الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون خليجيةشؤون عربية

الموسيقى في المدارس السعودية… خطوة على درب التنوير

الرئيس التنفيذي المكلف لهيئة الموسيقى، سلطان البازعي، لـ"كيوبوست": إدراج الموسيقى في المناهج المدرسية قد يبدو صعباً لكنه ليس مستحيلاً

كيوبوست

تستعد المملكة العربية السعودية لإدخال الموسيقى ضمن المواد الدراسية لطلاب المدارس من العام الدراسي المقبل، في خطوة يُنظر إليها باهتمامٍ شديد، في ظلِّ اهتمام المملكة بإدخال مناهج جديدة كالفلسفة، وتعديل المناهج الدراسية لتتضمن أوقاتاً أكبر للمواد الفنية.

وتشكِّل الخطوة نقلة نوعية مهمة مع إعلاء شأن الموسيقى في السعودية، بعد سنوات من سيطرة تيار متشدد كان يحرِّم الاستماع إليها، وإطلاق برامج ابتعاث للأكاديميات الموسيقية حول العالم، بالتزامن مع استضافة المملكة لحفلاتٍ غنائية وموسيقية من مختلف أنحاء العالم بمواقع عديدة داخل أنحاء المملكة.

يقر الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية، الرئيس التنفيذي المكلف لهيئة الموسيقى، سلطان البازعي، في حديث خاص إللي كيوبوست بصعوبة الأمر، لكن في الوقت نفسه يؤكد أنه مع العزيمة والإصرار لا يوجد مستحيل، خاصة وأن هناك قراراً واضحاً وصريحاً بإدراج الفنون بمختلف أنشطتها في المدارس، مشيراً إلى أن عدد المدارس بالمملكة يصل إلى 23 ألف مدرسة، الأمر الذي يحتاج لإعدادٍ وتخطيطٍ بدقة من ناحية تأهيل المدرسين، وإعداد المناهج، ويتم العمل بين وزارتي التعليم والثقافة، بالإضافة إلى تجهيز الأماكن المخصصة لتكون غرفاً للموسيقى داخل المدارس.

اقرأ أيضًا: السعودية: المناهج الدراسية ترتدي حلّة جديدة لنبذ التطرف

سلطان البازعي

وأوضح أن مسألة تدريس الموسيقي ستستغرق بعض الوقت من أجل إعداد المدرسين، وتوفير المناخ المناسبة لدراستها، وسيكون الاعتماد فيها على خريجي الجامعات السعودية والأكاديميات الموسيقية المختلفة بالمملكة، بالإضافة إلى المبتعثين الذين سيكونون من العناصر المهمة بهذا الملف، وأضاف أنه تم إطلاق مواد إثرائية موسيقية للطلاب قبل 6 أشهر عبر منصة مدرستي لتساعد على تذوق الموسيقى، وتعريف الأطفال بها، وهناك دروس متاحة عبر هذه المنصة التعليمية في الموسيقى، مشيراً إلى أنهم توصلوا إلى قرارٍ شبه واضح بالبدء في تدريس الموسيقى بالمراحل التعليمية الأولى على أن ينتقل تدريجياً للمرحلة المتوسطة ثم الثانوية.

علاقة مرتبكة

علاقة السعوديين بالموسيقى ظلَّت لعقودٍ مربكة، ومرتبكة، بحسب الصحافي والناقد السعودي سعد المحارب الذي يقول لـ”كيوبوست” إن الموسيقى جزء ثابت في حياة السعوديين، ولها تراث عميق ومتنوع يشهد لذلك.

وفي المقابل فهي متهمة، وممارسوها والمستمعون لها متهمون، في خطابٍ اجتماعي سائد -آنذاك- ومستند إلى أحد الآراء الجدلية الفقهية حيال حكمها، مما ترك الموسيقى اليوم، دون غيرها من المجالات الثقافية، تتميز بتناقضٍ فريد، إذ تجمع عراقة الممارسة وحداثة الاعتراف، بعدما بقيت لعقودٍ مجالاً يثير حساسية غير مسبوقة لدى فئاتٍ اجتماعية متعددة، وفي الوقت ذاته، فهي مجال واسع الشعبية، وضخم في نجاحاته بالمعنين الفني، والتجاري.

توسعت المناهج السعودية في تضمين الفنون المختلفة- أرشيف
سعد المحارب

وأكد أن رؤية المملكة 2030 -التي تضمنت تنمية الوعي والاجتماعي- ساعدت على تنامي الاعتراف بالموسيقى، باعتبارها خياراً طبيعياً للراغبين فيه بمختلف المسارات، فعادت الحفلات الغنائية، والتي حولت المملكة في سنواتٍ قليلة لتكون وجهة أولى لحفلات موسيقية وغنائية، ثم جاء القرار الحكومي بإنشاء هيئة للموسيقى تحت مظلة وزارة الثقافة، بجانب الترخيص لمعاهد تعليم الموسيقى، وإتاحة برنامج للابتعاث الثقافي في الموسيقى، مع تدعيم تكوين أندية لهواة الموسيقى.

اكتشاف المواهب

تدريس الموسيقى في المدارس السعودية لم يكن أمراً مستغرباً، بحسب الكاتب السعودي أحمد العياد الذي يقول لـ”كيوبوست” إنها بمثابة خطوة مهمة أصبحت الظروف مهيئة الآن لتنفيذها بشكلٍ أكبر من أي وقتٍ مضى، خاصة وأن الاقبال على الحفلات الموسيقية بالمملكة فاق كل التوقعات، وغالبية الحفلات التي يتم تنظيمها ترفع شعار “كامل العدد” بعد وقتٍ قصير من فتح باب التذاكر، الأمر الذي يعكس شغف الجمهور السعودي بالموسيقى والغناء بشكلٍ خاص.

أحمد العياد

وأضاف أن تدريس الموسيقى بالمدارس منذ الطفولة سيجعل لدينا القدرة على اكتشاف مواهب الأطفال بهذا المجال، وتنميتها في مرحلةٍ عمرية مبكرة، الأمر الذي سيخلق جيلاً من المبدعين ينشأ منذ الصغر بأجواء تساعده على الإبداع والتميز.

يلفت أحمد العياد إلى أن طبيعة المجتمع السعودي تساعد على الاهتمام بمختلف أنواع الموسيقى، محلية أو عربية أو حتى عالمية، الأمر الذي سيساعد على ظهور مزيدٍ من الموسيقيين السعوديين خلال السنوات القليلة المقبلة، ليس فقط داخل المملكة، ولكن خارجها أيضاً، بحكم الخبرات المكتسبة والمهارات التي تترسخ يوماً بعد الآخر، بفضل خبرات التدريب والتعلم.

يشير سعد المحارب إلى أن المستقبل القريب سيشهد أول جمعية مهنية للموسيقى -نقابة للموسيقيين- والمزيد من المنظمات غير الربحية التي تجمع المحترفين والهواة والمهتمين، وهو أمرٌ سيدعمه عودة تدريس الموسيقى بالمدارس، ضمن سلسلة الخطوات التي تهدف لتصحيح علاقة السعوديين بالموسيقى، وتخطي مرحلة الارتباك إلى مرحلة تصير فيها الموسيقى منتجاً ثقافياً، له أصالته المحلية، ويحمل إمكانية التفاعل العربي والدولي.

اقرأ أيضًا: الكتب المدرسية السعودية تتخلى عن المحتوى المتشدد

هوية للشعوب

يؤكد الكاتب السعودي وحيد الغامدي أهمية الفنون في هوية الشعوب باعتبارها وسيلة الحوار بين الإنسان والبيئة، مشيراً إلى أهمية أن تكون عملية تدريس الموسيقى مرتبطة بتنمية الإدراك لدى الطلاب لاكتشاف الموسيقى، ولا ترتكز على الحشد المعرفي، وهي المشكلة التي تواجه المناهج الدراسية.

وحيد الغامدي

وأضاف الغامدي أن تدريس الموسيقى أمر مهم بعدما بدأ في السابق تدريس الرسم وبعض المهارات حول الأشغال اليدوية، معتبراً أن إدراك الطلاب للفنون وروحها سيساعدهم على التسامح، وتقبل الآخر، ومناهضة العنف بشكلٍ واضح، وهو أمر بغاية الأهمية في الوقت الحالي.

وأشار الرئيس التنفيذي المكلف لهيئة الموسيقى سلطان البازعي، في ختام حديثه، إلى أن الاهتمام سيكون بالموسيقى المحلية والعربية، وفي الجامعات سيكون الاهتمام بالموسيقى العالمية، لافتاً إلى أن الموسيقى في المملكة لها تاريخ ممتد لأكثر من 7 عقود، لكنها لم تحظَ برؤيةٍ واضحة من الخطط الحكومية إلا مؤخراً ضمن رؤية المملكة 2030.

كما أكد أن هناك تعاوناً بين هيئة الموسيقى والجهات المعنية الأخرى بالموسيقى والفنون، حيث يجري العمل على توثيق التراث الغنائي السعودي، وجمع الموسيقى والفنون الغنائية المختلفة بالمملكة، وأرشفتها وربطها بالسياق الاجتماعي، الأمر الذي سيكون متاحاً للباحثين فور الانتهاء منه.

النهوض بالترفيه والموسيقى والمسرح والفنون الأخرى هو جزء من مستهدفات الارتقاء بجودة الحياة

النهوض بالترفيه والموسيقى والمسرح والفنون الأخرى هو جزء من مستهدفات الارتقاء بجودة الحياة، حسب الكاتب السعودي خالد السهيل، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن القرار يتوافق مع مبادرات رؤية السعودية 2030 التي تشمل أموراً عدة؛ من ضمنها إنشاء دار للأوبرا، وغيرها من النشاطات؛ بما في ذلك تدريس الموسيقى الذي جاء بعد 4 عقود من التوقف عن تدريسها، حيث إنها كانت في السابق تُقدم في عدد من مدارس المملكة.

خالد السهيل

واستذكر السهيل قيام عدد من المراكز الصيفية والأندية الرياضية في مختلف مناطق المملكة بتنظيم حفلات موسيقية ومشاركتهم بها كطلاب، معتبراً أن عودة تعليم الموسيقى والفنون الأدائية تأتي في سياق التغيير الاجتماعي والثقافي الذي تشهده المملكة التي احتفلت منذ بضعة أيام بتقديم جائزة الموسيقى ضمن مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية.

وأكد إعلان هيئة الموسيقى إنشاء أول أكاديمية موسيقية افتراضية في العالم؛ تهدف هذه الأكاديمية إلى توفير فرص تدريب موسيقي للموهوبين من خلال التعليم الافتراضي، باستخدام تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي؛ وهي من الأمور التي تدعم توجه الاهتمام بالموسيقى، خصوصاً أن المملكة أصبحت من كبرى الدول في المنطقة التي تستثمر في الترفيه، ولا يكاد يوجد فنان في العالم العربي لم يشارك في حفلات الترفيه ضمن مواسم السعودية في الرياض وجدة والطائف والمنطقة الشرقية وبقية مناطق المملكة، ناهيك بمشاركات فنانين وفرق موسيقية من مختلف أرجاء العالم.

اقرأ أيضًا: السعودية تسعى لأن تصبح مركزاً ثقافياً

يشير السهيل إلى تزايد انخراط الشباب في دورات الموسيقى من خلال جمعيات الثقافة والفنون خلال السنوات الأربع الماضية بشكل لافت، لافتاً إلى أن هناك 70% من أبناء وبنات المملكة من شريحة الشباب، ولذلك فقد انسجم المجتمع مع المبادرات التي قدمتها رؤية السعودية 2030. وخطوة تعليم الموسيقى في المدارس واستثمار الموروث الفني الثري الذي تتمتع به المملكة أمر مكمل للمبادرات السابقة.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة