الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

المفكر اليمني أبوبكر المشهور… رائد “فقه التحولات”

توفي العلامة والمفكر الإسلامي أبوبكر العدني بن علي المشهور، بعد حياة حافلة بالعطاء وغزارة الإنتاج في مختلف المجالات

كيوبوست – منير بن وبر

يُعد المفكر اليمني، أبوبكر بن علي المشهور، أحد أبرز رموز العلم في حضرموت، واليمن عموماً، وقد عُرف برصانته وفصاحته وعمق فكرته، وهو ما تجلى في مؤلفاته العديدة. كما تميز أسلوبه الخطابي بالهدوء وسلاسة اللغة، والجمع بين بساطة لهجة أهل حضرموت، ورنين لهجة أهل عدن.

ينحدر أبوبكر المشهور من أسرة آل باعلوي الحضارمة، وهي أسرةٌ عريقة ذات مكانة عالية في حضرموت، جنوب شرق اليمن، والبلاد عموماً. لكنه وُلد ونشأ بمحافظة أبين، حوالي 200 كيلومتر شرق عدن، وذلك قبل أن يهاجر إلى المملكة العربية السعودية، حيث قضى أكثر من عقد من الزمن، ليعود بعد ذلك إلى اليمن.

اقرأ أيضاً: عبدالرزاق قرنح.. التنزاني الذي انتزع نوبل بروح “حضرموت”

أنشأ أبوبكر المشهور عشرات المعاهد التربوية التعليمية، والمراكز التعليمية والمهنية، ومراكز الدراسات والأبحاث في أنحاء اليمن. وألف عشرات المؤلفات في الفِكر، والتربية، وفقه الدعوة، والتاريخ، والتراجم والسِيَر، والفقه. كما يقول المشهور الشِعر، ويتناول بعض المواضيع الاقتصادية، وله في ذلك قصائد شعرية مجموعة في ديوان “المورد العذب”، وبرنامج تلفزيوني بعنوان “أزمة عصر”.

وليست تلك الصفات غريبة على الكثير من علماء ومفكري حضرموت الذين يتميزون بسعةِ اطلاعهم وتنوع اهتماماتهم، بما في ذلك حب السفر والهجرة، وهي تجارب تضيف الكثير من المعارف والخبرات، وتمكن من مشاهدة ومعايشة أحوال الناس.

وللمفكر “أبوبكر المشهور” الكثير من الرحلات الخارجية إلى السعودية ومصر والشام وسريلانكا، وغيرها من البلاد، بما في ذلك الأردن، حيث وافته المنية، يوم الأربعاء، بعد وعكة صحية.

أبوبكر المشهور يلقي محاضرة- وسائل التواصل الاجتماعي

فِكره وأطروحاته

لطالما قال المفكر أبوبكر المشهور إن على الداعية أن يقدِّم ما هو جديدٌ في خطابه؛ لكثرة ما هو موجود أصلاً من خطابات ومعارف وعلوم، تصبح أكثر تيسيراً يوم بعد آخر. ثم على المتلقي بعد ذلك، اختيار أحسن ما في ذلك الحديث. ولعل هذا يبرر حرص المشهور على تقديم خطابٍ وفكر حيوي وعميق، مستفيداً من سعة اطلاعه وبلاغته؛ حيث درس اللغة العربية في عدن، وتلقى العلوم الشرعية على يد أبيه قبل ذلك، ثم من خلال العلماء في الحجاز، حيث مكث اثني عشر عاماً.

اقرأ أيضاً: أثر البيئة الإسلامية والتصوف في شعراء حضرموت

وضع المشهور عدداً من الأفكار والإسهامات، وانتقد بعض الأفكار المتداولة ومصححاً لها. من ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- إضافة “العلم بعلامات الساعة” كركنٍ رابع إلى أركان الدين الثلاثة (الإسلام، والإيمان، والإحسان). كما دعا إلى تصحيح الأفكار النمطية، واقترح بدائل عنها، مثل: العقل السليم في القلب السليم (وليس الجسم السليم)، والغاية تقرر الوسيلة (ولا تبرر الوسيلة)، والإنسان قبل البنيان، والمعلم قبل المنهج، والتربية قبل التعليم.

مؤلفاته

عُرف أبوبكر المشهور بغزارة الإنتاج؛ إذ يُنسب إليه عشرات المؤلفات في مختلف المواضيع والفنون، كالتربية والتاريخ والتراجم والسير واللغة والسلوك. إضافة إلى ما عُرف به بشكلٍ خاص من “فقه التحولات”، وشملت مؤلفاته في هذا الجانب “التليد والطارف”، و”النبذة الصغرى”.

في كتابه “التليد والطارف” يقول أبوبكر المشهور “الشأن كل الشأن في الاعتدال، فالبنيان الإسلامي خير كله، وإذا ما فات على الأمة فقه التحولات، وأشراط الساعة، فلا مجال لنسف بنيان الأمة في أركانها الباقية، والخير كل الخير في حسن التناول للقضايا العلمية، ومعالجة الأمور من خلال حاجتنا للإصلاح”.

يتضح من خلال هذا الجزء اليسير من كلام المشهور منهجه الذي عُرف به، وهو الاعتدال وعمق الفكرة والمرونة، والإتيان بما هو جديد مفيد من دون استهانة أو تحقير لمنجزات السلف، فأبوبكر المشهور “خادم السلف” كما يُلقب.

من مؤلفات المشهور “التليد والطارف”- موقع أبوبكر المشهور

محبته للعلم والعلماء

ولـ “المشهور” سلسلة من 15 كتاباً تتناول سير الكثير من العلماء من حضرموت بعنوان “سلسلة أعلام حضرموت”. وهو مشروعٌ يدل على اهتمام المشهور ووفائه للعلم والعلماء والتاريخ؛ إذ لطالما شدَّد في خطابه على وجوب اعتناء الفرد بعلمه وبناء مهاراته لخدمة المجتمع والوطن بطريقته.

في تلك السلسلة، تناول المشهور سيرة عدد من العلماء الحضارمة والشخصيات التي لعبت أدواراً مهمة في تاريخ البلاد، رجالاً ونساء. من الشخصيات التي تناولتها السلسلة أحمد بن عيسى المهاجر، وهو من يرجع إليه أصول السادة آل باعلوي، وفروعهم جميعاً، والذي هاجر من موطنه العراق إلى حضرموت؛ موصلاً بذلك أسرة آل البيت إلى حضرموت لأول مرة.

كما تناول سيرة محمد بن علي باعلوي، والذي يلقب بـ “الفقيه المقدم” و”الأستاذ الأعظم”، وهو “أول من حمل لواء التصوف في حضرموت، وحوَّل به مجرى الحياة الفكرية خلال عصره وما تلا من العصور بعد ذلك”، كما يقول أبوبكر المشهور في كتاب “الأستاذ الأعظم الفقيه المقدم”.

اقرأ أيضاً: بين المساجد والمجتمع في حضرموت.. حكاية تروى

كما كتب أبوبكر المشهور عن الإمام الشيخ سعيد بن عيسى العمودي، الذي يُنسب إليه المشايخ من آل العمودي، الأسرة المرموقة في حضرموت، وكتب عن الإمام الشيخ عبد الرحمن السقاف الذي يُنسب إليه آل السقاف، ولقِّب بهذا اللقب لغزارة علمه حتى أصبح كـسقف البيت بالنسبة للعلماء لكثرة علمه، وعلو منزلته. كما كتب عن الشيخة سلطانة الزبيدية، وغيرهم من أعلام حضرموت.

من سلوكه ومواقفه

لا يمكن اختزال سيرة مفكر مثل “أبوبكر المشهور” في أسطر قليلة، لكن يمكن الإشارة إلى شيء يسير جداً -لا يفي بمقامه- فقط من باب الاستدلال على بعضٍ مما عُرف به من همة وعزيمة. فكما يحكي الشيخ والداعية المعروف الحبيب الجفري -في محاضرة عن أهمية الهمة في العلم والدعوة- دعا الجفري يوماً أبا بكر المشهور لإعطاء دروسٍ في منزل والده، وكانت الفكرة أن يُدعى لهذه الدروس من لا يعتادون المجالس.

جذبت الفكرة والدروس التي ألقاها المشهور أعداداً كبيرة في البداية، ثم بدأت الأعداد تتناقص حتى وصلت في أحد الأيام إلى خمسة أشخاص! وكما يحكي الجفري “في يوم من الأيام التفت فلم أجد حولي إلا خمسة… فشعرت بخجلٍ شديد من الشيخ.. فلما لاحظ ذلك في وجهي، قال لي اقرأ.. لو لم يبق في الدرس إلا أنا وأنت فسنستمر، فإذا به يشرح شرح الخريت (أي الحاذق الماهر)”.

أبوبكر المشهور، في الوسط- وسائل التواصل الاجتماعي

في تاريخ حضرموت الكثيرُ من العلماء والمفكرين، بعضهم من استقر في البلاد عالِماً ومتعلماً ومعلماً، وبعضهم من حمل الدعوة والعلم وما يفرضانه من سلوكٍ حَسن إلى خارج البلاد؛ فأسلمت على أيديهم جماعات غفيرة في جنوب وجنوب شرق آسيا، مثل إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة.

وبالرغم من كل ما أضافه أعلام حضرموت إلى العلم والأمم والشعوب الأخرى، فإن حظهم من الشهرة، ومعرفة واعتراف الناس بهم، وبإنجازهم، لا يزال أقل بكثير مما يستحقون، ولا ندري أهو بسبب تواضع الحضارم المعروف عنهم كثيراً، أو بسبب زهدهم.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة