شؤون دولية

الملايين من حالات الطلاق سنويًا في الصين: الأسباب، المؤشرات، سبل العلاج

الغالبية العظمى من حالات الطلاق تعزى إلى العنف المنزلي والعلاقات خارج نطاق الزواج

خاص كيو بوست –

رغم أن قرار الحصول على الطلاق يظل من الأمور الصعبة إلا أنه في حالة “زوي” التي تعيش في بكين وتبلغ من العمر 38 عامًا، كان الطلاق هو الحل الوحيد والمناسب، فلم تقتصر فائدته على حصولها على حضانة ابنها ذي الثماني سنوات والاحتفاظ بمسكن الأسرة والحصول على مبلغ لا بأس به من مدخراتهما المشتركة، بل تحررت أيضًا من الشجارات الدائمة التي صارت جزءًا رئيسًا في حياتها الزوجية.

تقول (زوي) إن علاقتها مع زوجها قبيل الانفصال خلت من العاطفة وفي النهاية صارت حياتهما الزوجية شديدة الإرهاق لكل منهما.

وتضيف: من المؤلم أن زواجنا انتهى بالطلاق ولكن أعتقد أن الأمر سيكون أقل إيلامًا مما لو ظللنا معًا في ظل أجواء الكراهية المتزايدة. كما أنه ليس من العدل أن ينشأ طفلنا في تلك البيئة المفعمة بالعداء. ومن الناحية المالية يمكنني أن أعيل نفسي وطفلي، فمستوى معيشتي لم يتأثر.

هذه القصة تشير إلى أن الكثير من الأمور قد تغيرت في الصين في السنوات القليلة الماضية. فالأجيال السابقة كانت تفضل الاستمرار في زيجات تعيسة حفاظًا على الأسرة، أما الآن فإن الطلاق لم يعد من الأمور المغضوب عليها في الصين، فبوسع الزوجين تسجيل الطلاق لدى سلطة الشؤون المدنية بما يبين أنهما قد اتفقا على قرار الانفصال، كما يمكنهما رفع قضايا الطلاق من خلال المحاكم التي يمكنها البت في أمور مثل حضانة الأطفال وكيفية تقسيم الأصول المالية بين الطرفين.

 

إحصائيات ومؤشرات

في الشهور الستة الأولى من العام الجاري تم تسجيل 1.85 مليون حالة طلاق لدى سلطة الشؤون المدنية وحدها بزيادة تصل إلى 10% بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي.

في المقابل، قبل ثلاثة عقود، وخلال عام 1986 وحده -على سبيل المثال- تم تسجيل 460 ألف حالة طلاق لدى سلطة الأحوال المدنية التي كانت آنذاك هي الجهة التي يقصدها غالبية الراغبين في الطلاق، وبحلول عام 2016 وصل الرقم السنوي إلى 4.15 مليون حالة، أي أن معدلات الطلاق قد تضاعفت عشر مرات، وبحدود الألف بالمائة (١٠٠٠٪)!

وتشير البيانات إلى أنه في 41% من حالات الطلاق انتهت العلاقة فيها خلال السنوات الخمس الأولى من الزواج.

متوسط العمر الذي يقبل فيه الشباب على الزواج في الصين هو 26 عامًا وفقًا لاستطلاع أجرته رابطة المرأة الصينية.

 

آراء المختصين

كثير من المحامين والخبراء في ميدان العلاقات الزوجية يعزون ارتفاع معدلات الطلاق إلى التوقعات المبالغ فيها من جانب الطرفين وزيادة مستويات استقلالية المرأة الصينية عما كانت عليه في السابق.

وتشير تقارير صادرة من الجهات القضائية ببكين في مارس الماضي بأن 93% من حالات الطلاق التي عرضت عليها كانت بسبب العنف المنزلي والعلاقات خارج نطاق الزواج.

وأظهر استطلاع أجراه موقع “جياوان” الصيني المختص بالعلاقات الزوجية أن 18% من حالات الطلاق تعزى إلى العنف المنزلي، في حين ذكر أن 38% من النساء سعين إلى الطلاق بسبب علاقات الأزواج غير الشرعية. أما من جانب الرجال فقد أشار 25% منهم إلى العلاقات غير الشرعية في حين ذكر 2% إساءة معاملة الزوجات لهم. يقول أحد الخبراء في مجال العلاقات الزوجية بأن العنف المنزلي يتضمن أيضًا البرود العاطفي الذي يتمثل في إهمال أحد الطرفين للآخر أو انهيار جسور التواصل بين الجانبين.

ويقول “لو تشيوكوان” مدير مكتب “كيانكيان” للخدمات القانونية بأن أغلبية الاستشارات القانونية التي يتلقاها مكتبه تتعلق بالعنف المنزلي والعلاقات خارج نطاق الزواج.

وأضاف: “معظم الأزواج نشأوا في بيئات تعتبر العنف المنزلي من الأمور الطبيعية ومن ثم لم يتورعوا عن الانخراط في هذا السلوك حين صاروا أزواجًا. فقد كان المجتمع ينظر إلى العنف المنزلي بوصفه أمرًا مقبولًا”.  

منذ أيام عرضت قناة تليفزيونية صينية حالة “روبي تشو” البالغة من العمر 32 عامًا وهي عاملة في مجال الصحة في بكين وهي حاليًا في طور الإعداد لرفع قضية طلاق حيث تقول إنها تشعر وكأنها محاصرة في كابوس لا مهرب منه.

فهي تعاني دائمًا من الاعتداء اللفظي من جانب زوجها الذي تزوجته بعد شهور من مقابلته. وقد حملت بعد شهور من الزواج، لكن زوجها تركها بمفردها في المستشفى حين تم احتجازها هناك إثر تعرضها لمتاعب صحية كان من شأنها تعريض حياة الجنين للخطر.

وقد تطور العنف إلى الإيذاء البدني بعد شهر من الولادة، إذ بدأ زوجها يقسو عليها بكلمات جارحة لأتفه الأسباب. وكثيرًا ما يبدأ بالصراخ في وجهها قبل التعدي عليها بالضرب.

تقول (شو) إنها حاولت تحمل الاعتداء من أجل الطفل إلا أنها في النهاية قررت الحصول على الطلاق بعد التعرض لارتجاج في الجمجمة أثناء تعديه عليها بالضرب في إحدى المرات. وقد طردها زوجها خارج المنزل ومنعها من رؤية طفلها.

وتضيف: “أفتقد طفلي بشدة وأحيانًا أنتظر بالقرب من المنزل لمجرد أن تسنح لي فرصة رؤيته حين يتم أخذه للعب في الخارج. إن حرمان الأم من طفلها أمر بالغ القسوة. السنوات الثلاث الأخيرة كانت هي الأقسى بالنسبة لي. أملي الوحيد هو أن أحصل على الطلاق وأن يتم الحكم لي بحضانة الطفل لأعيش معه مرة أخرى”.

يقول “زانج كي هواي” وهو مدير مكتب محاماة في العاصمة الصينية بكين بأنه تعامل مع 200 حالة طلاق، مؤكدًا أن الغالبية العظمى من حالات الطلاق تعزى إلى العنف المنزلي والعلاقات خارج نطاق الزواج.          

ويضيف زانج: بسبب العولمة وتأثير الثقافات الغربية صار الأزواج يطمحون إلى علاقات تتسم بالرومانسية، ونظرًا للثراء الذي صار متاحًا للصينيين فقد أصبح من الميسور عليهم التردد على المطاعم والفنادق، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي سهلت إقامة العلاقات العاطفية.

ويرى أن الكثير من الصينيين صاروا يولون اهتمامًا أكبر للجوانب العاطفية في حياتهم كما صاروا يتطلعون إلى نوعية حياة مختلفة تتسم بالترف والراحة.

ويشير إلى أن هذا يختلف عن الماضي، حيث كان الزواج فيما مضى يقوم على إنشاء أسرة مستقرة لضمان توفير الرعاية اللازمة للأطفال ولأفراد الأسرة الأكبر سنًا، وهذه النظرة لدور الزواج ومهمته اختلفت اختلافًا كبيرًا في الوقت الراهن.

 

حلول لمواجهة الظاهرة المتفاقمة

في مواجهة هذا التزايد المطرد في حالات الطلاق حاولت إحدى المحاكم في مقاطعة “شاندونج” الصينية التصدي لهذه الظاهرة، عن طريق فرض مهلة مدتها ثلاثة أشهر للراغبين في الطلاق، من أجل إعطائهم الفرصة لإعادة النظر في قرارهم.

وتشير إحصائيات المحاكم في المقاطعة الصينية المذكورة إلى أنه من بين كل 1000 قضية تنظرها المحكمة هناك 700 قضية تتعلق بالطلاق. ويرى القضاة أن الراغبين في الطلاق يتسرعون في اتخاذ قرار إنهاء العلاقة بدلًا من التروي ومحاولة تسوية الخلافات، وأن قرار الطلاق كثيرًا ما يتم اتخاذه دون تدبر أو بسبب تدخلات من عائلات الزوجين. وترى المحكمة أنه بعد نهاية المهلة البالغة ثلاثة أشهر يحق للراغبين في الطلاق أن يمضوا قدمًا في إجراءات إنهاء العلاقة أو أن يطلبوا تمديد المهلة للتفكير في الموضوع لفترة أخرى.  

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة