الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

الهجرة تجعل العالم يزداد ثراءً.. ولكن هل يمكنها بناء دول مستقرة؟

لقد ازدهرت الولايات المتحدة باعتبارها بوتقة انصهار نموذجية للمهاجرين.. لكنها تواجه الآن مشكلات مجتمع يعاني عدم وجود جذور عميقة

كيوبوست- ترجمات

يمكن القول إن تاريخ البشرية هو قصة هجرة الشعوب؛ فلطالما كانت حركة السكان قوة أساسية للتقدم الاجتماعي حتى عندما كانت مدفوعة بظروف يائسة مثل المجاعة، أو الأوضاع القاسية مثل الغزو. وتشير حركة التاريخ إلى أن القبائل أو الأمم التي ظلت ثابتة ومنعزلة لم تتطوَّر؛ حيث تفتقد الدينامية الضرورية لتشكيل ثقافة ناجحة ومرنة. إن استقبال القادمين الجدد ليس مجرد لفتة إنسانية؛ بل ضرورة لصحة أية أمة… هكذا تستهل جانيت ديلي مقالها في “التلغراف”. وتكمل: مهما كانت هذه الحقيقة واضحة، فإنها تنطوي على توتر ووضع متناقض؛ فالدول، حتى المتطورة منها والحديثة، تتكون من مجتمعات تحافظ على هويتها من خلال الإيمان بالقيم والمواقف المشتركة. هذا التجانس يتعرَّض إلى التهديد بوصول أعداد كبيرة من القادمين الجدد الذين قد تكون لديهم تصورات وتوقعات اجتماعية مختلفة تماماً.

اقرأ أيضًا: طريق الموت.. أكثر من خمسين ألف شخص فقدوا حياتهم أثناء الهجرة

تناقض منطقي

وهنا تنشأ معضلة: العنصر الأكثر احتمالاً لأن يحفِّز التقدم والحيوية في حياة أية أمة؛ خصوصاً تلك التي تعاني شيخوخة السكان، هو ذاته الذي يسبب الخوف والاستياء؛ اللذين، في ظاهرهما، ليسا غير معقولَين. ليس جيداً اتهام أي من هاتين المجموعتَين؛ القادمين الجدد أو المجتمعات التي تعيش بالفعل في الدولة. قد يكون بعض المهاجرين انتهازيين وليسوا ضحايا. وقد يكون السكان المحليون الغاضبون متعصبين، أو قد يكونون خائفين من فقدان تماسكهم وإحساسهم بالهوية. ويجب معالجة كليهما بطريقة صادقة.

هل الولايات المتحدة قصة نجاح عالمي حقاً؟

هل توفر الولايات المتحدة بالفعل حلم “أرض الفرص” لجميع تلك الشعوب المتباينة التي استقرت هناك؟ أم أنها تعاني، في جوهرها، ذلك القلق الوجودي الذي ينبع من انعدام الجذور: الشعور بعدم الانتماء إلى أي مكان، الذي يتسرَّب حتى إلى العلاقات والمخاوف الخاصة؟ تقول الكاتبة: “أتذكَّر أنني شعرت بالذهول عندما واجهت لأول مرة التوقعات الأوروبية للروابط المجتمعية الموروثة. قد يشرح الأصدقاء في إيطاليا أو أيرلندا أن عائلاتهم يمكن أن تتبع أصولها في منطقة، أو حتى قرية، تعود إلى 10 أجيال. لم يرُق لي ضيق الأفق وحالة الرضا عن النفس هذه، ومع ذلك فقد جعلتني أدرك ما هو مفقود في الحياة الأمريكية”.

طرق الهجرة إلى الاتحاد الأوربي- فرونتكس

كان المقصود من الوطنية أن تحل محل الذاكرة الشعبية في تأسيس الهوية. يبدأ كل يوم دراسي بتعهد بالولاء للعلم؛ فهل كونك أمريكياً يجب أن يكون كافياً لتشعر أنك في وطنك؟ هذا الموضوع يطفو من حين لآخر على سطح الثقافة الشعبية الأمريكية. سوبرمان، الذي كان شعاره الأصلي “الحقيقة والعدالة والطريقة الأمريكية”، هو لاجئ من عالم قديم يحتضر يُعيد اختراع نفسه بدافع التفاني في العالم الجديد. لكن البطل الخارق شخص وحيد يجب أن يعيش دون روابط شخصية.

ماذا يخبرنا ذلك عن طبيعة الحالة الأمريكية؟ هل تنبع نوبات الهستيريا الدورية والهوس الذاتي العُصابي، التي تُغلِّف الحياة الأمريكية، من غياب أي فهم حقيقي لما يعنيه الشعور بأنك في وطنك؟ ربما ما نحتاج إليه ليس عالماً كاملاً من الناس الذين لا ينتمون إلى أي مكان؛ بل إلى مجتمعات مستقرة يمكن أن تمنحنا شعوراً بالانتماء دون أن تفقد إحساسها بهويتها.

المصدر: التلغراف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة