الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

“اليسار الإسلاموي” و”البوتقة الإسلاموية” في فرنسا 2-2

تحالف جديد معادٍ للغرب وفي خدمة الإخوان المسلمين

كيوبوست- ترجمات

 ألكسندر دل فاللي♦

ترجمة: نور الدين تليلي

معاداة العنصرية من وجهة نظر يسارية في خدمة التفوق الإسلاموي ومعاداة اليهود

تعتمد القوى اليسارية المتحالفة مع الإسلامويين في استراتيجيتها على تطويع فكرة معاداة العنصرية من أجل خدمة أهداف الحركات الإسلاموية المتمثلة أساساً في مزيدٍ من التموقع والتغلغل في المؤسسات والمجتمعات الغربية؛ لذلك فهي تنشط كثيراً في صلب بعض الجمعيات التي تُعْنَى بالنضال ضد كل أشكال التمييز العنصري، مثل “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا” (CCIF) و”حركة معاداة العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب” (MRAP) و”جامعة حقوق الإنسان” (Ligue des droits de l’homme).

نشير هنا إلى أن هذه الجمعيات لها علاقات وطيدة مع كل من الحزب الشيوعي الفرنسي، وحزب “فرنسا الأبية”، كما أنها تتدخل دائماً بصفتها جمعياتٍ تناضل ضد التمييز العنصري في سير كل القضايا المتعلقة بهذا الشأن المرفوعة أمام المحاكم الفرنسية؛ هذه الجمعيات تنتفض لمجرد الخوض في بعض المسائل المتعلقة بالدين الإسلامي، وتعتبر أية محاولة نقد لتصرفات بعض المسلمين والجماعات الإسلاموية نوعاً من العداء إزاء الإسلام والمسلمين، كما أنها لم تتوقف عن نشر طرحٍ مفاده أن الربط بين الإرهاب والحركات الإسلاموية هو نوع من التجني على المسلمين كافة؛ فمثلاً سنة 1999 عارضت جمعية “جامعة حقوق الإنسان” طلب وزير الداخلية الفرنسي، آنذاك، المتمثل في وجوب إدراج حق تغيير المعتَقَد في “ميثاق الإسلام الجمهوري”، مُعتبرةً ذلك من باب التمييز ضد المسلمين.

اقرأ أيضًا: الإسلام السياسي في فرنسا والتوجه نحو الاستثمار في التعليم

نفس هذه الجمعية معروفة بدفاعها المستميت عن “اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا”؛ وهي منظمة تهيمن عليها عناصر معروفة بتبنيها الفكر المتشدد، ودعمها اللا متناهي للإخوان المسلمين، ولحركة حماس الفلسطينية.

في سنة 1995 قامت ذات الجمعية بإعلان دعمها لطارق رمضان، إثر منع السلطات الفرنسية ولوجه الأراضي الفرنسية، بعدما تبين لها تعاون المركز الإسلامي بجنيف، الذي كان يشرف عليه بمساعدة شقيقه هاني، مع بعض الجماعات المتشددة في الجزائر المسؤولة عن تفجيرات إرهابية حدثت في باريس في منتصف تسعينيات القرن الماضي. أما “حركة معاداة العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب” (MRAP)، فلم تتوان في الدفاع عن مراهقتَين من أصول مسلمة اعتنقتا الفكر المتشدد، ورفضتا نزع الخمار في المدرسة العمومية التي كانتا ترتادانها، مُعتبرةً قرار طردهما من ذات المدرسة عملاً معادياً للمسلمين.

طارق رمضان

كل هذه الجمعيات المعنية بمحاربة التمييز العنصري في فرنسا نجحت في خلق أدبياتٍ ومصطلحات قانونية جديدة رحبت بها حركات الإسلام السياسي؛ لكنها أصبحت كالسيف المُسلَّط على رقاب وسائل الإعلام والسياسيين والمثقفين الذين لا يجازف العديد منهم بنقد الإسلام السياسي أو الخوض في مسائل لها علاقة بالجاليات المسلمة في أوروبا. كما أن هذه الجمعيات ترفض المبادئ العلمانية للدولة التي تمثل دعامة النظام الجمهوري في فرنسا، ولا تعير أي اهتمام بقضايا المرأة التي دافع عنها كثيراً الحزب الاشتراكي الفرنسي، وجمعية “إس.أُو.إس راسيزم” (S.O.S. Racisme) أو جمعية “لسنا عاهرات ولا خاضعات” (Ni putes ni soumises) هذه الجمعية التي تمثل مصدر قلق شديد بالنسبة إلى الحركات الإسلاموية؛ لأنها ما انفكت تنتقد أوضاع النساء، وتندد بعدم احترام حقوقهن في بعض البلدان الإسلامية والأوروبية. لقد تخلَّت هذه الجمعيات ذات النزعة اليسارية المتحالفة مع الإسلام السياسي، عن مبادئ الحرية وحقوق الإنسان والحقوق الفردية التي لا حدود جغرافية لها، وقايضتها بتصور إسلاموي يزعم أن مسلمي أوروبا هم ضحية التمييز العنصري القائم على أساس انتمائهم الديني، في حين أن نفس هذه الجمعيات تروِّج لفكرة أن الغرب واليهود من ورائهم هم المسؤولون الرئيسيون عما يعانيه بعض المسلمين في أوروبا من مضايقات وتمييز.

أما جمعية “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا” (CCIF) التي حلَّت نفسها نهاية سنة 2020 بعد مطالبة وزير الداخلية الفرنسي بحظرها إثر اغتيال مدرّس التاريخ والجغرافيا سامويل باتي؛ فهي مثال حي للجمعية اليسارية المتحالفة مع الحركات الإسلاموية؛ والتي كانت لا تتردد في التشهير بكل مَن يجرؤ على نقد الإسلام السياسي أو الخوض في مسائل تتعلق بالدين الإسلامي؛ بل إنها تَعتبِر أن التنديد بالفكر الجهادي ومكافحة التطرف الإسلامي يمثلان دليلاً لا يرتقي إلى الشك على انتشار الإسلاموفوبيا في فرنسا.

معاهد في فرنسا لتدريس أيديولوجية الإخوان المسلمين- صورة تعبيرية

وتستلهم هذه الجمعية استراتيجية عملها القائمة على الظهور بمظهر الضحية من أساليب عمل منظمات حكومية إسلامية عريقة؛ مثل منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والثقافة والعلوم (إيسيسكو)، وكذلك أساليب عمل الإخوان المسلمين. ويقوم عمل هذه الجمعية على نشر بيانات تنديد انطلاقاً من الشكاوى المودَعَة لدى مصالح الأمن الفرنسي من قِبل أشخاص من الأقليات يعتبرون أنفسهم ضحايا تمييز عنصري قائم على أساس انتمائهم العرقي والديني.

ولا تبذل هذه الجمعية أي جهد للتثبت من فحوى هذه الشكاوى أو التريث لحين إصدار المحاكم قرارات بشأنها. كما أنها توفِّر دعماً قانونياً لكل “الضحايا” من أصول مسلمة؛ من بينهم نساء تمت ملاحقتهن جزائياً بعد رفضهن خلع البرقع أو الحجاب في مبانٍ تابعة لمرافق عمومية. وهي ذات الجمعية التي شنت حملة ضد صحيفة “شارلي إيبدو” بعد نشرها كاريكاتير النبي محمد، متهمة إياها بمعاداة الإسلام والمسلمين.

اقرأ أيضًا: في حربها ضد الانفصالية.. فرنسا تغلق 9 مساجد متطرفة في شهر واحد!

تأسست جمعية “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا” سنة 2003، ونالت تأشيرة السلطات على أنها جمعية ذات “مصلحة عامة”، وهي من أعلى المراتب التي يمكن لجمعية أن تحصل عليها في فرنسا؛ لكن هذه الجمعية اضطرت إلى حل نفسها مؤخراً بعدما تيقنت الحكومة الفرنسية بأنها تمثل خطراً على الدولة والمجتمع؛ وذلك بسبب تحالفها مع الإسلامويين، ودفاعها المتكرر عن بعض غلاة التطرف الإسلامي. وقبل حل نفسها كانت هذه الجمعية عضواً في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطابه عن الانفصالية الإسلامية- “أ ف ب”

سنة 2004 نددت ذات الجمعية بقرار السلطات الفرنسية القاضي بإغلاق مدرسة إسلامية كانت تعمل دون ترخيص، ومُتَّهَمَة بنشر خطاب الكراهية ضد اليهود والدعوة إلى الجهاد. كما لم تتوانَ ذات الجمعية سنة 2006 في إصدار بيان نددت من خلاله بمظاهرة تم تنظيمها بمدينة ليون الفرنسية؛ رفضاً لزيارة هاني رمضان (شقيق طارق رمضان) الذي كان يساند علناً جلد النساء وتعنيفهن من قِبل أزواجهن.

هذه الجمعية تقدم نفسها على أنها محايدة ولا تتورع في نفس الوقت عن تذكير منتقديها باعتراف السلطات الفرنسية بها واعتبارها جمعية “ذات مصلحة عامة”، في حين أنها كانت في واقع الأمر تنفِّذ استراتيجية تقوم على مزيدٍ من التغلغل في المرافق العمومية، والدعوة جهراً إلى اعتناق الإسلام؛ وهو فِعْلٌ يحرِّمه القانون الفرنسي على كل الأديان المُمَثَّلة في فرنسا.

في كتابها «الإسلام محنة فرنسية» L’Islam, une épreuve française تنقل إليزابيت شملة،  Élisabeth Shemla عن مروان محمد، رئيس هذه الجمعية، مقتطفاً من خطاب ألقاه بمسجد مدينة أورلي الواقعة في الضاحية الجنوبية القريبة من باريس، ينتقد فيه الفرنسيون الذين يعارضون أسلمة المجتمع الفرنسي: “مَن يجرؤ على القول إن فرنسا لن تصبح مسلمة بعد ثلاثين أو أربعين سنة؟ لا يحق لأي كان أن يمنعنا من بلوغ ذلك (الهدف) أو أن يسلبنا حقنا بالحلم في مجتمع فرنسي يدين للإسلام؛ لا أحد في فرنسا من حقه أن يمنعنا من تحديد هوية المجتمع الفرنسي الذي نريده”. ومن الغريب أن هذا الخطاب تم تضمينه في شكوى في الثلب قدمها مروان محمد، ضد أحد الصحفيين الذي تجرأ على انتقاده.

اقرأ أيضاً: لماذا يرفض إخوان فرنسا التوقيع على ميثاق القيم الجمهورية؟

الجامعة موطن قدم لليسار الإسلاموي

سنة 2013 نظَّمت جمعية “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا”، بالتعاون مع جمعية “سلام” الناشطة في معهد الدراسات السياسية (مؤسسة أكاديمية) ندوة علمية بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا (مؤسسة أكاديمية) عنوانها “الإسلاموفوبيا في تساؤل”؛ خلال هذه الندوة حرص المنظمون على نشر فكرة مفادها أن معاداة الإسلام في أوروبا تعود إلى رفض الغرب للأقليات الدينية والعرقية.

هذه المقاربة غير صحيحة تاريخياً وعلمياً؛ حيث إن الدين الإسلامي خصّ الأقليات الدينية بوضع أقل شأناً من ذلك المخصص للسكان المسلمين؛ وهو ما يمكننا اليوم معرفته بسهولة، في حين أن الغرب القائم على قيم الحرية والديمقراطية، هذا الغرب الذي يحمّله الإسلامويون وحلفاؤهم مسؤولية معاداة الإسلام والمسلمين، هو ذاته الذي نجده يعامل جميع السكان على قدم المساواة، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية، والدليل على ذلك أن الأقليات المسلمة في الدول الغربية تتمتع بنفس حقوق السكان الأصليين؛ خصوصاً في ما يتعلق بحرية التعبير. ونشير هنا إلى أن هذه الندوة كانت تحت إشراف لجنة علمية يرأسها مروان محمد، الذي تحدثنا عنه سابقاً بصفته رئيس “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا”، وأستاذ جامعي لدى المدرسة التطبيقية للدراسات الاجتماعية العليا (مؤسسة أكاديمية)، وكأن منظمي هذه الندوة أرادوا أن يمنحوا صبغة علمية لطروحات هذه الجمعية القائمة على مناهضة الغرب، واختزال مشكلة الإسلام السياسي في أوروبا في نقطة واحدة؛ وهي الإسلاموفوبيا. ومما يدل على محاولة المنظمين إظهار الجاليات المسلمة في أوروبا في وضع الضحية، ما نقرأه على صفحات كتيِّب تم توزيعه على المشاركين: “أصبحت ‘المسألة الإسلامية’ في قلب جدلٍ متكرر في فرنسا قائم على إعادة النظر في شرعية وجود المسلمين في المجتمع الفرنسي. وتجسَّد هذا الجدل من خلال خطابات متعددة ومتكررة منذ سبعينيات القرن الماضي، تتضمن تمييزاً واضحاً أو ضمنياً ضد المسلمين، ودعوات متواترة لتهميشهم”.

الإخوان المسلمون يؤدلجون مسلمي فرنسا- VOA

تميزت سنوات 2000 بقيام أستاذَين جامعيين فرنسيين متشبعين بالفكر اليساري؛ وهما “فانسون جيسّار” Vincent Geisser مؤلف كتاب «الإسلاموفوبيا الجديدة» La nouvelle islamophobie و”توماس دلتومب” Thomas Deltombe مؤلف كتاب «الإسلام المتَخَيَّل وبناء الإسلاموفوبيا في وسائل الإعلام في فرنسا» (1975-2005)” L’islam imaginaire : la construction médiatique de l’islamophobie en France (1975-2005)، وكلاهما يعمل في المعهد الوطني للبحث العلمي، بمحاولة بناء نظرية تقوم على فكرة مفادها أن العداء الذي يتعرض إليه المسلمون في الغرب يعادل معاداة السامية. كما أنهما عملا على شيطنة والتنديد بكل محاولة تهدف إلى محاربة التطرف الإسلامي.

في كتابه المذكور أعلاه يقوم “فانسون جيسّار” بانتقاد كل من تجرأ على نقد الدين الإسلامي أو المسلمين أو حركات الإسلام السياسي أو جمعيات فرنسية تنتهج خطاباً جمهورياً؛ مثل جمعية “َإس.أو.إس راسيزم” أو شخصيات فرنسية ذات أصول مسلمة، تميزت بخطابها المعتدل، ودفاعها عن مبادئ وقانون الجمهورية؛ مثل “دليل بوبكر” إمام مسجد باريس السابق، و”صهيب بن الشيخ” إمام مسجد مرسيليا السابق، ومقدم برامج تليفزيونية تثقيفية (على القناة الرسمية الثانية) حول الإسلام، و”فضيلة عمارة” وزيرة سابقة ورئيسة جمعية “لسنا عاهرات ولا خاضعات”، ورشيد قاسي، مدير جمعية “فرنسا أكثر” France plus التي تناضل من أجل المساواة في الحقوق واحترام قوانين الجمهورية.

اقرأ أيضاً: جمعية “مسلمي فرنسا”.. ذراع الإخوان المسلمين التي تتحرك بحرية!

ويذهب “فانسون جيسّار” بعيداً في دفاعه عن الجمعيات الإسلاموية، حين يقول إنه يفضِّل استعمال كلمة “إسْلَمِسْتوفوفيا” (Islamistophobie) أي معاداة الفكر الإسلاموي عوضاً عن كلمة “إسلاموفوبيا” (Islamophobie) التي تعني، حسب قوله، معاداة المسلمين فقط.

وينفي هذا الكاتب التأثير الذي تقوم به بعض الجمعيات الإسلاموية ذات النزعة المتشددة في فرنسا على السكان من أصول مسلمة، مُعيباً على كل من “دليل بوبكر” و”صهيب بن الشيخ” دفاعهما عن “المقاربة الأمنية البحتة للسلطات الفرنسية في معالجتها مشكلات الجاليات المسلمة في فرنسا”. كما أنه هاجم محمد سيفاوي، الصحفي الذي يعمل في مجلة “ماريان”، المعروفة بدفاعها عن قيم الجمهورية، متهماً إياه بالعمل لصالح السلطات الجزائرية المعروفة، حسب قوله، بعدائها للمنظمات الإسلامية.

دليل بوبكر إمام مسجد باريس السابق

في نفس هذا السياق يَعتبِر توماس دلتومب أن وسائل الإعلام في فرنسا صنعت تدريجياً “إسلاماً خيالياً” قائماً على شيطنة “الآخر”، والذي لا يمكن أن يكون حسب رأيه إلا المهاجر المسلم. فوفقاً لهذا الأستاذ الجامعي يُفسَّرُ هذا “التجني” الذي تقوم به وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية بلهاثها وراء ربح مزيدٍ من المتابعين لنشاطاتها وبرامجها؛ مما يجعلها تقدم برامج وأخباراً تقوم غالباً على “شيطنة” الإسلام والمسلمين.

ويتهم هذا الباحث وسائل الإعلام الفرنسية بصنع إسلاموفوبيا وطنية تفوق في حدّتها الإسلاموفوبيا التي طوّرها اليمين المتطرف في فرنسا. فالدفاع المستميت لهذا الباحث عن غلاة الإسلام السياسي يدخل في خانة التحالف القائم بين بعض المثقفين من جهةٍ، ودعاة إسلام مهيمن وعنيف ومتغلغل في المجتمعات الغربية من جهةٍ أخرى. إن هذا التحالف أصبح اليوم ظاهراً للعيان على الرغم من محاولة رعاته الترويج لفكرة مفادها أن المسلمين في الغرب يُعامَلون مثل ما كان يُعامَل اليهود في أوروبا في الثلاثينيات والأربعينيات (أثناء الحرب العالمية الثانية) من القرن الماضي.

الخلط بين معاداة المسلمين ومعاداة اليهود وترذيل الخصوم.. اليسار والحركات الإسلاموية في خندق واحد

امتثالاً لما فعلته جمعية “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا”، أدلى أكمل الدين إحسان أوغلو، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، بتصريحٍ في شهر سبتمبر 2010، مفاده أن المسلمين في أوروبا سيصبحون ضحية لنفس المعاملة التي لاقاها اليهود في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

والغريب في الأمر، أن الكثير من الشخصيات السياسية والإعلامية في فرنسا، المعروفة بانتمائها إلى تيارات يسارية، لم تتردد في نشر وترويج مثل هذه الادعاءات الخاطئة. نذكر هنا مثلاً “سيسيل ديفلو”Cécile Duflot، وزيرة وقيادية سابقة في حزب “أوروبا البيئة الخُضْر” التي قارنت بين انتشار الشعور المعادي للمسلمين في المجتمعات الأوروبية الحالية، مع الشعور المعادي لليهود في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

اقرأ أيضاً: إخواني سابق: الإسلاموية تطفلت على حياة الفرنسيين عبر خطاب الضحية

كما يمكننا ذكر “جون لوك ميلونشون” Jean-Luc Mélenchon نائب في البرلمان الفرنسي، وزعيم حزب “فرنسا الأبية”، و”باسكال بونيفاس” Pascal Boniface المدرّس في معهد العلوم السياسية، والمختص في العالم العربي، و”إوليفيي بيزنسونو” Olivier Besancenot مرشح سابق للانتخابات الرئاسية عن حزب “فرنسا الأبية”، وغيرهم من الشخصيات البارزة. في بلجيكا المجاورة يقول “ميكائيل بريفو” Michaël Privot أستاذ جامعي وعضو سابق في تنظيم الإخوان المسلمين: “الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية هما وجهان لعملة واحدة تُسمَّى الغرب ذا الثقافة اليهودية المسيحية”.

بعد هجمات باريس سنة 2015 وفي خضم الجدل الذي رافق هذه الأحداث الإرهابية، شبَّه “جون لوك ميلونشون” زعيم حزب “فرنسا الأبية”، وضع المسلمين في فرنسا بوضع الفرنسيين البروتستانت الذين قضى المئات منهم نحبه بوسط باريس في ذكرى القديس برتولومي (في أوج الحروب الدينية التي عصفت بفرنسا في القرن السادس عشر) يوم 24 أغسطس 1572. كما شبههم بوضع اليهود الأوروبيين الذين اضطُهِدوا على أيادي النازيين خلال الحرب العالمية الثانية.

هجوم مقر شرطة باريس الإرهابي- وكالات

إن مثل هذه المقاربات يمثّل خطراً حقيقياً على المجتمع والدولة؛ حيث أثبتت الدراسات أنه لتوحيد مجموعةٍ ما وتأليبها ضد مجموعة أخرى، يمكن إقناعها بسهولة متناهية بأنها مضطَهَدَة من قِبل المجموعة المنافسة، وتقديمها في وضع الضحية ودفعها إلى الاعتقاد بأن جميع مشكلاتها ومعاناتها ستتوقف بمجرد انفصالها عن بقية المجموعات الأخرى. والنتيجة أن المجموعة “الضحية” تقوم بإقصاء نفسها بنفسها من المجتمع الذي تعيش فيه، وترفض أية محاولة لدمجها من جديد.

إن مثل هذه المقاربات التي تستعملها بعض الجمعيات الإسلاموية في فرنسا بمباركةٍ من بعض التنظيمات اليسارية، هي ذات المقاربات التي تستلهم منها التنظيمات الإرهابية؛ كـ”القاعدة” و”داعش”، وقودها الفكري. والمجتمعات الأوروبية بصدد دفع ثمن تغاضيها لمدةٍ طويلة عن مثل هذه الأفكار الانفصالية التي تهدد وحدتها، وتعيق اندماج المهاجرين في ثقافة البلدان التي يقيمون فيها.

التحالف بين الأيديولوجيات الكليانية “الحمراء والخضراء” في حرم الجامعة الفرنسية

بعد تصريح “فريديرك فيدال”؛ وزيرة الجامعات والتعليم العالي بفرنسا، المندد بتحالف قوى اليسار الفرنسي مع بعض التنظيمات الإسلاموية التي تنخر المجتمع؛ خصوصاً الجامعات في فرنسا، وبعد أن قام زميلها وزير التربية بتأييدها في هذا المجال، ها هي “فاليري بيكراس” Valérie Pécresse رئيسة مقاطعة المنطقة الباريسية التي كانت بدورها وزيرة الجامعات والتعليم العالي في عهد الرئيس ساركوزي، تخرج عن صمتها لتؤكد ما قالته زميلتها الوزيرة الحالية: “إن تحالف قوى اليسار مع التنظيمات الإسلاموية في الجامعات الفرنسية شأن يعلمه الجميع. لقد اكتسبوا قوة متصاعدة، وأصبحت ثقافتهم هي التي تهيمن على حرم المؤسسات الجامعية. فهم يمارسون نوعاً من الرقابة على الفكر، ويمنعون المدرسين من ممارسة مهامهم بكل حرية؛ فمثلاً تحت ضغط هؤلاء تم إلغاء دورة تكوينية موجهة إلى الأئمة كانت ستُعقَد في إحدى الجامعات الباريسية، موضوعها احترام مبادئ الجمهورية وقوانينها كان سيقودها محمد سيفاوي. ولذلك اضطُرِرت كرئيسة لمقاطعة باريس التواصل مع رئيس مؤسسة جامعية أخرى لأطلب منه العمل على ضرورة تنظيم وإنجاح هذه الدورة التكوينية الضرورية لوحدة أمتنا”.

اقرأ أيضًا: إمام مسجد بوردو لـ”كيوبوست”: المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لا يمثل كل مسلمي فرنسا

لهذه الأسباب مجتمعة، نختم بالقول إن اقتراح وزيرة الجامعات والتعليم العالي الحالية والمتمثل في تكوين لجنة تحقيق، تُعهَد إليها مهمة التقصي حول تغلغل الفكر الإسلاموي في الجامعات الفرنسية، بمساعدة وبإيعازٍ من التنظيمات اليسارية، وإلغاء بعض أطروحات شهادة الدكتوراه التي تروِّج لمثل هذه الطروحات الغريبة، يُعتبر اقتراحاً وجيهاً وضرورياً. فمثل هذه المبادرات السياسية والمعرفية كفيلة بتطهير الجامعة الفرنسية من الأيديولوجيات الفاشية التي تنخرها وتشل حركتها منذ عقودٍ خلت. فالجامعة يجب أن تظل منارة للعلم والمعرفة، وأن تبقى على نفس المسافة من جميع المنظومات الفكرية والسياسية.

♦كاتب فرنسي- إيطالي مختص في العلاقات الدولية، يتعاون مع “مركز الشؤون السياسية والخارجية” بباريس.

لقراءة الجزء الأول: اضغط هنا

المصدر: دورية أتلانتيكو

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة