الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
الولايات المتحدة لا تزال تخسر الحرب الإعلامية

كيوبوست- ترجمات
إيفانا ستراندر وأنتوني روجيرو♦
أطلقت وزارة الخارجية الروسية، في أواخر يناير الماضي، آخر حملاتها الإعلامية المضللة التي تدَّعي فيها أن موسكو حصلت على أكثر من 20 ألف وثيقة حول برنامج سري للأسلحة البيولوجية. وزعمت الوزارة، في تغريدة على حسابها الرسمي في “تويتر”، أن وزارة الدفاع الأمريكية كانت تعمل على صنع سلاح بيولوجي وتجربته على الأوكرانيين. وقد بلغت مشاهدات هذه التغريدة أكثر من مليونَي مشاهدة. وفي وقت لاحق، روَّجت السفارة الروسية في واشنطن نظرية مؤامرة الكرملين التي تقضي بأن فيروس “كوفيد-19” هو سلاح بيولوجي صنعته الحكومة الأمريكية.
كان كل ذلك جزءاً من سيل من الأخبار المضللة القادمة من موسكو، التي يمكن أن تدفع عبثيتها الواضحة المسؤولين الأمريكيين إلى تجاهلها؛ لكن مثل هذا التراخي سيكون خطأً كبيراً، إذ تكمن المشكلة في هذه الأخبار في أنها تحول الأنظار بعيداً عن حرب الإبادة الجماعية التي تشنها روسيا. وفي الحقيقة فإن أكثر التهم البعيدة عن الحقيقة والتي توجّه ضد الولايات المتحدة يمكن أن تؤخذ على محمل الجد في بعض أنحاء العالم، وبشكل متزايد بين الأمريكيين الذين يستمعون إلى دعاية الإعلاميين الأمريكيين الموالية لروسيا؛ مثل تاكر كارلسون من قناة “فوكس نيوز”.
تاريخ من التضليل الناجح
يظهر التاريخ الطويل لحملات التضليل الروسية والسوفييتية؛ أنها أكثر نجاحاً بكثير مما قد يعتقد المرء في نشر الشكوك حول أفعال ونيَّات الولايات المتحدة. وبالتالي فإن افتقار واشنطن إلى استراتيجية مضادة للتضليل الإعلامي الروسي -بخلاف الرفض الرسمي لمزاعم موسكو- هو أمر خطير للغاية.
اقرأ أيضاً: وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمعلومات المضللة في أوكرانيا
يمكن أن تكون الفبركات الروسية الدعائية متقنة للغاية؛ ففي ديسمبر مثلاً، زعم رئيس قسم الحرب الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية في الجيش الروسي، الجنرال إيغور كيريلوف، أن روسيا اكتشفت عمليات دفن واسعة النطاق لبقايا مواد “بيولوجية” في مدينة ليسيتشانسك الأوكرانية، التي تحتلها روسيا. ووفقاً لكيريلوف، فإن هذا الاكتشاف دفع البنتاغون إلى نقل هذا البرنامج البيولوجي السري من أوكرانيا إلى دول في آسيا الوسطى وأجزاء أخرى من أوروبا الشرقية.
وفي اجتماع لمجلس الأمن الدولي؛ اتهمت روسيا الولايات المتحدة وأوكرانيا بالتخطيط لاستخدام الخفافيش والطيور المهاجرة لنقل مسببات الأمراض. وزعمت روسيا أيضاً أن البنتاغون كان يجمع عينات من دم مرضى “كوفيد-19” الأوكرانيين لتطوير أسلحة بيولوجية موجهة وراثياً إلى العرق السلافي. من الواضح أن الحقائق الواقعية ليست هي ما يهم صانعي الدعاية في الكرملين الذين يديرون عملية معقدة ينسجون من خلالها روايات مضللة، وغير مترابطة في كثير من الأحيان؛ لنشر الشائعات وزرع بذور الشك.

استغلال الأيديولوجيا والتقنية
يدرك عملاء الدعاية، الذي يعملون لحساب بوتين، أن وسائل الإعلام الحكومية الروسية والمسؤولين الروس يفتقرون إلى المصداقية في الغرب؛ ولذلك تركز روسيا على التسلل إلى شبكات اليمين المتطرف الغربية ووسائل الإعلام اليمينية والأحزاب الشعبوية، لنشر دعايتها. ثم تستفيد الدعاية الروسية من الانتشار الواسع لهذه الروايات من دوائر معزولة إلى جماهير أوسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرئيسية.
على سبيل المثال، قامت لجنة العلاقات الخارجية الأمريكية بجلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي؛ تم فيها تأكيد دعم الولايات المتحدة للمعاهد الوبائية في الدول السوفييتية السابقة، وذلك كجزء من اتفاقية نزع السلاح بعد الحرب الباردة التي حوَّلت المعامل العسكرية إلى مؤسسات مدنية للصحة العامة. لكن، عقب الجلسة، قام عدد من القنوات والمنصات اليمينية بنسج هذه المعلومات من خلال عدسة موالية لروسيا؛ ففي قناة “فوكس نيوز” زعم كارلسون أن جلسة الاستماع تلك أكدت أن “المعلومات المضللة الروسية” هي في الواقع صحيحة تماماً، وكذلك غرد دونالد ترامب لجمهوره -البالغ 9.7 مليون شخص- قائلاً: إن قصة الأسلحة البيولوجية تحولت من نظرية مؤامرة إلى حقيقة واقعة.

وقد اتبعت روسيا تكتيكات مماثلة في أوروبا قبل غزو بوتين أوكرانيا؛ حيث نشر الكرملين معلومات مضللة في جميع أنحاء أوروبا عن أسلحة بيولوجية في أوكرانيا للمساعدة في تبرير حربه الوشيكة. وبعد أن نشرت قناة “تليغرام” الروسية، وثائق تظهر أدلة مفترضة على خطط أوكرانية لاستخدام الأسلحة البيولوجية، قامت القنوات والمنظمات الألمانية المؤيدة لروسيا بتضخيم هذه الرواية. وفي نهاية المطاف جذبت المعلومات المضللة شخصيات سياسية؛ إذ طالب ستيفن كوتري، عضو البرلمان الألماني عن حزب البديل لأجل ألمانيا، الموالي لروسيا، بأن يناقش البرلمان “مختبرات الأسلحة البيولوجية في أوكرانيا”. ووجدت دراسة، أُجريت مؤخراً، أن 7% من الألمان يصدقون الدعاية المضللة بشأن الأسلحة البيولوجية.
اقرأ أيضاً: لماذا تتهم ألمانيا “روسيا اليوم” بتشكيل رأي عام في ألمانيا داعم لروسيا؟
مواجهة الدعاية الروسية
تبدأ الخطوة الأولى في مواجهة الدعاية الروسية من خلال شرح الحقيقة للجمهور العالمي. على سبيل المثال، اتهم مندوب الولايات المتحدة روسيا بإخفاء برنامج نشط للأسلحة البيولوجية؛ وهو ما يشكِّل خرقاً واضحاً للاتفاقية، وذلك في المؤتمر الأخير لمراجعة اتفاقية الأسلحة البيولوجية في جنيف. وأشار المندوب الأمريكي أيضاً إلى أن موسكو واصلت برنامجها البيولوجي الذي يعود إلى الحقبة السوفييتية، بدلاً من إيقافه. وهذا ما يوضح الخطوات الأربع في دليل التضليل الروسي: إنكار كل شيء، وإطلاق العنان للروايات الكاذبة، واتهام الآخرين بما تفعله روسيا نفسها، والتكرار. لكن، ولسوء الحظ، ربما سمع عدد كبير من الأوروبيين والأمريكيين رواية التضليل الروسية أكثر مما سمعوا دحض الحكومة الأمريكية.
والخطوة الثانية تتطلب من الولايات المتحدة أن تدخل عالم إعلام القرن الحادي والعشرين؛ حيث لا يزال الكثير من تعاملها مع المعلومات المضللة الروسية يقوم على البيانات الدبلوماسية والتقارير السياسية، بينما انخرطت روسيا في حملة إعلامية ناجحة تكيفت مع وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التواصل العصرية الأخرى. وهنا لا بد للولايات المتحدة من أن ترد. فعلى الرغم من أهمية التقارير الصحفية التي تكشف زيف الأكاذيب الروسية أمام الصحفيين الباحثين؛ فإن هذه التقارير لا تصل إلى قسم كبير من الناس العاديين. بدلاً من ذلك يمكن لحملة أمريكية ذكية -على سبيل المثال- أن تسخر من الكرملين على وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات حادة، وأن تتناول بشكل فكاهي برنامج الأسلحة البيولوجية الروسية.
اقرأ أيضًا: الإرهاب البيولوجي والمتطرفون العنيفون ومكافحة الإرهاب
وأخيراً، لا بد من أن تضع الحكومات الغربية روسيا في موقف دفاعي في مجال المعلومات. فعندما يكون الكرملين في موقف دفاعي؛ فإنه سيستهلك الوقت والطاقة والإمكانات في الدفاع عن نفسه في فضاء المعلومات بدلاً عن مهاجمة الغرب. وعلى سبيل المثال؛ يجب على الولايات المتحدة صياغة طرق جديدة لتضخيم الحقيقة حول برنامج الأسلحة البيولوجية الحالي في روسيا وانتهاكاتها اتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972.
دأبت الحكومات الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة على التردد في استخدام الحملات الإعلامية لمصلحتها في مواجهة خصوم البلاد، وهذا ما أدى إلى توفير مساحة إضافية للدعاية المناهضة للولايات المتحدة. وفي حين أن روايات مثل استخدام الولايات المتحدة الطيور في نشر الأمراض، تبدو غير قابلة للتصديق، فإن صمت واشنطن يعطي مصداقية للروايات التي ينشرها الكرملين. ولا بد للولايات المتحدة من صياغة استراتيجية معلومات للقرن الحادي والعشرين تركز بشكل خاص على أنشطة روسيا وتجعل بوتين يذوق طعم دوائه الذي يصنعه.
إيفانا ستراندر: زميلة أبحاث في مركز باريس للنزاهة الإعلامية، في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
أنتوني روجيرو: المدير الأول لبرنامج منع الانتشار والدفاع البيولوجي، في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.
المصدر: فورين بوليسي