الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية في الجزائر تعرِّي الإسلاميين
بعد تهافت على المشاركة في الانتخابات البرلمانية التي عرفتها البلاد في 12 يونيو الماضي.. سارع إخوان الجزائر إلى اتهام السلطات بتزوير النتائج في انقلاب مفاجئ

الجزائر- علي ياحي
لم تمر دقائق على انتهاء عملية الاقتراع وغلق مكاتب التصويت، حتى خرج أكبر حزب إسلامي محسوب على الإخوان، حركة مجتمع السلم، بتصريحات تطعن في العملية الانتخابية؛ حيث ذكرت الحركة، في بيان، أنها “تصدرت نتائج الانتخابات في أغلب المحافظات وفي الخارج، غير أن هناك ممارسات لتغيير النتائج لصالح أحزاب أخرى؛ وهي ممارسات سبق أن شهدتها الانتخابات في الجزائر، لكن في فترة المنظومة السياسية السابقة”.
ودعت الحركةُ الرئيسَ عبدالمجيد تبون، إلى التدخل لـ”حماية الإرادة الشعبية، ودرء التزوير الذي كثيراً ما اشتكت منه الأحزاب في الجزائر”، وحذرت من أن تكون لهذه الممارسات عواقب سيئة على البلاد ومستقبل العملية السياسية والانتخابية.

وأحدث بيان الإخوان استياءً وغضباً شديدَين لدى الحكومة والشارع على حد سواء؛ إذ “انتفضت” السلطة المستقلة للانتخابات، وردت ببيان “شديد اللهجة”، وقالت إن التصريحات والبيانات التي تصدر عن بعض الجهات التي ألفَت مثل هذه الممارسات لا أساس لها من الصدق؛ وهي تمس التزام السلطة المستقلة ونزاهتها التي يشهد لها في الداخل والخارج.
اقرأ أيضاً: نتائج انتخابات الجزائر.. عودة قوية للأحزاب الوطنية وانتكاسة للإخوان
ويبدو أن اللجنة المستقلة للانتخابات قامت “خفية” بعملية تقليم أظافر “الحركة الإخوانية”؛ حيث نظم رئيس حركة مجتمع السلم، عبدالرزاق مقري، ندوة صحفية لتقييم نتائج العملية الانتخابية في الظاهر؛ لكن في باطنها قام بتقديم اعتذارات للسلطة أمام الجزائريين، وقال إن رئيس الجمهورية بريء من التجاوزات الخطيرة التي حدثت خلال العملية الانتخابية، موضحاً أنه “لا يتهم رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، بما حدث؛ لأنه لا يملك الأدوات الكفيلة بالمراقبة الكاملة للعملية الانتخابية”.

وبعد عودة أكبر أحزاب “الإخوان” إلى جادة الصواب، “ثار” الرقم الثاني في ذات التيار ممثلاً في حركة البناء، وراح يلوِّح بورقة “التزوير” مرة أخرى، بعد أن ادعى رئيسها عبدالقادر بن قرينة، “امتلاكه أدلة على تزوير الانتخابات التشريعية الأخيرة في البلاد”، وقال: “سنتوجه إلى محمد شرفي، رئيس السلطة المستقلة للانتخابات؛ لتقديم ما لدينا من دلائل تزوير في التشريعيات”، مؤكداً في ندوة صحفية أن حركته “تضم صوتها إلى جميع القوى السياسية، حول طعنها وقولها إن تزويراً طال النتائج”، وطالب رئيس الهيئة للانتخابات بضرورة فتح تحقيق محايد.
اقرأ أيضاً: استخدام الإخوان للدين في السياسة يغضب الجزائريين.. وتبون يشدد “لا عودة لإسلاموية التسعينيات”
ألاعيب إخوانية

وفي السياق ذاته، أشار الباحث في الشؤون المغاربية سعيد هادف، في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، إلى أن الإسلاميين يريدون السلطة بأي شكل من الأشكال، وفي الجزائر لم يحدث أن تخلفوا عن المشاركة في الاستحقاقات منذ الانفتاح الديمقراطي، وحتى بعد ما سُمي بتوقيف المسار الديمقراطي في تسعينيات القرن الماضي، ظل الإسلاميون؛ لا سيما الإخوان، مثابرين على المشاركة في الانتخابات وشركاء في الحكم؛ سواء على مستوى السلطة التشريعية أو على مستوى السلطتَين معاً التشريعية والتنفيذية، وقد حدث هذا مع حركة مجتمع السلم، تحت ظل جميع قياداتها؛ من الراحل محفوظ نحناح، إلى عبدالرزاق مقري، مروراً بـ”أبو جرة سلطاني”، وأيضاً حدث مع حركة النهضة تحت قيادة لحبيب آدمي، في بداية حكم بوتفليقة.. “الإسلاميون كانوا حاضرين في الانتخابات على الدوام، يحدث أن تشارك كل الأحزاب الإسلامية، ويحدث أن يشارك بعضها ويقاطع البعض الآخر؛ لكن لم يحدث قط أن أجمعوا على المقاطعة”.

ويواصل هادف موضحاً أن الإسلام السياسي؛ لا سيما الإخواني، حريص على خوض الاستحقاقات؛ لأنها الطريق المتاح إلى السلطة، أما عدم ثقتهم في نتائج الاقتراع واتهامهم السلطة بالتزوير، فهذا يترجم أزمة الشرعية والحياة السياسية في الجزائر، وأبرز أنه في بلد كالجزائر الكل يطعن في شرعية الكل؛ سواء بشكل صريح أو بالتلميح، لكن مسارعة الإخوان إلى تهمة التزوير هي مجرد تكتيك يهدف من ورائه إلى كسب تعاطف الرأي العام من جهة، وتوجيه رسالة تهديد بالعودة إلى الشارع إذا لم يكونوا شركاء في الحكم من جهة ثانية؛ لا سيما أنهم يدركون حاجة الدولة إلى الدور الذي يمكنهم أن يضطلعوا به في هذه المرحلة الحرجة.
اقرأ أيضاً: الجزائر.. خلفيات تصنيف حركتي “رشاد” و”الماك” على قائمة الإرهاب
بالمقابل، نفى عضو مجلس الأمة عبدالوهاب بن زعيم، في تصريحات إعلامية، وجود أية عمليات تزوير في الانتخابات، وأوضح أن الانتخابات شهدت مراقبة صارمة، كما أن هناك عقوبات قاسية لكل شخص يثبت تدخله بطريقة أو بأخرى في عمليات تزوير تصل عقوبتها حتى 20 سنة مع النفاذ، مشيراً إلى أن التصريحات بوجود تزوير هي ابتزازات مسبقة لنيل مناصب في الحكومة الجديدة، وأن الجميع يعلم أن الخيارات المطروحة كلها بيد رئيس الجمهورية، حسب الدستور، وأضاف أنها اتهامات وتصريحات إعلامية لا غير، دون أي دليل مادي، مشدداً على ضرورة احترام مؤسسات الجمهورية واحترام القانون والكف عن التصريحات السياسية التي تمس نزاهة العملية الانتخابية.

من جانبه، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، بريك الله حبيب، في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، أن ممثلي الإخوان في الجزائر دائماً ما يخرجون بمواقف مغايرة لمواقفهم السابقة عند كل مناسبة سياسية، وهذه سمة أصبح الجميع يعرفها ملتصقة بهذه الأحزاب التي تغازل السلطة والنظام؛ من أجل حصد أكبر عدد ممكن من المنافع، وما وقع في الانتخابات التشريعية الحالية دلالة واضحة على تبدل المواقف بين رمشة عين وأخرى، وقال: إن الثبات على المواقف صفة لا يتقنها إلا الأقوياء الذين لا يسعون من وراء نضالهم سوى لتحقيق المصلحة العامة قبل المصالح الشخصية والذاتية، وقد رأينا الكثير من الأحزاب الفاعلة في البلاد لم تحصل على مقعد واحد في 58 محافظة، ولم تصف النظام بالتزوير وسرقة الأصوات.
اقرأ أيضاً: تحذيرات من اختراق الحزب الإسلامي المحظور للحراك الجزائري
ويواصل حبيب بأن رؤساء بعض هذه الأحزاب المعروفة بانتمائها إلى تنظيم الإخوان، أعربوا في تصريحاتهم، أيام الحملة الانتخابية، عن سعادتهم الغامرة لتصريحات رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون، التي أشار فيها إلى العلاقات الجيدة مع تركيا؛ بل منهم مَن وصف الانتخابات التشريعية الحالية قبل موعدها بالنزيهة، وكل هذا من أجل كسب ثقة السلطة والنظام.