الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

الولايات المتحدة نحو فرض عقوبات على تركيا

كيوبوست

 في تطور جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، أثارت تصريحات مسؤولين لـ”رويترز“، مؤخرًا، الكثير من الجدل في وسائل الإعلام الدولية، حول إمكانية تجميد الولايات المتحدة الأمريكية قريبًا تحضيراتها لإيصال طائرات مقاتلة من طراز “F-35” إلى تركيا؛ فالأمر بحق لم يكن مجرد تصريح عادي، بل ربما هو الإشارة الأقوى والأكثر وضوحًا حتى الآن من واشنطن بأن أنقرة لا يمكنها امتلاك كلٍّ من الطائرة المتقدمة “F-35” ونظام الدفاع الجوي الروسي “S-400″ الذي تسعى تركيا لحيازته، ورفضت الأخيرة عرضًا أمريكيًّا بتلقِّي الـ”باتريوت” عوضًا عنه.

 إنه، وبوضوح، الانتقال من مرحلة التحذير المبهم بـ”العواقب الوخيمة”، كما جاء على لسان تشارلز سامرز، المتحدث باسم البنتاجون، في 8 مارس الماضي، إلى الحديث عن “التجميد” كإجراء فعلي؛ لكنها إشارة لا يقف صداها هنا فقط، بل هناك ما هو أبعد من حيث المغزى، والأسباب والتداعيات، ومن ثَمَّ الخيارات التركية في المقابل.

اقرأ أيضًا: أدلة تؤكد بدء سباق التسلح من جديد بين الولايات المتحدة وروسيا.

هنا، وفي البداية، ينبغي التوضيح أنه لم يتم اتخاذ أي قرار بعد، إلا أن الإصرار التركي المعلن -سواء أكان بنية حقيقية أم بهدف المناورة للضغط على واشنطن- على المضي قدمًا في صفقة الحصول على منظومة صواريخ “S-400” الروسية، ثم إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن منصات الصواريخ “S-400” سيجري نشرها بداية من أكتوبر المقبل. يبدو أنه استدعى رد فعل أمريكي حاسمًا بتأكيد أن الأمر ليس مجرد تهديد أمريكي أو مجرد تصعيد خطابي.

وكتفسير مباشر للرسالة يبدو أن المسؤولين الأمريكيين يخشون على واحدة من أكثر تكنولوجياتهم العسكرية تطورًا وأهمية؛ فتشغيل تركيا المحتمل للمنظومة “S-400” إلى جانب طراز “F-35” يمكن أن يُعَرِّض تكنولوجيا الطائرة الأمريكية الحساسة للخطر؛ إذ قد يسمح للجيش الروسي بدراسة كيفية ظهور مقاتلات الشبح طراز “F-35” على رادارات الدفاع الجوي روسية الصنع، ومن المحتمل أن يسهل اختراق الحاسوب الخاص بها.

لكن مجددًا، فإن هذا ما يبدو فقط من قمة جبل الجليد حول توتر العلاقات بين البلدَين؛ فهناك في الخلفية رسالة أخرى، ويبدو أنها تحذير ضمني لتركيا بعدم جدوى الاستمرار في عزف نغمات سياسية متضاربة؛ فهناك أولًا ما يمكن تسميته محاولة التموضع التركي الاستراتيجي من حليف ذي هوى غربي (كجزء من الناتو، يملك علاقات اقتصادية قوية مع الاتحاد الأوروبي)، إلى حليف ذي ميول نحو روسيا وإيران. وهنا فنحن لا نتحدث فقط عن اعتماد تركيا إلى حد ما على دول مثل روسيا وإيران؛ لتلبية احتياجاتها من الطاقة المحلية والتنسيق في الأمن الإقليمي، وهو ما قد يتبعه تحقيق توازن مفهوم ومقبول في علاقاتها بين دبلوماسيي الشرق والغرب، لكن هناك ما هو أبعد؛ فابتداءً من أغسطس 2016، سَعَت تركيا (الراغبة في إسقاط الأسد) نحو تنسيق مع روسيا وإيران (داعمي الأسد)، بمزيج من الأهداف؛ من بينها محاصرة الأكراد، وتوسيع نفوذها الإقليمي، وتعزيز تجارتها، ومواجهة الطموحات الإقليمية لمنافسيها.

اقرأ أيضًا: عواقب وخيمة في انتظار أردوغان.

ثم هناك بُعد آخر، وهو مواقف تركيا السياسية والعمليات العسكرية في سوريا التي عززت التوترات بين الولايات المتحدة وتركيا؛ خصوصًا فيما يتعلق بقوات سوريا الديمقراطية -التي تدعمها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)- ويبدو أن هذه التوترات آخذة في التصاعد، بقرار الانسحاب الأمريكي وما قد يخلفه من فراغ تستغله تركيا؛ لتوسيع نفوذها في سوريا واستهداف المجموعات الكردية؛ خشية أن تتمتع بالحكم الذاتي على حدودها، بما يعزز من طموحات أكراد الداخل التركي، ولهذا فقد رفضت تركيا الموافقة على طلب من مستشار الأمن القومي جون بولتون؛ لضمان سلامة وحدات حماية الشعب. وفي المقابل كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد قال إنه “سيدمر تركيا اقتصاديًّا“؛ إذا قامت بضرب الأكراد.

ثم هناك، وكجزء من حملة القمع التي قامت بها السلطات التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، احتجاز القس أندرو برونسون (الذي أُطلق سراحه) وعدد من المواطنين الأمريكيين الآخرين (معظمهم من مواطني الولايات المتحدة والأتراك).

وتشير تقارير إلى أن الكونغرس ووزارة الخارجية يحاولان الإفراج عن هؤلاء المحتجزين حاليًّا. وفي المقابل هناك الدعوة التركية التي تتجاهلها الولايات المتحدة بتسليم فتح الله غولن (رجل الدين السابق المقيم في الولايات المتحدة، والذي اتهمته الحكومة التركية بالتورط في محاولة الانقلاب)، وهو ما استخدم من قِبَل الحكومة التركية في حملة من البروباجندا وتصعيد نبرة معاداة الأمريكية Anti-Americanism في الإعلام التركي.

لكن مجددًا، ماذا عن تداعيات تلك الحالة من التوتر المعلن بشقَّيه المباشر وغير المباشر؟ ثم ماذا لو مضت تركيا قدمًا في تحدٍّ للرسالة الأمريكية بالمضي في صفقة منظومة الدفاع الروسي؟

 

بالطبع تملك تركيا مساحة للتراجع؛ فتعنتها السابق في قضية القس الأمريكي دفعت بموجبه خسائر اقتصادية فادحة، ثم ما لبثت أن تراجعت وأفرجت عن الرجل بعد أن أدركت تبعات موقفها. وبالمثل، في السابق، في عام 2013، توصلت تركيا إلى اتفاق مبدئي لشراء نظام دفاع جوي وصاروخي صيني، لكن في عام 2015 عادت وانسحبت من الصفقة، ربما جزئيًّا؛ بسبب المخاوف التي أُعرب عنها داخل حلف شمال الأطلسي، فضلًا عن تردد الصين في تقاسم التكنولوجيا.

اقرأ أيضًا: حرب استعراض القوة بين أمريكا وروسيا.

لكن في حالة المضي قدمًا، فلدى الولايات المتحدة عدد من الخيارات؛ من بينها عقوبات محتملة ضد تركيا بموجب المادة 231 من قانون مكافحة خصوم أمريكا (CAATSA)، وكذلك هناك احتمالية تأثُّر مشاركة تركيا في برنامج تصنيع طائرات (-35 F)، ثم هناك خطر على عمليات نقل الأسلحة الأمريكية المحتملة الأخرى إلى تركيا، وعلى التعاون الصناعي الدفاعي الثنائي الأوسع بين البلدين، ثم هناك إخراج لتركيا من عملية تصنيع الطائرة، وكذلك عودة الحديث عن احتمال أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لإيجاد بديل لقاعدة “Incirlik” ومواقع أخرى في تركيا.

فبينما أشار تقرير نقل عن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية في أغسطس 2018، قوله إن الولايات المتحدة لن تغادر “Incirlik“، تشير بعض الـتكهنات إلى احتمالية أن تكون شرق أوروبا بديلًا، وتشير تقارير أخرى إلى أن الوجود العسكري الأمريكي الموسَّع أو المحتمل توسيعه في اليونان والأردن قد يكون مرتبطًا بمخاوف بشأن تركيا.

 

حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة