ بسبب السيطرة المعيبة جداً للحكومة الشرعية واحتمال انتقال الفوضى وانتشارها إلى مناطق أوسع.

يؤدي موقع شبوة دوراً محورياً في الصراع الحالي؛ فسواحل المحافظة الطويلة والمفتوحة تجعل منها نقطة أساسية في تهريب السلاح واللاجئين والمقاتلين، وتوسطها على خارطة جنوب اليمن يجعل منها موقعاً مثالياً لقطع المواصلات والإمداد بين الشرق والغرب، وحدودها مع محافظة مأرب والبيضاء وأبين تجعل منها منطقة مفتوحة للمتمردين الحوثيين وتنظيم القاعدة النشطين في هذه المحافظات. وبالإضافة إلى كل ذلك، تحتضن المحافظة حقول نفط، وأنابيب نقل غاز مأرب، وميناء بلحاف الذي يعد أكبر مشروع اقتصادي في تاريخ الجمهورية اليمنية.

اقرأ أيضاً:  إلى ماذا يمكن أن يؤدي تصعيد الحوثيين والاحتجاجات الشعبية؟

الأهمية الاستراتيجية لشبوة تجعل منها محافظة تستحق الكثير من التضحيات؛ في حرب الانفصال -مثلاً- بين الجنوب والشمال سنة 1994م أدت شبوة دوراً أساسياً في حسم الحرب لصالح الشمال بعد سماح بعض قبائل شبوة لقوات شمال اليمن بالمرور إلى الجنوب؛ وهو ما اعتبرته القبائل، آنذاك، موقفاً محايداً منها في الحرب.

مكامن القوة التي تمتلكها شبوة هي التي قادت الإخوان في المقام الأول إلى السيطرة عليها، وهي ما يُحتمل أن تقودهم الآن إلى المزيد من التضحيات لاستعادتها وعرقلة دور قوات العمالقة المدعومة من التحالف العربي. ينضم إلى هذه المعركة الحاسمة بلا أدنى  شك المتمردون الحوثيون الذين ما كان يمكنهم السيطرة على مديريات في شبوة من دون المساعدة الإخوانية؛ وهذا ما يضعنا أمام حقيقة مخيفة وهي احتمال استمرار واشتداد المعارك بين القوى المتحاربة في شبوة والمناطق المجاورة. ومع ذلك، فإن إرادة وقوة التحالف العربي، والسجل الحافل للقوات الجنوبية، يمكن أن يحسمان المعارك في غير صالح قوى الشر المدعومة من إيران والإخوان المسلمين عاجلاً أم آجلاً. 

تبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة