الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
النهضة تستقوي بالأجنبي من أجل البقاء في الحكم
الغنوشي يرفض الديمقراطية داخل حزبه ويستهدف معارضيه بالحركة ويطالب القوى الدولية بالتدخل لحماية الديمقراطية التونسية من قيس سعيّد

تونس- فاطمة بدري
أوفد رئيس البرلمان المجمد، ورئيس حركة النهضة؛ راشد الغنوشي، النائبين المجمدين فتحي العيادي عن الحركة، وأسامة الخليفي عن الحزب الحليف للإسلاميين في تونس، والذي يقبع رئيسه في أحد السجون الجزائرية، قلب تونس، إلى فيينا لتمرير رسالة إلى رؤساء برلمانات العالم المجتمعين هناك من أجل ما أسموه “فك الحصار عن البرلمان التونسي”.
خطوة أقدم عليها الغنوشي كشفت من جهة ازدواجية الحركة التي تدعي داخلياً استيعاب الدرس مما حدث في الـ25 من يوليو تموز، وفهم رسائل التونسيين، فيما تتمسك على مستوى خطابها الخارجي باعتبار ما حدث انقلاباً، وتسعى للعودة إلى الوراء. ومن جهةٍ أخرى أكدت أن الحركة التي ترغب في البقاء في السلطة تحت أي ظرف لا تجد حرجاً في استدعاء القوى الأجنبية للتدخل في الشؤون التونسية، فقط من أجل إعادتها للحكم. لكن رهان الحركة على القوى الأجنبية فشل أيضاً بعد أن خسرت البرهان على الداخل شعباً وأحزاباً ومنظمات وطنية، في ظلِّ التقاء القوى الدولية والعربية مع الرئيس التونسي قيس في اعتبار أن مرحلة ما قبل 25 يوليو قد طويت بكل جزئياتها.
اقرأ أيضاً: أحداث تونس في ميزان الاتحاد الإفريقي.. ترجيح ضمني لكفة الرئيس
وقال راشد الغنوشي في تدوينةٍ له على حسابه على موقع فيسبوك إنه “تلقى دعوة من الاتحاد البرلماني الدولي للمشاركة في أشغاله”. وأضاف “نظراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا تم تفويض النائبين أسامة الخليفي وفتحي العيادي لتمثيل رئيس مجلس نواب الشعب في هذا المؤتمر”.
وفي تصريحاتٍ صحفية قال العيادي إنه سيقوم برفقة الخليفي بـ”التعريف بالقضية التونسية، التي تتمحور أساساً حول البرلمان وعودته للعمل، واحترام الدستور”.

نشر النائبان صورهما خلال اليوم الأول من اجتماع رؤساء برلمانات العالم على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحدثوا عن دعوتهما لبرلمانيي العالم للضغط من أجل العودة إلى ما أسموه “الحالة الدستورية”.
مناورة غير محسوبة
وجاءت هذه الخطوة في وقتٍ ادعت فيه حركة النهضة أنها استوعبت رسالة التونسيين، وتحدثت عن مراجعاتٍ كبيرة ستقوم بها داخل الحركة، وتمريرها خطاب مهادن لقيس سعيد، ورد على لسان حتى رئيس الحركة راشد الغنوشي. لكن إعلان الأخير عن إرساله للنائبين إلى العاصمة النمساوية فيينا رغم قرار تجميد البرلمان للاستنجاد بالقوى الدولية للضغط على سعيد للتراجع عن إجراءاته التي قضت بتجميد البرلمان وحل الحكومة، أوضحت أن الحركة كانت بصدد مهادنة التونسيين؛ شعباً ورئاسة، بعد أن أيقنت أنها استنفذت ثقلها الشعبي، ولم يعد بوسعهم الرهان على دعم الشارع التونسي. هذا فضلاً عن رفض كل الأحزاب عدا حزبي ائتلاف الكرامة، وقلب تونس، والمنظمات الوطنية على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل الدخول معها في أي حوار أو أي تحرك.
ولم تتوقف حركة النهضة عن الاستنجاد بالقوى الدولية، منذ إعلان سعيّد عن إجراءاته في الـ25 من يوليو، عبر نداءات بعض قياداتها المستجدية لبعض مسؤولي الدول الكبرى، أو عبر عقود اللوبيينغ التي أبرمتها من أجل الضغط على سعيد.
اقرأ أيضاً: الغنوشي ينطلق في التخلص من معارضيه داخل “النهضة”
فبعد أن دعا في الأيام الأولى التي تلَت أحداث الـ25 من يوليو إلى وقف المساعدات الطبية عن تونس من أجل العودة إلى الوراء، قام القيادي المحسوب على حركة النهضة، رغم ادعاء استقالته، رضوان المصمودي، بدعوة السيناتور الأمريكي كريس ميرفي الذي التقى الرئيس سعيّد خلال منذ أيام في تونس، للتدخل والضغط ليعود البرلمان.
كما أعلن النائب عن حركة النهضة، ماهر مذيوب، الجمعة الثالث من أيلول/سبتمبر الجاري، أنه تقدم بشكوى للجنة حقوق الإنسان للإتحاد البرلماني الدولي حول تجميد وتعليق مهامه في البرلمان.

وتتطلع حركة النهضة لأن تجد محاولاتها المتتالية صدى لدى القوى الدولية، وتمارس نوعاً من الضغط ينتهي بوقف الإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو، وتعيد البرلمان للانعقاد مجدداً. لكن كل المؤشرات تؤكد أن هناك إجماعاً دولياً على أن ما حدث في مرحلة ما قبل 25 يوليو قد طوي بكل تفاصيله، بعد أن عاينوا الدعم الشعبي الكبير لإجراءات سعيّد، وفي ظلِّ الحصيلة الكارثية لسنوات حكم حركة النهضة العشر في تونس على جميع المستويات؛ وخاصة الاقتصادية والتي لا تخفى عن الدول التي تتوجه إليها الحركة بالنداء.
هذا فضلاً عن تصاعد الخلافات داخل الحركة الإسلامية، وتتالي تصريحات قياداتٍ وازنة بالحركة التي تتهم الغنوشي بالدكتاتورية والتفرد بالقرار، ورفضه تكريس مبدأ الديمقراطية دخل الحزب، واستهدافه معارضي البقاء في منصبه حتى آخر حياته، والتي كان آخرها تجميد عضوية القيادي البارز بالحركة عماد الحمامي الذي وصف الغنوشي بـ”الدكتاتور كامل الأوصاف”.
اقرأ أيضاً: استقالات وهمية لقيادات “النهضة” لإنقاذ الحركة من الغرق
وهذه التهم التي تطال الغنوشي تضرب مصداقيته أمام القوى الدولية؛ لأن الغنوشي يشدد في رسائله التي يبعث بها إلى الأطراف الأجنبية على حرصه على الديمقراطية، ويعرب عن مخاوفه من أن يقوم سعيّد بتهديدها. وهذا الموقف يفقد مصداقيته عندما تتابع هذه القوى كيف تتالت تصريحات القيادات التابعة للحركة التي تدين الغنوشي بالدكتاتورية، وعدم تكريسها للديمقراطية داخل الحزب، وعدم احترامه لمبدأ التداول على المناصب، وسعيه للبقاء زعيماً مدى الحياة. وبالتالي، فإن الوضع هذا سيضعف تفاعل هذه القوى مع ندائه بشأن حماية ديمقراطية لا يحترمها أساساً حتى يدعو للدفاع عنها.

إدانة واسعة
وقوبل استقواء حركة النهضة بجهاتٍ أجنبية للتدخل في الشأن الداخلي التونسي بإدانة واسعة من الأحزاب والمنظمات الوطنية والتي كان أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أدان بشدة تحركات الإسلاميين في هذا الاتجاه. حيث وجه الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي خطاباً شديد اللهجة إلى رئيس البرلمان التونسي المجمد، ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، داعياً إياه إلى “عدم الاستهانة بالشعب التونسي”. وقال “أن نختلف فهذا أمر عادي، لكن نناقش هذا الاختلاف داخل تونس، وليس خارجها لأنه في النهاية يبقى شأناً تونسياً داخلياً”.
اقرأ أيضاً:سعيّد يتجه لتخليص وزارة الداخلية من قبضة “النهضة”
الباحث والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي، يرى أن استقواء حركة النهضة بأطرافٍ خارجية يعبر عن وجود حالة من العجز لإدارة الأزمة مشدداً على أن أي محاولة للاستنجاد بقوى أجنبية أمر مرفوض.

وقال الحناشي لـ”كيوبوست”: “إن استقواء أي حزب بالقوى الأجنبية عبر التاريخ المعاصر خدمة لمصالح حزبية أو خدمة لأجنداتٍ خارجية محكوم عليه بالفشل، ويمكننا التوقف عند بالموقف التركي للتأكيد. فرغم الدعم التركي المطلق للإخوان المسلمين، فقد تخلت أنقرة عن مساندتهم، وأغلقت قنواتهم التلفزيونية، وطردت قياداتهم من أراضيها، من أجل إنجاح التقارب مع الجانب المصري.
ولهذا، فإن ما تقوم به قيادات من حركة النهضة، وخاصة رئيسها الغنوشي، يؤكد ما تعيشه الحركة من زلزال ومن تخبط أثر على سلوكها السياسي الذي بلغ عبر الاستنجاد بالقوى الأجنبية، وتحريك لوبيات وتأليب الرأي العام الدولي على الدولة التونسية؛ ردّاً على ما حصل لها من ضررٍ سياسي، على إثر ما أعلن عنه الرئيس قيس سعيّد من قراراتٍ.
والحال أن الضرر الذي تسببت فيه حركة النهضة على امتداد 10 سنوات للدولة التونسية، وللشعب التونسي، هو أكبر بكثير. لكن شأنها سيكون شأن كل من سبقوها ممن لم يترددوا في الاستقواء بالأجنبي ضد بلدانهم سيلعنهم التاريخ”.