الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
المنافسة بين الولايات المتحدة والصين.. حرب باردة من نوع جديد

ترجمات-كيوبوست
يعيش كلٌّ من الولايات المتحدة والصين حالة من المنافسة المشتعلة في المجالات كافة؛ بداية من التنافس على صناعة السيارات، وانتهاءً بالتسابق على تصنيع الغواصات، ومرورًا بإنتاج الأفلام الجماهيرية وغزو الفضاء الخارجي. ويبدو ظاهريًّا أن القوتَين العظميين تسعيان نحو تحقيق عالم تتوزَّع فيه المكاسب والانتصارات على الأطراف كافة، لكن ما يظهره لنا الواقع الآن هو أمر مختلف؛ فحالة الفوز هذه لن تتحقق إلا بإلحاق الهزائم المريرة بالطرف الآخر، وانهيار محقق لأحد الطرفَين؛ إما بإخضاع الصين لهيمنة الولايات المتحدة، وإما بإذلال الأخيرة وإجبارها على التخلِّي عن سيطرتها على المنطقة الواقعة غرب المحيط الهادي، وبالتالي نحن أمام حرب باردة من نوع جديد قد لا يتحقق فيها الانتصار لأي من الطرفَين المتناحرَين.
لا تكف الولايات المتحدة إذن عن توجيه الانتقادات إلى السياسات الصينية في ما تدعوه بالتحايل من أجل تحقيق هدف الوصول إلى القمة من خلال انتهاك حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالتكنولوجيا، كما تبدو الصين من وجهة نظر أمريكا متهمة بالتدخُّل في المنطقة الواقعة في بحر الصين الغربي، وكذلك محاولة إرهاب بعض الديمقراطيات العتيدة؛ مثل السويد وكندا. وهكذا تتحوَّل الصين -من وجهة نظر أمريكا- إلى خطر يهدِّد السلام العالمي، بينما تبدو الصين على الجانب الآخر واقعة بين مطرقة أحلامها الدائمة في استعادة دورها المستحق في القارة الآسيوية وسندان أمريكا التي تعاني حالة إجهاد وغيرة في آنٍ واحد من نظيرتها الصين. ويبدو أن الولايات المتحدة لن تسمح بالصعود الصيني المزمع؛ لأن هذا الصعود ببساطة لا يعني إلا الهبوط الأمريكي على الجانب الآخر.
فوضى معايير السوق
يبلغ حجم التجارة المشتركة المعلنة بين الدولتَين نحو بليونَي دولار في اليوم الواحد، مقارنة بحجمها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق في ثمانينيات القرن الماضي، والذي كان يبلغ بليونَي دولار في العام. وما دامت هذه التجارة تدخل حيز تصنيع التكنولوجيات المتقدمة؛ كالرقائق الحاسوبية وتكنولوجيا شبكة الجيل الخامس، نكون قد دخلنا في حالة من الفوضى لا نستطيع فيها التعرف على الحدود الفاصلة بين التجارة ومتطلبات الأمن القومي. مع الأخذ في الاعتبار أن اقتصاديات حلفاء الولايات المتحدة في آسيا تعتمد بشكل أساسي على التجارة مع الصين. ولنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يتسبب فيه أي فعل غير محسوب، وربما تضطر تلك البلدان إلى قطع علاقاتها مع الصين بكل ما يحمله هذا الأمر من عواقب.
اقرأ أيضا: “هواوي” ضحية حرب ملوك التجارة في العالم
على أمريكا أن تتوقف عن التقليل من شأن نقاط قوتها، الأفضل من ذلك أن تستفيد منها، هناك المهاجرون على سبيل المثال كانوا على مدى التاريخ ضرورة لا غنى عنها للتحديث في الولايات المتحدة؛ لكن ما تفعله الآن إدارة ترامب من تشديد القيود على الهجرة لا يمكن اعتباره إلا فعلًا تدميريًّا للذات، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فهناك على الجانب الآخر المحاولات المستمرة من الإدارة الأمريكية الحالية للتقليل من شأن البحث العلمي في أي مجال يقع خارج الأجندة السياسية الخاصة بها، وكذلك محاولات خفض التمويلات الحكومية للبحث العلمي.
أيضًا يكمُن بعض نقاط القوة الأمريكية الأخرى في تحالفاتها الخارجية ومؤسساتها والمعايير التي أرستها لنفسها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن ما يحدث الآن من الرئيس ترامب هو تخلٍّ تام عن تلك المعايير بدلًا من دعم المؤسسات، وكذلك الهجوم على ما يسميه بالتجارة الزائدة على الحد مع الاتحاد الأوروبي واليابان، بدلًا عن العمل المشترك معهما للضغط على الصين؛ من أجل تغيير سياساتها. وقد تساعد القوة العسكرية على تعضيد التحالفات الأمريكية مع بعض الدول الآسيوية، لكن ما يتجاهله ترامب هو التأثير البالغ للقوى الناعمة في تثبيت أركان هذه التحالفات.
وقد تكون لدى الولايات المتحدة وحلفائها القدرة على تحديد المعايير التي تحكم السوق، لكن على الجانب الآخر يبدو أن هناك قليلًا جدًّا من المعلومات المتاحة للغرب عن حجم المستثمرين الصينيين وشركائهم التجاريين وعلاقاتهم بالدولة. وتدفع الرؤية العميقة للوضع الحساس للصناعات المختلفة باتجاه التخلِّي عن وضع القيود على كل شيء، ولذلك على أمريكا أن تدرك أن التعامل مع الصين يقتضي بناء جسور من الثقة؛ لأن الإجراءات التي تنوي الولايات المتحدة اتخاذها بشكل دفاعي تجاه الصين ستبدو في أعين الصينيين إجراءات هجومية مصممة خصيصًا لإرساء السيطرة.
اقرأ أيضًا: حرب تجارية أمريكية- أوروبية: مَن الطرف الأقوى؟
أحلام قومية
وفي حال إدراك الصين أنه لا مفر لها سوى الدخول في هجوم مضاد؛ فمن الممكن أن يتسبب ذلك في الانهيار المتصاعد للملاحة في بحر الصين الغربي، وكذلك من الممكن أن يتسبب ذلك في محاولة الصينيين الغاضبين المغالين في نزعتهم القومية غزو تايوان؛ ما سيتسبب في اشتعال الحرب.
وتبدو الصين على الجانب الآخر محكومة من قِبَل رئيس يرغب في استغلال الأحلام القومية من أجل إرساء سيطرة الحزب الشيوعي بالشكل الكامل، وهو يجلس على قمة نظام سياسي كان من بين وجهات نظره أن العمل مع الرئيس السابق باراك أوباما، أمر ينبغي استغلاله. ومن الممكن أن يأتي لنا المستقبل بقادة قادرين على فتح قنوات جديدة من الاتصال والتعاون. وعلى كلٍّ، لا يمكننا الإشارة إلى وجود ضمانات كافية ما دمنا نتحدث عن المستقبل.
اقرأ أيضًا: رؤية الصين: حملة عنيفة لخلق عالم من تصورها الخاص
والآن بعد انقضاء ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفييتي، يمكننا الدفع بأن المرحلة التاريخية التي يسيطر فيها قطب واحد على العالم قد انتهت، وهكذا تمثل الصين منافسًا قويًّا يطمح بثقة في أن يكون رقم واحد في العالم. أما بالنسبة إلى الروابط الاقتصادية والأرباح التي اعتدنا على أن تكون داعمًا للعلاقات، فقد أصبحت هي الأخرى مصدرًا للتناحر، وبالتالي فإن الولايات المتحدة والصين واقعتان في حالة من الاحتياج اليائس إلى أن يفرض كل منهما قوانينه الخاصة التي ستحكم المرحلة القادمة التي يمكن أن نسميها عصر تناحر القوى العظمى.
المصدر: الإكونوميست