ترجماتشؤون خليجية
الهندسة الاجتماعية: هكذا يعيد النظام التعليمي بناء الإنسان في الإمارات
يسعى القادة الإماراتيون إلى الانتقال إلى “اقتصاد ما بعد النفط”

ترجمة كيو بوست –
“الدروس المستفادة من تجربة الإمارات في الهندسة الاجتماعية شملت آثارًا تتجاوز الإمارات السبع”، هذا ما ذكره الخبير الأمريكي، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعتي جورج واشنطن وجونز هوبكنز، جون بي الترمان.
وقد نشر الترمان مقالته في “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية” الأمريكي، واستند في تفاصيلها إلى حوار أجراه في السابع عشر من مايو/أيار 2018 مع المؤلفة د. كالفرت جونز، أستاذة العلاقات الدولية في جامعة ميريلاند الأمريكية.
أجرت جونز أبحاثًا ميدانية برعاية جامعة ميريلاد، بهدف “دراسة المناهج الجديدة لبناء المواطنين في الشرق الأوسط”. وقد سبق أن أعلنت جونز عن كتابها الجديد بعنوان “إعادة تشكيل المواطنين من أجل العولمة”، من خلال مؤتمر في جامعة كامبردج عام 2017.
تؤكد جونز أن الجهود المبذولة في دولة الإمارات لإعادة صياغة مواطنيها تحقق نتائج مفاجئة، وغير مقصودة. فمن خلال بحثها الميداني على الأراضي الإماراتية، وجدت جونز أن المناهج الدراسية التجريبية تهدف إلى إنتاج مواطنين أكثر عولمة وفاعلية واكتفاء ذاتيًا، في ظل الدعم الحكومي المتواصل.
وكما هو الحال في العديد من دول الخليج الأخرى، فإن الجزء الأكبر من القوى العاملة الوطنية في الإمارات تعمل في القطاع الحكومي، بفضل الثروة النفطية والرعاية الحكومية الجبارة. ولكن، نظرًا للنمو السكاني المتزايد، وتضاؤل الاعتماد على النفط كوقود، يسعى القادة الإماراتيون إلى الانتقال إلى “اقتصاد ما بعد النفط”؛ اقتصاد ينطوي على التنوع والتعدد.
بذلت الإمارات منذ سنوات طوال جهودًا لخلق دولة “حديثة”، ذات قطاع خاص نابض بالحياة، متصل بالأسواق العالمية، لا تعتمد على الاقتصاد التقليدي. ولذلك، شرع القادة الإماراتيون في تنفيذ إستراتيجية خلاقة في مجال الهندسة الاجتماعية، تهدف إلى الحد من الطلب على التوظيف في القطاع العام، بغية تكوين جيل جديد من المواطنين الذين يفكرون بشكل مختلف، يمكن إدراكه في المستقبل القريب.
ينطوي النموذج الإماراتي الجديد لبناء المواطنين على أساليب الهندسة الاجتماعية التقليدية، لكنه يختلف من ناحية الجوهر؛ فمن خلال المذهب الرمزي، والرسائل، والإصلاح التعليمي، تسعى الحكومة إلى صقل مواطنين رياديين جاهزين للعولمة، قادرين على قيادة مشاريعهم الخاصة.
في الحقيقة، تلعب المدارس دورًا مهمًا في هذا الجهد. ففي العقد الأخير، تمكنت سلسلة من الإصلاحات التعليمية الإماراتية من تقليل التعليم التقليدي، الذي ينطوي على الحفظ عن ظهر قلب. وبذلك، حققت الدولة نقلة نوعية في تشجيع التفكير النقدي، والإبداع. كما أدرجت البلاد برامج تفتح مجالات أكثر نحو مزيد من العلوم والرياضيات والقراءة وتعلم اللغة الإنجليزية. كما شملت الإصلاحات تشكيل مفاهيم المواطنة لدى الطلاب.
قيمت جونز في بحثها أهداف القيادة الإماراتية، بالإضافة إلى نتائج منتصف الطريق لمجموعة مبكرة من الإصلاحات. وأجرت دراسة استقصائية صارمة ودقيقة، قارنت فيها اتجاهات الطلبة بين المدارس التقليدية والمدارس الخاضعة للإصلاحات الجديدة عبر مجموعة متنوعة من المجالات.
يرتكز أحد محاور الحملة الإماراتية على الأبعاد الاقتصادية للمواطنة؛ فمن خلال الخوض في تفاصيل الإصلاحات التعليمية، يمكن إدراك السعي نحو خلق شباب يتبنون روح المبادرة، وريادة الأعمال، والأعمال الحرة، والتوظيف في القطاع الخاص، ليس كمصدر رزق فحسب، ولكن أيضًا كوسيلة لتحقيق الذات، وطريقة للإسهام في بناء البلاد.
من الملاحظ كذلك أن النزعة الوطنية هي جزء أساسي آخر من حملة الهندسة الاجتماعية الإماراتية. فمن خلال المناهج، يسعى القادة إلى صقل حب المواطنين للبلاد كمحفز للتضحية الشخصية والمشاركة في دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام. ويجري تعزيز ذلك من خلال زيارات النخب الحاكمة المتكررة إلى مؤسسات القطاع التعليمي، فضلًا عن كلمات التهنئة والثناء المقدمة للطلاب، من أجل تحفيزهم على تحقيق النجاح، بالإضافة إلى إيصال أحدث المعدات التعليمية إلى المدارس. كما تشير جونز في نتائج بحثها إلى أن الحملة نجحت فعلًا في إنتاج جيل فخور، لا سيما أن المناهج لا تعزز حب البلاد من منطلق حوافز اقتصادية، بل من منطلق الطموح في ريادة الأعمال.
وكما تقول جونز، لم تحتوِ الإصلاحات التعليمية على أيّ عناصر سياسية، إلا أنها سعت إلى تعزيز مشاعر الاحترام والتسامح، وزيادة رغبة الطلاب في المشاركة شخصيًا في عملية صنع القرار. وأضافت جونز أن بحثها يشير إلى أن القيادة نجحت في تنمية التسامح والعقلية المدنية، ولا سيما اهتمام الشباب في العمل التطوعي.
النظر إلى ما وراء الإمارات
الدروس المستفادة من تجربة الإمارات في الهندسة الاجتماعية لها آثار تتجاوز الإمارات السبع. إن بناء مواطنين منخرطين في الأمة يعد هدفًا مهمًا لكل دولة ذات اقتصاد عالمي تنافسي مكثف. وفيما يتعلق بدولة الإمارات، تجاوز هذا الانخراط الأبعاد الاقتصادية للمواطنة، وشمل الولاء الوطني والنظرة الكونية الانفتاحية.
المصدر: مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي