الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
النزاعات العرقية في السودان.. بصمة عار في جبين الإخوان
حرصت الجماعة على إحياء النزعات القبلية وكانت تمارس اللعب بهذه الورقة لاستخدامها وقت الأزمات

كيوبوست- عبد الجليل سليمان
لم تأتِ الاتهامات التي وجهتها قوى إعلان الحرية والتغيير، لجماعة الإخوان المسلمين “حزب المؤتمر الوطني”، وأطراف من المكون العسكري الحاكم حالياً، بتأجيج النزاعات العنصرية، واللعب بورقة القبليَّة من أجلِ العودة إلى سدة الحكم، من فراغ، فالمراقب للأوضاع الماثلة في السودان يرى بوضوحٍ تام ذلك السعي المحموم والمُخطط له نحو إحياء النعرة القبلية وإثارة القلاقل والاضطرابات، واستغلالها بهدف إطاحة العملية الانتقالية، وتهيئة الملعب لإحداث انقلابٍ عسكري، أو الدعوة إلى انتخابات مبكرة، من أجل استعادة النظام السابق مُجدداً.
اقرأ أيضاً: التيار الإسلامي العريض.. هل تحالفت المؤسسة العسكرية السودانية مع الإخوان؟
هذا صحيحٌ إلى حدٍ كبير، وفقاً للكثير من المؤشرات والمعطيات، لكن الصحيح أيضاً أن معظم الأحزاب السياسية وما تُسمّى بحركات الكفاح المسلّح تُمارس ذات الأمر بشكلٍ علني، فالقبيلة تُشكّل قوام الحركات التي وقعّت على اتفاقية جوبا للسلام 3 أكتوبر، 2020، وقد ظلّت حاضرة بشكلٍ أو آخر في السياسة السودانية منذ نيل البلاد استقلالها 1956.
بطبيعةِ الحال، لم تشرع جماعة الإخوان في إحياء النزعات القبلية بعد فقدانها السلطة 2019، بل كانت تمارس اللعب بهذه الورقة منذ أن كانت تحكم البلاد، بيد أن التناقض والتناحر القبلي الذي كرسّه النظام السابق، عاد وبالاً عليه، حيثُ أسهم في إسقاطه من خلال إضعاف مؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات المسلحة السودانية التي وجدت نفسها أمام جيش موازٍ (قوات الدعم السريع) التي تشارك في الحكم الآن؛ وهي في الأساس عبارة عن ميليشيا قبلية أنشأها النظام السابق للتصدي للحركات المتمردة في دافور القائمة على أساس قبلي أيضاً.

لا أستثني منكم أحداً
بالنسبة للباحث والمحلل السياسي عمر حسنين، فإن ما يحدث الآن من نزاعٍ قبلي مستمر ومستفحل في شرق وجنوب شرق السودان، ناتجٌ بامتياز عن استخدام القبيلة في الصراع السياسي، ويشير حسنين في حديثه لـ”كيوبوست” إلى أن نظام عمر البشير كان يراعي التوازن القبلي في أي تشكيلٍ حكومي أو تغييرٍ وزاري، مُطيحاً بمبادئ الكفاءة والتأهيل، ولأعوامٍ كثيرة ظلَّت بعض الوزرات والمناصب العليا في الدولة حكراً على مجموعاتٍ قبلية محددة، وبالتالي أصبحت القبائلُ ممثلة في زعمائها؛ أحزاباً سياسية وأدوات جاهزة للاستخدام في أي صراعٍ سياسي، لمن يبذل العطايا والأموال.

يضيف حسنين، بعد إطاحة نظام البشير، استبشر السودانيون خيراً، وأن الثورة ستحمل قيماً حداثية ومدنية ستجبر القبلية على التقهقر والتواري، لكن حدث العكس تماماً حيث اشتعلت البلاد -على طولها وعرضها- بالنزاعات القبلية، واستعرت نيران العنصرية بشكلٍ أصبح يمثّل مُهدداً وجودياً للدولة نفسها.
فمنذ استجابة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك إلى الصوت القبلي، وإصداره قراراً بإقالة والي كسلا صالح عمار في أكتوبر 2020، تحت ضغطٍ قادَهُ زعيم قبيلة الهدندوة، محمد الأمين ترك، على أسسٍ قبلية اشتعل شرق السودان في نزاعٍ عنصري، راح ضحيته عشرات القتلى والجرحى، وهذا ما حدَث مؤخراً في إقليم النيل الأزرق، جنوب شرق البلاد، بين قبائل الفونج وقبيلة الهوسا، والتي راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى والنازحين، فيما بدَت بصماتُ النظام السابق والحالي، والحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحكم الإقليم حالياً، واضحةً في تأجيج الصراع.
اقرأ أيضاً: “الأصالة والتنمية”.. ذراع سياسية جديدة لجماعة الإخوان في السودان

مشكلة سياسية
يُحمّل المحلل السياسي والكاتب الصحفي، فتحي عثمان، جماعة الإخوان ممثلة في الحزب الحاكم السابق، المؤتمر الوطني، المسؤولية الرئيسة فيما يحدث الآن من نزاعاتٍ قبلية، وإن كانت جذورها تاريخية، وأن جميع الأحزاب السياسية والحكومات السودانية المتعاقبة استخدمتها، وتوسلت بها، في سبيل الوصول إلى السلطة.

إلا أنّ عثمان يشدِّد، في إفادته لـ”كيوبوست”، على أن المشكلة الأساسية في السودان هي مشكلة سياسية وليست قبلية، فما تزال الحكومات والقوى السياسية والمجتمع المدني عاجزة ومغلولة الأيدي في وضع قوانين صارمة تُجرّم العنصرية والقبلية، وتحظر زعماء القبائل عن ممارسة السياسية ضمن الأُطر القبلية، كما أن مرتكبي الجرائم العنصرية والمحرضين عليها لا يحاسبهم أحد، بل تتم رشوتهم بمناصب حكومية رفيعة أو أموال من أجل إسكاتهم أو التودد إليهم، وهذا ما حدث في كل النزاعات القبلية، في كل الأقاليم السودانية، بدءاً من دارفور إلى شرق السودان إلى النيل الأزرق حالياً، الأمر الذي يشجع آخرين إلى الانخراط في هذا السياق لتحقيق مكاسب شخصية بأقل جهد ممكن.
لا شك في أن النشاط السياسي في السودان صار مرتبطاً بالجهوية والقبلية، ومُكرسٌ لها، وأصبح -بهذه الصيغة- نشاطاً هداماً وغير مُنتج، حسب عثمان، وهذا ما يفسِّر الأوضاع المزرية التي نعيشها الآن، فبعد أن أنجز الشعب السوداني ثورة عظيمة ما تزال البلاد، ولثلاثة أعوامٍ متتالية، عالقة في الدماء والعصبيات والفشل، وهذا بالضبط ما ظلَّ يحدث منذ الاستقلال، كل يوم يأتي بأسوأ من سابقه.
اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في السودان يعيقون التسوية السياسية ويهددون أمن البلاد والعباد
عجز وشلل
يضيف محدثنا: بطبيعةِ الحال، وإن بدا رأيي صادماً، لكن ما انفك السودان يعاني فقراً فكرياً ومعرفياً على المستويين السياسي والثقافي، وحالة من قلة الكسب في هذين المضمارين الحيويين، كما يعاني عجزاً أشبه بالشلل فيما يتعلق بالقدرة على الحفاظ على حالةٍ من الاستقرار السياسي والاقتصادي لسنواتٍ طويلة، حيث تتم الإطاحة بكل المكتسبات على قلتها، ما إن يتغير النظام السياسي، ويتم التوسل إلى ذلك من خلال بثِّ روح التشاحن والبغضاء بين مكوناته العرقية، دون أن يقابل ذلك تصدٍ فكريٌّ ثقافي ومعرفي، فالمؤسساتُ الأكاديمية والأحزاب السياسية والحركات الثورية المسلحة لا تنتج مفكرين ومخططين، وإنما تنتج سياسيين بالحد الأدنى من المعرفة والذكاء والوطنية.