الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
المهمشون في اليمن.. من هم “الأخدام” وكيف يعيشون؟
بقيت فئة المهمشين معزولة من دون أن يُعرف بشكل جازم سبب بقائهم على تلك الحال؛ لكن إطلاق لقب "الأخدام" عليهم يوحي بأنهم عملوا يوماً ما خدماً أو عبيداً لدى الطبقات ذات المكانة العالية في المجتمع.

كيوبوست- منير بن وبر
لطالما كانت المجتمعات المهمَّشة مشكلةً طويلة الأمد في العديد من المجتمعات حول العالم؛ حيث يتم استبعاد مجموعات معينة من الناس من المجتمع الأكبر، وتركهم وحيدين يواجهون أشكالاً مختلفة من التمييز.
وفي اليمن؛ حيث تفتقد مجموعات مختلفة من السكان العديدَ من الحقوق، يبرز مجتمع من المهمشين يمكن وصفه بأنه الأكثر عرضةً للتمييز وفقداناً للحقوق؛ وهو مجتمع المهمشين الذين يُطلق عليهم أيضاً لقب “الأخدام”.
لا توجد إحصاءات رسمية حول حجم مجتمع “الأخدام” في اليمن؛ لكن التقديرات تشير إلى أنهم يعدُّون 3,5 مليون شخص. يعيش المهمشون في اليمن في ظروف بائسة على أطراف المدن أو في الأرياف؛ يسكنون بيوتاً من الصفيح أو الحجر أو الشجر، نادراً ما يحصلون على الخدمات الأساسية؛ مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وغالباً ما يُحرم أبناؤهم من التعليم، كما يواجهون الفقر في أبشع صوره.
اقرأ أيضاً: بالفيديو.. المهمشون في اليمن: ظروف قاسية وتجاهل حوثي
يعاني المهمشون في اليمن التمييزَ على أساس العِرق بشكل أساسي؛ لكن الأسباب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أسهمت في زيادة عزلتهم، حيث يُسهم الفقر في تقليل مكانتهم، ويُسهم غياب تمثيلهم سياسياً في عدم وجود سياسات تحميهم، كما تلعب الأحكام المسبقة والمواقف الاجتماعية دوراً في إبعادهم عن الاندماج بشكل طبيعي في المجتمع.
لا تتطلب معالجة مشكلة المهمشين في اليمن استقرار اليمن الذي يخوض صراعاً منذ سنوات فحسب؛ بل تتطلب أيضاً وعياً اجتماعياً وتمثيلاً سياسياً عادلاً، وهو ما افتقده اليمن حتى قبل أن ينزلق إلى هوة الصراع.
كيف نشأ المهمشون في اليمن؟
يوجد المهمشون في اليمن غالباً في مناطق الساحل الغربي من البلاد؛ مثل محافظة الحديدة وتعز وحجة، لكنهم يوجدون أيضاً في عدة محافظات أخرى.
لطالما كان اليمن -تاريخياً- محطة رئيسية لتحركات السكان من إفريقيا والعودة إليها؛ وهو ما يبرر الملامح الإفريقية لمجتمع المهمشين الذين يبدو أن أسلافهم قد قدموا يوماً ما من إفريقيا، ربما قبل قرون أو حتى آلاف من السنين، إلى سواحل اليمن واستقروا بها.

يوجد العديد من الروايات حول سبب قدوم العِرق الإفريقي إلى اليمن وتاريخه؛ لكن، وبغض النظر عنها، فإن الدراسات والروايات التاريخية تشير إلى أن المجتمع اليمني عموماً مقسم للغاية على الصعيدَين الإقليمي والزمني، وتختلط فيه أعراق غرب أوراسيا وشمال شرق إفريقيا وجنوب آسيا. كما تشير الروايات التاريخية إلى علاقات تبادل وثيقة بين الحضارات اليمنية القديمة والساحل الشمالي الشرقي لإفريقيا؛ وهي روابط لا تزال مستمرة إلى اليوم.
وفي حين أن ملامح بعض اليمنيين تبدو إفريقية، وهم مندمجون تماماً دون تمييز في المجتمع؛ إلا أن فئة المهمشين بقيت معزولة. ولا يُعرف بشكل جازم سبب بقائهم على تلك الحال؛ لكن إطلاق لقب “الأخدام” عليهم يوحي بأنهم عملوا يوماً ما خدماً أو عبيداً لدى الطبقات ذات المكانة العالية في المجتمع. وعلى الرغم من أن العبودية في اليمن لا تزال موجودة بشكل محدود جداً؛ فإن المهمشين الذين نتحدث عنهم يعيشون في مجتمعاتهم بِحُرية، لكن مع مستوى عال من العُزلة والتمييز.
دائرة من المصاعب يصعب كسرها
يشير استقصاء حديث إلى أن المهمشين في اليمن يعانون التمييز المنهجي، ويُنظر إليهم كإحدى أدنى طبقات المجتمع. ووفقاً للاستقصاء الذي اشتركت فيه عدة منظمات؛ منها منظمة الهجرة الدولية، فإن الضغط المجتمعي على المهمشين يدفعهم إلى العيش في مجتمعات معزولة ويعرضهم لفقدان الحقوق، والعمل في مهن قد يعتبرها المجتمع أقل شأناً. كما أنه -وفقاً للاستقصاء- كثيراً ما يتم استبعاد المهمشين من الخدمات الأساسية وحتى المساعدات الإنسانية.
اقرأ أيضاً: اليمن.. شتاء قارس وملايين النازحين داخلياً
لكن التمييز السلبي ليس وحده المسؤول عن الأوضاع التي يرثى لها للمهمشين في اليمن؛ بل يتداخل معها الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والتي تترابط ببعضها لتشكل دائرةً من المآسي التي يصعب الخروج منها.
أحد العوامل المهمة هو الاقتصاد؛ حيث يتسبب الفقر وعدم الحصول على التعليم وفرص العمل في تقليل مكانة المهمشين وحرمانهم من القدرة على إظهار إمكاناتهم الذاتية. أما العوامل السياسية فتشمل غياب التمثيل السياسي لهم، وبالتالي استبعادهم من عمليات صنع القرار وحرمانهم من التعبير عن احتياجاتهم واهتماماتهم؛ وهو ما يؤدي إلى سياسات لا تلبي مصالحهم وتزيد من تهميشهم.
العوامل الاجتماعية؛ مثل الأحكام السلبية المسبقة يمكن أن تبني حواجز أمام فرص وصول المهمشين إلى الموارد والاندماج الاجتماعي، ما يزيد من استمرار التهميش. كما يُعد الزواج المبكر في مجتمعات المهمشين شائعاً، وهو ما يحرم الفتيات من مواصلة التعليم؛ وبالتالي فقدان الفرص الاقتصادية الشحيحة أصلاً، وخسارة منافع التعليم الجيد في مختلف جوانب الحياة.

الصراع يولِّد المزيد من الضحايا
أدى الصراع في اليمن إلى نزوح نحو 4.5 مليون شخص داخلياً؛ بينهم العديد من المهمشين. ووفقاً لاستقصاء تم إجراؤه في 14 موقع نزوح داخلي في المناطق المحررة من اليمن؛ فإن النازحين من المهمشين يواجهون المزيد من الظروف القاسية هناك، من الافتقار إلى الخدمات الصحية والتعليم، إلى انخفاض مستويات الدخل، والعمل في مهن شاقة، وعدم القدرة على توفير الغذاء الكافي.
تدفع الحروب والأزمات المجتمعات إلى الهاوية دائماً؛ تجعل الفقراء مُعدمين، وتدفع الضعفاء إلى التهميش، وتجبر الناس على ترك أوطانهم ومجتمعاتهم المحلية للمجهول.
أجبر الصراع في اليمن ملايين الأشخاص على النزوح داخلياً، كما أجبر عدم الاستقرار والجفاف في القرن الإفريقي المقابل، الآلاف على الهجرة واللجوء إلى اليمن؛ حيث هاجر أسلافهم منذ زمن طويل. واليوم، لا يزال كل من النازحين والمهمشين واللاجئين أحد أشد المجتمعات ضعفاً على الإطلاق في اليمن.
تتطلب معالجة التهميش العديد من المبادرات الحكومية والمجتمعية والإغاثية؛ مثل توفير فرص عادلة للتعليم والتوظيف والأجور الملائمة والتشجيع عليها. يجب أن تشجع السياسات الحكومية التنوع والمشاركة في صنع القرار؛ وهي أشياء يجب أخذها بعين الاعتبار في عملية السلام في اليمن ومرحلة ما بعد الحرب. يمكن للأفراد أيضاً المساهمة في حل المشكلة من خلال التوعية وتحدي التمييز والتحيز، كما يمكن للمنظمات الإغاثية التشجيع على محاربة التمييز وتضمين المجتمعات المهمشة في خططها؛ فمن خلال العمل الجماعي فقط يمكن بناء مجتمع أكثر إنصافاً للجميع.