الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

المكتبة الظاهرية بدمشق.. الذاكرة في أيدٍ أمينة

كيوبوست – زيد قطريب

ينفتح الطريق من باب “البريد” إلى داخل دمشق القديمة، على معالم أثرية مدهشة، في مقدمتها المكتبة الظاهرية المعروفة بأنها من أغزر المكتبات الإسلامية والعالمية، وقد أنشئ بناؤها سنة “676هـ الموافق 1277م” بالقرب من الجامع الأموي على يد الظاهر بيبرس رابع سلاطين الدولة المملوكية، لكنه مات قبل إنهائها، فأكمل ابنه السعيد بناء التربة والمدرسة، ثم نقل جثمان أبيه إليها.

القبة والنوافذ الملونة من الداخل

ويقول الدكتور عبد الوهاب أبو صالح الباحث في الآثار وتاريخ الأديان، لـ”كيوبوست”: “بُنيت المدرسة الظاهرية مكان دار العقيقي بعد أن اشتراه الظاهر بيبرس من مالكه، وهي مواجهة تماماً للمدرسة العادلية التي كانت مقراً لمجمع اللغة العربية بدمشق. والمكتبة جزء من المدرسة الظاهرية، وفي 1879م قرر علماء دمشق إنشاء المكتبة الظاهرية لحفظ الكتب والمخطوطات فيها، ولتكون مكاناً يرتاده طلاب العلم والمعرفة.

جُمعت مخطوطات المكتبة الظاهرية من عشر مكتبات، هي: المكتبة العمرية والضيائية، ومكتبة سليمان باشا، ومكتبة الملا عثمان الكردي، ومراد النقشبندي والسميساطية ومكتبة الياغوشية، ومكتبة الخياطين، والأوقاف، ومكتبة بيت الخطابة، تبعاً لما يذكره سجل المكتبة المطبوع في دمشق عام 1299هـ.

ميساء سليمان إبراهيم

وتقول ميساء سليمان إبراهيم مديرة قصر العظم بدمشق لـ”كيوبوست”: “تتألف المكتبة الظاهرية من بناءين، المدرسة العادلية الكبرى، التي كانت مقراً لمجمع اللغة العربية، ووضع أساسها السلطان نور الدين الزنكي منتصف القرن السادس الهجري، وأكمل بناءها الملك العادل، وسميت باسمه.

والمدرسة الظاهرية التي رغب الظاهر بيبرس أن يبنيها على طراز المدرسة الظاهرية في القاهرة، وقد تحولت المدرستان إلى مكتبةٍ عامة، وهي من أجمل ما بناه المماليك لأنها مشيدة بالحجر المنحوت والمنقوش بالكتابات، وعلى الأسقف توضّعت كوى مستديرة مملوءة بالزخارف الهندسية البديعة، كما ضمت قاعة ضريح القائد بيبرس، خزائن مصنوعة من المرمر وملونة بالفسيفساء.

باب المكتبة وتظهر عليه النقوش الاسلامية
عبد الوهاب أبو صالح

وخلال السنوات السابقة، تم نقل المخطوطات النادرة من المكتبة الظاهرية إلى مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، خوفاً عليها من التلف ونظراً لتوفر الشروط المناسبة لحفظ المخطوطات في المكتبة الوطنية. وحتى اليوم لا تزال المكتبة الظاهرية مرجعاً رئيسياً لطلاب الجامعة والعاملين في إعداد رسائل الماجستير والدكتوراه والأبحاث. ويضيف الدكتور أبو صالح: “في المدرسة ثلاث قاعات دراسية وبحثية، هي: قاعة الأمير مصطفى الشهابي، وقاعة الشيخ طاهر الجزائري، وقاعة خليل مردم”.

ويتابع أبو صالح: “تُعدّ المقرنصات الزخرفية المنفّذة على مدخل المدرسة، زينة بديعةً وفريدةً من نوعها، وقد أكسبتها تقنية الأبلق (التناوب بين الحجارة البيضاء والسوداء) جمالية خاصة، حيث يعدّ الأبلق من أهمّ سمات العمارة في العهد المملوكي، كما حوى محراب التربة على عناصر تزيينية رخامية غاية في الجمال والروعة. أمّا رواق المدرسة، وباحتها، وبركة (البحرة) الصغيرة، فتعدّ أنموذجاً متّبعاً في عمارة البيوت الدمشقية”.

المقرنصات الزخرفية المنفّذة على مدخل المدرسة

ولا يمكن الفصل بين المكتبة الظاهرية والمدرسة الظاهرية، فقد قام بالتدريس فيها الشيخ رشيد الدين الفارقي حتى وفاته، خلفه الشيخ علاء الدين بن بنت الأعز، ثم الشيخ صفي الدين قاضي القضاة وكمال الدين بن الزملكاني.

كما يذكر كتاب “الدارس في تاريخ المدارس” لعبد القادر بن محمد النعيمي الدمشقي. وعن المكتبة تقول مديرة قصر العظم بدمشق: “إنها أقدم مكتبة أثرية في بلاد الشام، تضم بين خزائنها حوالي 72 ألف كتاب، و85 ألف مجلة قديمة، و13 ألف مخطوطة نادرة، أقدمها كتاب “المسائل” لأحمد بن خليل المنسوخ سنة 260 هجرية”.

قاعة داخل المكتبة

وتقسم المكتبة إلى مجموعة أقسام، قسم المطبوعات، قسم المخطوطات، قسم البصريات، قسم التصوير.

ويقول أنور درويش مدير المكتبة الظاهرية: “في نهاية القرن التاسع عشر لاحظ الشيخ طاهر الجزائري أن المخطوطات والأصول الخطية القديمة، يمكن أن تصاب بالتلف أو تضيع، فخرج بفكرة جمع الأصول، ثم قام بجولة على مساجد دمشق طلب فيها من المهتمين جمع ما لديهم من مخطوطات للاحتفاظ بها في المكتبة، وقد خصص لأجل ذلك خزانة فوق ضريح الملك الظاهر بيبرس. ثم توالت الإهداءات إلى المكتبة من سوريا والدول العربية. واليوم يوجد في المكتبة أندر المخطوطات التي تعود إلى أكثر من ألف عام مضت”.

رغم أن هولاكو دمر بغداد وحرق مكتباتها ورمى مخطوطاتها في نهري الفرات ودجلة، ليبدأ ما يُعرف بعصر الانحطاط عام 1258م، إلا أن استمرار المكتبة الظاهرية، ومثيلاتها العربيات، كان الدليل الأكبر على أن هذه الأمة لم تفقد الذاكرة، ولن تموت.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

زيد قطريب

كاتب وصحفي سوري