الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

المقاهي مصابة بالزهايمر والأمكنة بلا ذاكرة!

كيوبوست- زيد قطريب

الطريق من ساحة الأمويين إلى منطقة الربوة بدمشق، دربُ خيال. فرغم أن وادي بردى ليس “وادي عبقر”، إلا أن محمد الماغوط كان يكتب الشعر هنا، في مقهى “أبو شفيق”، حيث تبدّل المكان كثيراً فأصبح مطعماً بدرجة خمس نجوم، بعد أن كان مقهى شعبياً يقدم القهوة السادة والشاي الخمير.

نسأل القائمين على المكان، هل احتفظتم بطاولة الماغوط وكرسيه، حتى يكون مَعْلماً للزوار والمهتمين؟ فيستغرب الموجودون ويتساءلون من هو الماغوط؟ لقد تم بيع المقهى لعدة مالكين، وأثناء تبادل المعاملات حلّت كراسي المخمل مكان كراسي الخيزران، وطاولات البللور، مكان مناضد الخشب، والناس اليوم مشغولون بالتهام “البرغر” مع “العصائر”، عوضاً عن فناجين القهوة المحمّصة مع الهيل. فمن هو الماغوط أيها السادة؟ وهل ارتكب إثماً حتى أتيتم تبحثون عنه؟

مقهى “أبو شفيق”- كيوبوست

يتوجس صاحب المكان من الكاميرا، ويستحلفنا بالله مصارحته إن كنا موظفين في البلدية نتابع المخالفات في منطقة المطاعم! فنقسم أن اقتفاء الأثر والبحث عن الذاكرة، هو ما دفعنا للقدوم إلى “الربوة”. يعتقد مالك المطعم أن مسّاً من الجنون قد أصابنا، ونحن نتحدث إليه عن قصيدة النثر ومسرحية “كاسك يا وطن” وفيلم “الحدود” اللذين كتبهما الماغوط.

بالقرب من المقهى، هناك صخرة شهيرة اسمها “اذكريني”، كتبها أحد المتيّمين قبل أن يرمي نفسه من أعلى ويموت. لكن رغم الخط العريض الذي كُتبت به كلمة “اذكريني”، إلا أن المكان يبدو مليئاً بالنسيان.

صخرة “اذكريني”- كيوبوست

نترجّل عن سفح جبل قاسيون، وتبدو الصخور البيض التي تكلل التلال العالية، أكثر لمعاناً. كأن الجبال شاخت وأصيبت بالزهايمر.

نتجه إلى مقهى “الهافانا” وسط المدينة، مكان اجتماع المثقفين والسياسيين منذ أربعينيات القرن الماضي. إنه الشقيق التوأم لمقهى “الفيشاوي” في القاهرة، لكنه تغير كثيراً، فلا أثر لبدر شاكر السياب وأحمد عبد المعطي حجازي والجواهري. نسأل المصور والفنان جورج عشّي عن الأصدقاء الرواد، فيقول ماتوا جميعاً! وبالطبع، فإن صاحب المقهى لن يحتفظ بأشيائهم، ولن يخصص باب رزقه ليصبح مقهى للموتى!

مقهى “الهافانا”- كيوبوست

مرض الزهايمر الذي يصيب الأمكنة والبشر، انتقل بالعدوى إلى مقهى “البرازيل” و”الكمال”، فلا نعثر هناك على زكريا تامر أو أدونيس أو نزار قباني. الأمكنة أصبحت فارهةً أو خلعت جلدها لتتفرغ للعب الورق وطاولة الزهر وتدخين النرجيلة، هذا ما يؤكده مشهد الكتب المعروضة على الرصيف بالقرب من مقهى “الهافانا”.

مقهى “الكمال”- كيوبوست

يحط بنا الرحال في مقهى “الشرق الأوسط”. هنا تبدو البلد فارغة تماماً من الندماء والصُّحبة، فقط كبار السن والتائهون الذين لا يملكون أمكنة بديلة، يأتون كي يطلّوا من الطابق الثاني على شارع الثورة المزدحم بالبسطات والحافلات والناس الغرباء. يقولون: لكل شخصٍ وشيءٍ من اسمه نصيب، وهذا المقهى لبسَ اسمه تماماً، كأنه فُصّل لأجله بالضبط! تُرى هل تكون عبارة “الشرق الأوسط” دليلاً على النسيان؟

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

زيد قطريب

كاتب وصحفي سوري

مقالات ذات صلة