الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
اليمن.. الصراع يدفع إلى انتشار الطاقة الشمسية

منير بن وبر – اليمن
لم يكن السيد محمد عمرون، من محافظة حضرموت جنوب اليمن، قادرًا على ري مزرعته بما يكفي؛ للحفاظ على مهنته كمزارع، ناهيك بتوفير مصدر دخل نحو ثلاثة وعشرين عاملًا آخرين يعملون في مزرعته بين الحين والآخر. كانت تلك المشكلة تهدد مزرعة عمرون بالجفاف، تمامًا كما حصل لمَزارِعٍ أخرى عندما استحال على مُلّاكها شراء الوقود الكافي لتشغيل مكائن الري بالرفع.
يؤدي الصراع في اليمن إلى نقص حاد في الطاقة الكهربائية والوقود؛ بما في ذلك غاز الطبخ، الأمر الذي يؤثر بشدة على اقتصاد البلاد ويعطل التنمية في أحد أكثر البلدان فقرًا.
لقد تركت الحكومة اليمنية العاجِزة أعدادًا هائلة من المزارعين اليمنيين وحدهم يواجهون تحديات الاحترار العالمي الذي يسرِّع التصحُّر ويهدد القطاع الزراعي في البلاد، ناهيك بتحديات نُدرة المياه؛ لذلك فإن الارتفاعات المتزايدة لأسعار الوقود وشُحه في الأسواق كانت بمثابة المسمار الأخير في نعش كثير من المزارِع ومشروعات الأعمال الأخرى. في نهاية المطاف، ذلك يعني ارتفاع أسعار الخضراوات والفواكه وغيرهما من السِّلع.
شاهد: فيديو.. مخاوف من التصعيد في جنوب اليمن
في حوارٍ خاص مع “كيوبوست”، أوضح عمرون أنه يحتاج إلى برميل من الديزل كل يوم لري مزرعته البالغة مساحتها نحو سبعين فدانًا. تزوِّد المزرعة السوق المحلية بأنواع مختلفة من الخضار؛ كالبصل والفلفل والباذنجان، بالإضافة إلى علف الماشية.
قبل نحو عامَين، وصل سعر البرميل من الديزل إلى خمسين ألف ريال يمني، أي نحو 83 دولارًا بسعر الصرف الحالي، وهو مبلغ مرتفع بالنسبة إلى المزارعين، ناهيك بانعدام الديزل في بعض الأحيان؛ مما يعني إما شراء المزيد من الكميات الاحتياطية وإما، ببساطة، ترك الزرع عُرضة للجفاف والموت.
أدى الارتفاع المتزايد للديزل وانعدامه المتكرر إلى جعل عمرون يفكِّر في طريقة أخرى لضخ المياه؛ فلجأ إلى استخدام الكهرباء، ولكن فاتورة الكهرباء الشهرية كانت باهظة هي الأخرى، كما أن الكهرباء تنقطع من وقت إلى آخر. لكن، قبل عامين، لجأ السيد عمرون إلى الطاقة الشمسية؛ لقد كانت حلًّا سحريًّا بالنسبة إليه، فقد مكَّنته أخيرًا من ري مزرعته بالمجان تقريبًا، لقد احتاج فقط إلى ضوء الشمس، وهو مورد متوفر بسخاء!
يبلغ سعر البرميل من الديزل اليوم نحو 60 ألف ريال يمني (نحو 100 دولار)؛ لكن عمرون لم يعد قلقًا من ذلك، فقد وفَّرت له الطاقة الشمسية كثيرًا. يقول عمرون: “كانت مكائن الديزل تكلِّفنا الوقود والزيت وقِطع الغيار؛ لكن الطاقة الشمسية الآن وفَّرت لنا كثيرًا”.

لا تنقذ الطاقة الشمسية مزرعة عمرون وحده أو عشرات، بل ربما مئات المزارع الأخرى في اليمن، إنها تسهم أيضًا في إنقاذ الآلاف من السكان من كثير من الأمراض التي تسببها مياه الشرب غير الآمنة؛ وذلك بعد أن تمكَّنت عدة منظمات إغاثية من تركيب أنظمة طاقة شمسية لضخ مياه الشرب النظيفة في عدة مناطق.
في العام الماضي، على سبيل المثال أعلنت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة، افتتاح مشروع واسع النطاق للمياه بالطاقة الشمسية في اليمن، والذي قالت إنه يساعد على توصيل ما يقرب من مليون لتر من المياه يوميًّا إلى 55 ألف شخص في كلٍّ من أمانة العاصمة وصنعاء.
يتم تركيب المزيد من أنظمة الطاقة الشمسية التي تضخ مياه الشرب إلى الآلاف يوميًّا. بعض تلك المشروعات بتمويل من منظمات إغاثية وتنموية، أما بعضها الآخر فهو بتمويل من الأهالي أو السلطات المحلية. على سبيل المثال، موَّل الأهالي في عزلة السويري بتريم، محافظة حضرموت، تركيب نظام ضخ مياه الشرب بالطاقة الشمسية في مشروع المياه الأهلي الخاص بالعُزلة، وذلك بعد أن كانت أزمات وقود الديزل تهدِّد بتوقُّف الضخ وتعريض الآلاف إلى العطش أو مصادر مياه غير آمنة.
اقرأ أيضًا: ميليشيا الحوثي تتسبب في كارثة بيئية محتملة باليمن
وفي حضرموت أيضًا، تم التوقيع مؤخرًا على اتفاقية إنشاء محطة كهربائية بالطاقة الشمسية بتمويل من السلطة المحلية. وستعمل المحطة على تشغيل 12 بئرًا لمياه عاصمة المحافظة، المكلا، لتوفِّر 30% من الطاقة الكهربائية ووقود الديزل.
يعيش نحو 71 في المئة من سكان اليمن في الريف، كما يفتقر 90 في المئة من السكان إلى المياه الكافية، وهناك توقعات بأن يستنفد اليمن كامل إمداداته المائية قريبًا. تسهم هذه العوامل، بالإضافة إلى نقص إمدادات الكهرباء والوقود، في حرمان السكان من الوصول إلى المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي، وهي عوامل أساسية في تفشِّي وباء الكوليرا. يُذكر أن اليمن قد شهد أسوأ تفشٍّ للكوليرا في التاريخ المسجل مع أكثر من مليون حالة؛ أكثر من نصفها من الأطفال.
على الرغم من التحديات التي تفرضها الطبيعة الجغرافية والديموغرافية في اليمن؛ فإن الصراع يؤدي إلى تحسُّن توفُّر الكهرباء في المناطق الريفية، وهو أمرٌ مثيرٌ للدهشة. حيث أدَّت الحاجة المُلِحَّة إلى مصادر للكهرباء والوقود إلى ارتفاع الطلب على أنظمة الطاقة الشمسية؛ الأمر الذي شجَّع التجار على زيادة استيراد هذه الأنظمة، بالإضافة إلى الإلكترونيات المنزلية التي تعمل بالطاقة الشمسية. ووَفقًا لبعض التقديرات، يستخدم أكثر من نصف اليمنيين اليوم الطاقة الشمسية كمصدر رئيسي للإضاءة، ناهيك باستخدامها في ري المزارع ومشروعات مياه الشرب.

من جانب آخر، يتسبب الصراع في اليمن أيضًا في حرمان جميع المدارس تقريبًا من مصادر الكهرباء الكافية؛ الأمر الذي يتسبب في عرقلة الدراسة، بالذات في المناطق الحارة.
تقول سارة محسن، طالبة، 11 عامًا: “أحب الذهاب إلى المدرسة، ولديَّ حلم في إكمال شهادة جامعية. لكن موجات الحر التي تأتي خلال الصيف تمنعني وكثيرًا من زملائي في الدراسة من الذهاب إلى المدرسة”.
لحُسن الحظ، تمكنت سارة أخيرًا من مواصلة الدراسة دون الانزعاج من عدم توفُّر الكهرباء؛ وذلك بفضل مشروع مشترك لنظام الطاقة الشمسية تنفذه جمعية التنمية الدولية التابعة لمجموعة البنك الدولي. يطمح المشروع إلى إمداد جميع المدارس في اليمن بالطاقة الشمسية. من شأن مشروعات من هذا النوع تشجيع التعليم والمساهمة في دفع عجلة التنمية وتقليل نسبة البطالة والفقر على المدى الطويل.
اقرأ أيضًا: ما فعلته جماعة الحوثي بالتعليم في اليمن
يقدر بعض الدراسات أن ما يقرب من 55 في المئة من أصول قطاع الطاقة في اليمن (بما في ذلك خطوط نقل الكهرباء ومحطات الطاقة) تعاني حاليًّا التلف بدرجة ما، بينما تعرَّض 8 في المئة منها إلى دمار كامل. وعلى الرغم مما تسببه هذه النِّسب من قلق وأضرار بالغة؛ فإن توجُّه اليمنيين نحو استخدام الطاقة الشمسية كبديل يجعل كثيرًا من المطَّلعين يشيدون بهذه التجربة المُلهِمة، ويعتبرونها مثالًا يجب أن يُحتذى به في الدول التي واجهت أزمات الطاقة الناجمة عن الحروب الأهلية؛ كأفغانستان والعراق وليبيا ونيجيريا.