الواجهة الرئيسيةترجماتتكنولوجيا

الميتافيرس والنزعة الذكورية السامة: عاصفة تتشكل في الأفق

كيوبوست- ترجمات

إسحق كفير

إدراكًا منها أنها لا تجذب مستخدمين أصغر سنًا، دفعت التغييرات التي طرأت على نظام التشغيل آي أو إس الخاص بشركة أبل، وزيادة اهتمام صناع السياسات، ورغبة منها في توسيع دائرة الاتصال، إلى قيام شركة فيسبوك، التي تعمل تحت شركة ميتا الأم الجديدة، بالبحث عن طرق مبتكرة لاستخدام منصاتها وخدماتها للحفاظ على هيمنتها على وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا وتوسيعها. أحد الحلول هو الاستثمار فيما بات يعرف باسم “ميتافيرس”؛ وهو مصطلح واسع صاغه نيل ستيفنسون في روايته الديستوبية “تحطم الثلج” (Snow Crush) التي تصور عالمًا رأسماليًا فوضويًا يعيش فيه الناس في العالم الواقعي والواقع الافتراضي في الوقت ذاته. تنبع الحاجة إلى وجود تكافلي من بشاعة العالم المادي، والاعتماد على عالم الإنترنت للخدمات والترفيه والعمل.

من منظور تجاري، الميتافيرس هو عملية تطورية، تهدف إلى تزويد المستخدمين بتجارب وطرق جديدة للتفاعل عبر الإنترنت، من خلال تقنيات مثل الواقع المعزز، والواقع الافتراضي. وفي الوقت الراهن، فإن الميتافيرس هو عالم لا مركزي يعتمد على الأجهزة والبرمجيات، التي لا يزال معظمها في مراحله الأولى. مثل هذا الوضع يعني أن المستثمرين الأوائل لديهم فرصة هائلة لتشكيل هذا المجال بطريقةٍ تتفق مع مصالحهم وأفكارهم.

اقرأ أيضًا: كيف تنظر إلى “فيسبوك”؟

بناء العالم الذي ترغب فيه

تزامنية الميتافيرس تعني أن هدفه إعطاء “كل فرد يأتي إلى الميتافيرس الأدوات اللازمة للسيطرة على تجربته الخاصة”. من الناحية النظرية، فإن الميتافيرس فكرة رائعة، تفتح عالمًا من الاحتمالات الإيجابية، ولكنها تثير أيضًا احتمالات أن يتطلع الأفراد إلى بناء عالمهم الثقافي والعرقي كما يتصورون أو يريدون. إحدى سمات هذه العوالم الافتراضية هي أنها تتطلع إلى تمكين “الرجال من أن يكونوا رجالًا”، خالية من الأفكار التي يدّعي السيناتور جوش هاولي أنها تضعف الرجولة، وتدفع الرجال إلى العالم الافتراضي، حيث يمكن للرجال تبني “الفضائل الذكورية التقليدية: أشياء مثل الشجاعة والاستقلالية والحزم”. وبالتالي، فإن أحد مخاطر الميتافيرس هو أن المتطرفين اليمينيين قد يستخدمون مثل هذا المجال كساحة اختبار لأفكارهم، وفي بعض الحالات القصوى، لصقل قدراتهم البدنية، وهو ما تفعله العصابات (عنف العصابات الذي تسهله التكنولوجيا) وجماعات مثل تنظيم داعش بالألعاب التي يكون فيها اللاعب هو القناص.

عند التفكير في الميتافيرس، والحاجة إلى شكلٍ من أشكال التنظيم، من المفيد التذكير بأن وسائل التواصل الاجتماعي بدأت دون أي تنظيم جوهري، الأمر الذي مكّن المتطرفين من استخدام هذه المنصات للترويج لرسائلهم. وعلاوة على ذلك، فإن الطبيعة اللامركزية لوسائل التواصل الاجتماعي والمنظومة التي أفرزتها تمكِّن المتطرفين -سواء كانوا من دُعاة تفوق البيض أو السلفيين الجهاديين أو غيرهم من المتطرفين- من العمل بحرية أكبر، لأن المنصات خلاقة ومبتكرة.

منصة “فيسبوك”

أوجه الشبه مع عالم الألعاب

النظر إلى الظواهر المتزايدة للسلوك المعادي للمجتمع في الألعاب عبر الإنترنت مفيد أيضًا عند التفكير في مخاطر الميتافيرس لأنه -كما يظهر المسح السنوي لرابطة مكافحة التشهير حول تجربة المستخدمين- تزداد المضايقات بين اللاعبين البالغين سنويًا.

تمثل منصات الألعاب عبر الإنترنت مثل فورت نايت، وماين كرافت، وأكسي انفينتي، على سبيل المثال لا الحصر، جوانب من الميتافيرس الناشئ. هذه المنصات تراعي رغبات واحتياجات مستخدميها الذين يطلبون بشكل متزايد المزيد من المشاركات التفاعلية، وهذا هو السبب الذي يجعل منصات الألعاب تبحث باستمرار عن طرق لتعزيز تجارب المستخدمين.

لعبة “فورت نايت”

تتيح لعبة فورت نايت، على سبيل المثال، خاصية تسمح للاعبين بإنشاء الجزر الخاصة بهم، الأمر الذي يشعر أيضًا المستخدمين بالمزيد من “ملكية” اللعبة. ظهرت قضية مماثلة مع لعبة روبلوكس في أوائل عام 2010 عندما أنشأ المستخدمون مساحات تعكس الأفكار الفاشية أو النازية. وقد سعت روبلوكس إلى منع هذا الاستخدام، وإزالة إمكانية استخدام نسق الهجمات الإرهابية التي وقعت في كرايستشيرش في اللعب.

منظومة متكاملة

تقدم منصات مثل سكند لايف، وديسنترلاند، وساندبوكس لمحة عما يطمح الميتافيرس إلى تحقيقه. لقد بدأت بعض هذه كألعابٍ عبر الإنترنت، ولكنها توفر الآن منظومة كاملة يمكن فيه للأشخاص، الذين يعملون من خلال الصور الرمزية، شراء العقارات الرقمية أو استئجارها، وحضور النوادي الافتراضية والمعارض، وأكثر من ذلك.

في هذه المساحات، لا يتمكن الأفراد فقط من بناء والعيش في عوالم تعكس اهتماماتهم، وشغفهم، ورغباتهم من دون أي نظام “تنظيمي موضوعي”، بل يمكنهم تمثيل أنفسهم أيضًا كأشخاص خارقين من خلال أفاتار (مصطلح أشاعه ستيفنسون في رواية «تحطم الثلج» الذي تعود أصوله إلى اللغة السنسكريتية ليعني التجسد، وإن كان من الناحية الدينية يشير إلى “فيشنو” الذي يعني الإله الأعلى أو الحقيقة العليا في الهندوسية الفيشنوية).

اقرأ أيضاً: منصة فيسبوك من التنصّل إلى المسؤولية

المثالية السيبرانية والمتطرفين اليمينيين

تلاقي بعض جوانب من الميتافيرس، كما شرح ستيفنسون، صدى لدى العديد من المتطرفين اليمينيين، لا سيما داخل الرجعيين الجدد من أمثال كورتيس يارفين، ونيك لاند، وبيتر تيل، وباتري فريدمان، ومجتمع العزوبية غير الطوعية. ويدعو أعضاء هذه الحركات، ومؤيدوها ومنتسبوها ومفكروها، إلى شكلٍ من أشكال المثالية السيبرانية التي تعترف بإمكانات الرأسمالية الفوضوية والنزعة الذكورية السامة. عندما يتم غرس أفكار “الرجعية الجديدة” و”التسريعية” في ثقافة العصر التي تعج بشتى أشكال التطرف، يتطلع هؤلاء الأفراد إلى بناء نظام عالمي جديد، نظام يعكس قيمهم واهتماماتهم، ويرفض الحركة النسائية والهجرة والعولمة وجميع القوى المسؤولة عما يعتقدون أنه الاعتداء المستمر على الرجولة. يتم استكشاف هذه الأفكار واختبارها على الهامش (بما في ذلك في منصات الألعاب السائدة عبر الإنترنت) لأنها لا تملك طريقة لاختبار أفكارهم بشكل صحيح، ولكن مع الميتافيرس، يمكن أن تتغير الأمور.

الخلاصة

يتطلب البناء السليم للميتافيرس التفكير فيما وراء العالم الأنجلوسكسوني، الناطق باللغة الإنجليزية، وهو أمر نادرًا ما يأخذه فيسبوك في الاعتبار، على الرغم من أنه أصبح محوريًا للعديد من الدول. تكشف ملفات فيسبوك المسربة أن كم المواد الضارة الموجودة على الإنترنت واسعة النطاق، ما يتطلب وجود هيئة تنظيمية لمعالجة خطاب الكراهية باللغات الهندية، والأورومو، والبنغالية، والعربية، والبورمية، إلخ. الأمر الذي يزيد من سوء الافتقار إلى الحماية التنظيمية وجود شهية نهمة لدى شركات التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي لتوفير قدر أكبر من الوصول إلى الإنترنت من خلال مبادرات مثل جوجل لون وجوجل فايبر، في حين تفكر أمازون وفيسبوك إلى أقمارهما الصناعية المنخفضة المدار الأرضي كوسيلة لتوسيع نطاق الاتصال بالإنترنت.

شاهد: فيديوغراف: لماذا يتردد “فيسبوك” في وقف الاستقطاب عبر منصته؟

الضجة المثارة بشأن الميتافيرس هي سبب اختيار فيسبوك استثمار 10 مليارات دولار في هذا الفضاء، وأقل على الهيئات التنظيمية، التي هي حاليًا أقرب إلى فيلم “برية الغرب المتوحش”. وفي هذا الصدد، يجادل عمالقة التكنولوجيا بأن وضع الكثير من القواعد يثني الأفراد عن الاشتراك في المنصات، وهو ما كان عليه الحال في عام 2005 عندما لم يكن هناك نظام تنظيمي لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي والآثار السلبية التي كان لها على حياة الناس.

الميتافيرس قادم، وتبحث شركات التكنولوجيا والمفكرون المبتكرون عن طرق لسد قيود الأجهزة والبرامج، ولهذا السبب نحتاج إلى التأكد من أنه إذا أردنا جني فوائد هذا العالم الجديد، يجب علينا التفكير في لوائح تنظيمية للمساعدة في منع استغلال هذا الفضاء من قبل المتطرفين.

عضو المجلس الاستشاري، المعهد الدولي للعدالة وسيادة القانون، وأستاذ مساعد في جامعة تشارلز ستورت

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة