الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
المواجهة الأمريكية- الإيرانية واللعب بالنار

ترجمات-كيوبوست
ما زال مسلسل التصعيد الإيراني- الأمريكي مستمرًّا. فمن ناحية تُحَمِّل أمريكا إيران المسؤولية عما يحدث، وإيران على الجانب الآخر لا تكتفي بإنكار تلك التهمة؛ بل تهدد باختراق بعض البنود الواردة في الاتفاق النووي، وتفصح عن رغبتها في توسيع مخزونها الاستراتيجي من الوقود النووي، وربما يصل ذلك إلى حد تخصيب اليورانيوم بمستويات تقترب من تصنيع القنبلة الذرية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث صعدت أمريكا الموقف بإرسال 1000 وحدة عسكرية إلى المنطقة الإقليمية المحيطة بغريمتها، ومن ثَمَّ فقد ردَّت قوات الحرس الثوري بإسقاط طائرة أمريكية دون طيار في 20 يونيو من العام الجاري، وهكذا يستمر اللعب بالنار من الجانبَين.
لقد نفد صبر القيادة السياسية الإيرانية؛ حيث كانت طهران قد اتبعت استراتيجية حكيمة في تأجيل العنف المضاد حتى انتهاء فترة حكم ترامب، لكن يبدو أنها تخلت عن ذلك الآن؛ حيث تعرض بعض القواعد الأمريكية بالعراق إلى القصف مؤخرًا، وبالطبع لعبت الصواريخ والطائرات الإيرانية دون طيار دورًا حاسمًا في عمليات القصف التي نفذها وكلاء إيران في العراق واليمن. ولم تكتفِ القيادة الإيرانية بذلك؛ بل هددت بإرخاء قبضتها الأمنية على الحدود الأفغانية، ويعرف الجميع في أوروبا مدى خطورة هذا الموقف؛ حيث يمكن لسيل من اللاجئين وشحنات المخدرات أن يجتاح أوروبا إذا نفَّذت إيران تهديداتها المزعومة.
ثور جريح
وتبدو إيران في تصعيداتها الأخيرة كالثور الجريح. فقبل عام من الآن، كان ترامب قد انسحب من الاتفاق النووي الإيراني ولم يكف عن محاولات إضعاف الموقف الإيراني عن طريق فرض عقوبات اقتصادية على أية دولة تقوم باستيراد النفط منها؛ آخرها ما حدث خلال الشهر الجاري بفرض قيود على استيراد المنتجات البتروكيماوية الإيرانية. كما تحاول الإدارة الأمريكية محاولات مستميتة لإجهاض كل الجهود الإيرانية بخصوص تخصيب اليورانيوم، وهي لا ترضى إلا بإجبار إيران على خفض مستويات التخصيب حتى إلى أقل من الحد المسموح به في الاتفاق، بينما يقف الاتحاد الأوروبي على الجانب الآخر موقفًا شبه متخاذل؛ خصوصًا بعدما خفَّف من جهوده لإبقاء إيران في الاتفاق النووي عبر مجموعة من الترتيبات التي كانت تمضي في اتجاه تحفيز الشركات الأوروبية على شراء البترول الإيراني، لكن الأمور لم تسِر على النحو الذي رغبت فيه القارة العجوز.
اقرأ أيضًا: ترجمات: المواجهة الإيرانية- الأمريكية.. كيف آل الوضع إلى ما هو عليه؟
ونلاحظ أن تأثير السياسة الأمريكية تجاه إيران مدمر؛ حيث انخفض الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 4.9% مقارنة بالعام الماضي، حسب التقارير الرسمية للحكومة الإيرانية، كما اتجه معدل التصنيع المحلي ومعدل إنتاج النفط إلى القدر نفسه من الهبوط الحاد. وشهدت أسعار المنتجات الغذائية ارتفاعًا وصل إلى 3 أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة، في الوقت الذي انخفض فيه المخزون الاحتياطي من الدواء.
قرارات أكثر جنونًا
تود طهران على الجانب الآخر أن تُظهر أن أوراق اللعبة ما زالت بيدَيها، وأنها قادرة على تكبيد أعدائها بعض الخسائر. إنها الورقة القديمة والمتجددة دائمًا: التهديد بتعطيل حركة التجارة البحرية في مضيق هرمز، المنفذ الملاحي الذي ينتقل عبره خُمس صادرات العالم من النفط. وقد تسببت الهجمات التي شنتها على المضيق في رفع الأسعار العالمية من الخام الأسود.
وبالفعل تسببت الهجمات التي يشنها وكلاء إيران في المنطقة في إلحاق الأذى باقتصادات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وصرَّح فالي نصر، الأكاديمي الأمريكي من أصول إيرانية، قائلًا: “تود القيادة الإيرانية أن تظهر قدرتها على اتخاذ قرارات أكثر جنونًا من قرارات ترامب”، في الوقت نفسه الذي تتصاعد فيه المشاعر العدائية لدى الإيرانيين تجاه ترامب. إلا أنهم لن يمانعوا على الجانب الآخر من اتخاذ خطوة في اتجاه إرساء السلام، لكنهم يرغبون على أية حال في خفض المعاناة الاقتصادية التي تثقل كاهل الأُسر الإيرانية. تقول ربة منزل إيرانية بينما تتفاوض على الأسعار في أحد المحلات التجارية بطهران: “يبدو أننا مضطرون للتفاوض؛ كي نبقى على قيد الحياة”.
اقرأ أيضًا: واشنطن تتهم طهران باستهداف ناقلتَي البترول في خليج عمان
الخطير في الأمر أن المبادرات الدولية لحل الأزمة تبوء بالفشل أيضًا. فعلى الرغم من توافد الدبلوماسيين من سويسرا وألمانيا وعمان وقطر والعراق إلى الأراضي الإيراينة بشكل مطرد؛ فإنهم عادوا جميعًا بلا إنجاز يُذكر. ويبدو أن كلًّا من “البنتاجون” وقوات الحرس الثوري ما زالتا تُمليان رغبتيهما من خلف الستار، كما أن بعض التدابير التي اتخذتها طهران لإظهار مرونتها في حل الأزمة لم تظهر أي نجاحات بعد، وهو ما لوحظ مع حدث إطلاق سراح السجين اللبناني- الأمريكي، ذلك الذي سبق اتهامه بالتجسس من قِبَل السلطات الإيرانية.
اقرأ أيضًا: لماذا رفعت إيران ميزانية الحرس الثوري للعام القادم؟
المصدر: الإكونوميست