الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
المنصف المرزوقي.. من أول رئيس لتونس بعد الثورة إلى خائن لها
مراقبون لـ"كيوبوست": ما صدر عن المرزوقي يعتبر بكل المقاييس مساساً بالمصالح الوطنية وتحريضاً مباشراً للخارج

تونس- فاطمة بدري
لم يفاجئ قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، الخميس 14 أكتوبر، سحب جواز السفر الدبلوماسي من الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي، بعد اتهامه بـ”التآمر على أمن البلاد”، الكثيرَ من الأوساط التونسية؛ فخطوة سعيّد، التي أرفقها بمطالبة وزيرة العدل بفتح تحقيق في الملف، جاءت بعد تمادي المرزوقي في الإساءة إلى تونس، إلى حد إعلان فرحته بتأجيل تنظيم القمة الفرانكفونية بتونس سنةً أخرى، والمساهمة في ذلك رغم إدراكه الآثار السلبية لهذا القرار على صورة البلاد في الخارج.
وقال الرئيس سعيّد، في أول اجتماع لمجلس الوزراء برئاسته: “تعلمون كيف ذهب البعض إلى الخارج يستجديه لضرب المصالح التونسية. وأقولها اليوم، الذي قام بهذا سيُسحب منه جوار السفر الدبلوماسي؛ لأنه في عداد أعداء تونس. ولا مجال أن يتمكن من هذا الامتياز وهو يجوب العواصم ويلتقي عدداً من الأشخاص للإضرار بتونس”.
وكان المرزوقي قد صرَّح، في حوار مع قناة “فرانس 24″، بأنه “يفتخر بسعيه لدى المسؤولين الفرنسيين لإفشال عقد قمة الفرانكفونية في تونس”، معتبراً أن تنظيمها في ظل ما سمَّاه بـ”الانقلاب” يعد “تأييداً للديكتاتورية والاستبداد”.
اقرأ أيضاً: النهضة تستقوي بالأجنبي من أجل البقاء في الحكم
وجاءت هذه التصريحات بعد أيام من مشاركة المرزوقي في وقفة احتجاجية نظمها معارضون لسعيّد في العاصمة الفرنسية باريس، دعا خلالها الحكومة الفرنسية إلى وقف مساعداتها لتونس، والتدخل والضغط على الرئيس قيس سعيّد لإلغاء إجراءاته الاستثنائية وإرجاع نشاط البرلمان المجمد.
وتلقف القضاء التونسي طلب سعيّد بسرعة؛ حيث تم الجمعة، 15 أكتوبر، فتح تحقيق بخصوص تصريحات الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.
وقال الناطق الرسمي باسم محكمة الاستئناف الحبيب الترخاني، للوكالة الرسمية التونسية، إنه “تم فتح تحقيق بخصوص التصريحات الأخيرة الصادرة عن رئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي، بفرنسا”، موضحاً أن التحقيق فُتح “استناداً إلى الفصل 23 من المجلة الجزائية، وبناء على الإذن الصادر من وزيرة العدل وبعد أن أذِن الوكيل العام بمحكمة الاستئناف لوكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية”.

وأشارت عريضة الشكوى إلى أنه بعد تصريح المرزوقي وبعد تأجيل القمة، يعد ما أقدم عليه الرئيس الأسبق “عملاً عدوانياً أضر بمصالح البلاد”.
من جانبه، انتقد الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، ما بدر على لسان المرزوقي من تصريحات، واصفاً تصرفاته بـ”الخيانة العظمى لما فيه من تحريض على تونس”.
اقرأ أيضاً: أمام وفد الكونغرس الأمريكي.. سعيّد يدافع عن السيادة التونسية
ليست الأولى
وليست هذه المرة الأولى التي يطل فيها المرزوقي ليقول ما لا يجب أن يقوله، وليست المرة الأولى التي يستهدف فيها خصومه الذين يقفون على الضفة التي تتعارض مع المحور الإقليمي الذي انتمى إليه منذ توليه الرئاسة سنة 2011؛ ونعني المحور القطري- التركي، ودفاعه المستميت عن أجندات حركة النهضة، أملاً في تزكية قد تعيده مجدداً إلى قصر الرئاسة الذي حاول العودة إليه مرتَين ولم يفلح وما زال يحدوه الأمل رغم الهزائم.
ويُذكر أن المنصف المرزوقي الذي تولى رئاسة تونس بعد اندلاع ثورة يناير 2011 حتى سنة 2014، لم يحظَ بهذا المنصب عن طريق الانتخاب الشعبي المباشر وإنما تم ذلك بتوافقات (ما سمي حينها بالترويكا) داخل المجلس التأسيسي الذي تم انتخابه حينها واكتسحته حركة النهضة الإسلامية. ومنذ خروجه ظل متعطشاً للعودة إلى قصر قرطاج عبر صناديق، وكان يعتقد أن لديه من الشعبية ما يؤهله لذلك؛ فحاول ذلك في انتخابات 2014، ثم أعاد الكرة 2019؛ ولكنه مُني فيهما بهزيمة كانت مذلة، خصوصاً في سنة 2019 التي انسحب فيها من الدور الأول، كما فشل حزبه “حراك تونس الإرادة” في الحصول على أي مقعد بالبرلمان حينها.

وهو يحاول اليوم استغلال أحداث الـ25 من يوليو لاستهداف الرئيس قيس سعيّد، ولكن لا تُخفى نيَّاته الحقيقية؛ إذ يجمع المراقبون والمقربون منه على أن الرجل مهووس بالسلطة ويرفض الإقرار بأن حضوره في المشهد السياسي التونسي قد انتهى، وأنه لا أدوار له في المستقبل بعد تتالي هزائمه، وهو يحاول استغلال الوضع الاستثنائي في تونس للظهور، سواء إعلامياً أو على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في الشوارع؛ بحثاً عن تحريك اسمه مجدداً، بحثاً عن أية فرصة قد تعيده إلى قصر قرطاج.
الصحفي المختص في الشأن التونسي والمحلل السياسي محمد الهادي حيدري، أثنى على قرار سحب جواز السفر من الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي، معتبراً أن الأخير أذنب جداً في حق بلاده.

وقال لـ”كيوبوست”: “إن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، بسحب جواز السفر الدبلوماسي من الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، لا يعتبر في سياقاته قراراً انتقامياً أو تصفية حسابات مع أحد معارضيه، حتى لو نظر إليه البعض على هذا الأساس، فالمرزوقي ليس شخصية عادية؛ بل سبق له تولي أعلى مسؤولية في الدولة التونسية، وبالتالي هو مؤتمن على أسرارها وأمنها ووحدتها، حتى لو غادر مسؤولياته. أيضاً كل ما يصدر عنه من مواقف أو آراء يجب أن يراعي عدة حساسيات ومبادئ أساسية تتعلق بالسيادة ومصالح تونس، وتشمل كذلك عدم إفشاء أسرار الدولة”.
اقرأ أيضاً: تفنيد المغالطات السائدة بشأن التطورات الأخيرة في تونس
تحريض مباشر
وأضاف الحيدري: إن ما صدر عن المرزوقي يعتبر بكل المقاييس خروجاً عن واجب التحفظ ومساساً بمصالح تونس وتحريضاً مباشراً واستدعاءً لتدخل خارجي في شأن تونسي داخلي وقد يرقى قانونياً إلى مستوى الخيانة؛ فالرجل لم يطالب بوساطة بل حرَّض علناً على مصالح بلاده بمنطق الاستقواء بالأجنبي، وهو المنطق الذي ساد خلال فترة انطلاق ثورات الربيع العربي. إن حامل جواز السفر الدبلوماسي يفترض أنه يمثل تونس حتى لو كان قد غادر مسؤولياته؛ فهذا النوع من جوازات السفر لا يُمنح اعتباطياً بل يخضع لضوابط معينة، ومَن لم يحافظ على تلك الضوابط تنتفي عنه صفة أحقية حمله.

وارتبطت فترة حكم المرزوقي بأصعب العمليات الإرهابية التي استهدفت عناصر الأمن والجيش، والتي كانت حصيلتها قرابة 150 عنصراً، فضلاً عن اغتيال الشهيدَين اليساريَّين شكري بلعيد ومحمد البراهمي. كما يتذكر التونسيون كيف كان فتح المرزوقي قصر قرطاج الرئاسي أمام شيوخ الفتنة والتطرف، على غرار يوسف القرضاوي الذي حلّ في ضيافته في الرابع من مايو 2012، ووجدي غنيم في 11 فبراير 2012، رغم معارضة المجتمع المدني والقوى الديمقراطية في البلاد.
كما طبع فترة حكمه زيادة نشاط الجماعات السلفية المتطرفة في تونس وسيطرتها على المساجد وتهديدها حرمات الجامعات وتسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر، دون أن يصدر عنه أي موقف رغم تحذيرات المعارضة والجمعيات الحقوقية، فضلاً عن انتشار العنف واستهداف الفنانين والمعارضين لحركة النهضة وسحلهم من قِبل جماعة منفلتة مدعومة من الحركة.