الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
المغرب يواجه خطط إيران لنشر التشيع في الغرب الإفريقي
تحسين ظروف عيش المواطنين الأفارقة يعتبر صوناً لهم من الارتماء في براثن التشيع الإيراني

كيوبوست – حسن الأشرف
عوامل كثيرة تدفع المغرب إلى النظر بعين الريبة والحيطة والحذر من مخططات إيران داخل القارة الإفريقية؛ ليس فقط بسبب العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين الرباط وطهران منذ سنوات، واتهام المغرب لإيران بدعم جبهة البوليساريو (التي تطالب بانفصال الصحراء عن السيادة المغربية)، ولكن أيضاً بالنظر إلى محاولات حثيثة لإيران في نشر التشيُّع؛ لا سيما في منطقة غرب إفريقيا.
ولا يخفي المغرب توجسه مما يسميه الأطماع الإيرانية في الغرب الإفريقي عبر نشر المذهب الشيعي؛ وهو ما جعله يطرح في أكثر من مرة موضوع توطيد الأمن الروحي للقارة الإفريقية كإحدى الأولويات التي تروم التصدي لأطماع طهران في القارة السمراء؛ خصوصاً أن المغرب شيد في إفريقيا خزاناً روحياً كبيراً عبر ترويج نموذجه الديني القائم على الاعتدال والتصوف.
اقرأ أيضاً: تفاصيل جديدة: ما وراء قطع المغرب علاقاته بإيران
وسبق لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، قبل بضعة أسابيع، أن شدد على كون إيران تحاول الدخول إلى غرب إفريقيا لنشر المذهب الشيعي، وأن الأمن الروحي للمغاربة والقارة الإفريقية يعتبر من بين الأولويات للتصدي للأطماع الإيرانية في القارة.
وعرفت العلاقات الثنائية بين الرباط وطهران توتراً غير مسبوق بلغ حد إعلان المغرب قطع علاقاته مع إيران سنة 2018؛ بسبب اتهامه المباشر لها بكونها تدعم عسكرياً جبهة “البوليساريو” من خلال عناصر من “حزب الله” في لبنان.
“تصدير الثورة” و”إعادة فتح مكة”

ولفهم خلفيات ودوافع طهران لأن تبحث عن موقع قدم في القارة بنشر المذهب الشيعي، اتصل موقع “كيوبوست” بالدكتور أحمد نور الدين، الخبير في القضايا الدولية والاستراتيجية، الذي قال إنه يتعين بداية الرجوع إلى سنة 1979، تاريخ قيام ثورة الخميني؛ فقد رفعت إيران شعارَين محوريَّين “تصدير الثورة” و”إعادة فتح مكة”.
ويكمل نور الدين: “إذا كان الشعار الأول عنواناً لإرادة الهيمنة والتوسع تحت غطاء أيديولوجي ديني، فإن الشعار الثاني يعتبر عنواناً للطائفية التي تبنتها أيديولوجية (ولاية الفقيه) والتي تحمل في طياتها تكفيراً وإقصاء للمذاهب والطوائف الأخرى الموجودة داخل حدود إيران ذاتها، ومنها جزء كبير من السُّنة في إقليم عربستان الذي تم تغيير اسمه وتغيير حتى بنيته السكانية في ما يشبه تطهيراً عرقياً واجتثاثاً للعرب من هذا الإقليم”.
اقرأ أيضاً: رمال الصحراء تُغرق العلاقات المغربية- الإيرانية في “بحر القطيعة”
ويسترسل المحلل ذاته: “من هذه الزاوية الأيديولوجية، حاولت إيران توسيع نفوذها في عدة مناطق عبر العالم؛ ومنها إفريقيا، وذلك لتحقيق مكاسب جيوسياسية واقتصادية في آن واحد؛ حيث كان الهدف الرئيس هو تقوية الموقع الجيوسياسي لإيران واستعمال الأقليات الطائفية كأوراق تكتيكية متعددة الاستعمالات”.
أقل هذه الأوراق التكتيكية، وفق أحمد نور الدين، تحقيق مصالح اقتصادية وتجارية وثقافية، وأوسطها ابتزاز الدول المعنية من خلال معارضة سياسية موجهة ومتحكم فيها عن بعد، وأعلاها فتح جبهات عسكرية عند الضرورة كما يحدث في اليمن والعراق ولبنان وسوريا؛ بهدف تعزيز الموقف التفاوضي لإيران مع القوى الدولية والإقليمية، وتخفيف الضغط عنها، وإذا سنحت لها الفرصة تحقيق حلم الخميني وإقامة كونفيدرالية طائفية تمتد عبر كل هذه الجغرافيا المتحركة.

إحياء الطائفية
ولفت الدكتور أحمد نور الدين إلى أن “طهران انطلقت في الاشتغال على مسارات متوازية ومكملة لبعضها البعض”، مبرزاً أن “نشر التشيع في غرب إفريقيا مثلاً استند في بداية المشروع الإيراني إلى الأقليات اللبنانية ذات المذهب الشيعي التي كانت منتشرة هناك”.
وتابع نور الدين تحليله: “يلتقي هذا التوجه في سياسة إيران مع إحياء الطائفية لدى الأقليات العربية؛ وعلى رأسها لبنان، نظراً لظروف الحرب الأهلية في هذا البلد والتي سمحت لطهران بالتستر خلف قناع المقاومة”.
اقرأ أيضاً: هل ستكون الجزائر بوابة إيران لبسط نفوذها في المغرب العربي؟
واسترسل الأستاذ الجامعي بأنه “باسم المقاومة تم استدراج الكثيرين من دول عربية أخرى إلى شرك الطائفية؛ إما بداعي التدريب على السلاح وإما للتمويل وتوفير جوازات السفر والغطاء للتحرك في مناطق مختلفة من العالم”.
وحسب نور الدين: “كان لبنان منطلقاً أو قاعدة ليس نحو إفريقيا وحدها؛ بل نحو الدول العربية التي بها وجود طائفي، مثل العراق واليمن والبحرين، ثم بعد ذلك تمدد الفكر الطائفي والأخطبوط التنظيمي نحو دول لم تكن بها أقليات شيعية؛ مثل مصر والمغرب والسنغال ونيجيريا والسودان وغيرها؛ استعملت فيها أساليب وتكتيكات مختلفة، بما في ذلك المنح الجامعية واختراق الجالية والمغتربين في أوروبا، ودور النشر والمجلات القادمة من لبنان، والمحطات الفضائية..”.
إنشاء الدولة الإسلامية العالمية

ومن جهته، يرى الدكتور أحمد موسى، الباحث في الشأن الإيراني، أن” الثورة الإسلامية الإيرانية سنة 1979 أحدثت تحولاً جذرياً في السياسة الخارجية؛ قياساً بما كانت عليه في عهد (الشاه)”، مورداً أن “الساسة الإيرانيين الجدد جعلوا من نشر التشيع وتصدير الثورة هدفاً وغاية من إقامة العلاقات مع دول العالم الثالث، ومن جملتها الدول الإفريقية”.
ويؤكد موسى، في حديث مع “كيوبوست”، أن هذه السياسة تعد ترجمة فعلية لتصور قائد الثورة الإسلامية في إيران، آنذاك، آية الله الخميني، الذي اعتبر أن تأسيس ولاية الفقيه في إيران ما هو إلا خطوة أولى تجاه إنشاء الدولة الإسلامية العالمية، وحثَّ المسؤولين في بلاده على دعم “المستضعفين” وحركات التحرر عبر العالم وتحرير البشرية بأكملها.
اقرأ أيضاً: جهود حزب الله وإيران لنشر التطرف في إفريقيا
وذهب المحلل عينه إلى أن “نشر التشيُّع وتصدير الثورة في إفريقيا هما اللبنة الأولى لإقامة هذه الدولة، ولعل هذا ما يفسِّر رفض الخميني الإقرار بالحدود الجغرافية في ما بين الدول، واعترافه فقط بما سماه بالحدود الأيديولوجية، وتقسيمه العالم إلى معسكرَين؛ مستكبرين ومستضعفين”.
واعتبر الأستاذ الجامعي أن “المتتبع لأنشطة إيران في القارة السمراء يجد آثار هذا المخطط ماثلة للعيان في الكثير من دول القارة؛ حيث استغلت إيران الهشاشة وسوء الأوضاع الاقتصادية بهذه البلدان لتبرم معها اتفاقيات ظاهرها اقتصادي وتجاري وإنساني؛ لكنها في العمق نشرٌ للتشيُّع وترويجٌ له تمهيداً لتحقيق الأهداف المعلنة، فشرعت في إرسال الوفود السياسية والثقافية والمذهبية إلى هذه القارة واستقبال وفود هذه الأخيرة على أرضها؛ لتعبئتهم وإعدادهم لنشر المذهب الشيعي بين بني جلدتهم”.

المغرب يحارب الخطط الإيرانية
وأبرز الدكتور أحمد موسى أن السياسة التي تنتهجها إيران في الدول الإفريقية؛ ومنها دول غرب إفريقيا، تأتي ضداً على إرادة حكامها، وضرباً لقيم التفاهم والتعايش، وزعزعة للاستقرار الروحي لشعوب هذه المنطقة.
واستحضر الخبير ذاته “تجربة المغرب مع إيران في هذا الخصوص؛ إذ رغم تنصيص مذكرة التفاهم بينهما على قيم الأخوة والمساواة والتعاون والثقة والاحترام المتبادل لحق السيادة والحفاظ على وحدة الأراضي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين، واحترام الأمن الروحي للمغاربة؛ فإن سلوك إيران نحى عكس ذلك في خرق سافر للاتفاقيات والمعاهدات المبرمة”.
اقرأ أيضاً: إيران تلعب لعبة القط والفأر وتبحث عن أهداف جديدة في إفريقيا
وتابع موسى: “كان المغرب واعياً بحقيقة الأطماع الإيرانية في القارة الإفريقية، ولهذا حسم موقفه واعتبر أن الأمن الروحي للمغاربة هو جزء لا يتجزأ من أمن الأفارقة، وجعل من أولويات علاقته بالقارة السمراء، التصدي للأطماع الإيرانية”.
ووَفق المحلل “إن المغرب، بما يتمتع به من ريادة وثقة وعمق تاريخي في إفريقيا، وبما تربطه من صلات روحية ووحدة المذهب بالكثير من دولها، خصوصاً دول غرب إفريقيا، بإمكانه التصدي لهذه المخططات؛ لكن شريطة تفعيل كل الأدوات التي يمتلكها، وعلى رأسها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة المنوط بها الحفاظ على الروابط الروحية بين المملكة وبين غرب إفريقيا، والتي ينتظر منها أيضاً القيام بدور التوجيه وتوعية المسلمين الأفارقة بخطر التشيع وتحصينهم ضد كل الأفكار والأيديولوجيات المخرِّبة”.
وخلص موسى إلى أن “جميع هذه الجهود لن تكفي إذا تم إغفال الاهتمام بالتنمية المحلية وتحسين ظروف عيش المواطنين الأفارقة؛ صوناً لهم من الارتماء في براثن التشيع، وأن يصبحوا أذرعاً لأجندات خبيثة وأدوات لأجندة إيران في بلدانهم”.