الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

المغرب: مسيحيون يطالبون بحرية العبادة.. والسلطات تؤكد التزامها

إذا كانت مطالب المسيحيين المغاربة واضحة وخرجت إلى العلن.. فإن الشيعة المغاربة وأقليات أخرى يكتفون بالتواري في كثير من الأحيان

كيوبوست – حسن الأشرف

يحاول المغرب جاهداً تقديم نفسه على أنه بلد يحترم حقوق “الأقليات الدينية”، ويضمن حرية ممارستها شعائرها الدينية، سواء أكانوا يهوداً أم مسيحيين بالخصوص، بينما ما زالت “أقليات دينية” أخرى تزاول عقائدها الدينية “سراً”؛ مثل مسيحيين مغاربة، أو “تقية”؛ مثل الشيعة المغاربة.

ويتلقى المغرب إشادات سنوية من لدن الولايات المتحدة الأمريكية بشأن التقدم في مجال حريات “الأقليات الدينية”، كما أن أعلى سلطة في البلاد تعلن في كل مناسبة سانحة أنه “لا مبرر لهضم أي حق من حقوق الأقليات الدينية”.

اقرأ أيضاً: من الخليج إلى المحيط .. ميثاق عالمي للتسامح وحماية الأقليات

إشادات أمريكية

وتضمن آخر تقرير رسمي لوزارة الخارجية الأمريكية حول “الحريات الدينية” سنة 2021، إشادة لافتة حيال بعض المبادرات التي أطلقها المغرب، ومكنت من تسجيل تقدم ملحوظ في مجال الحريات الدينية.

ووَفق التقرير الأمريكي، أطلقت الرباط، العام الماضي، مبادرة تهدف إلى تجديد مواقع التراث اليهودي؛ مثل دور العبادة والمقابر، وإدراج التاريخ اليهودي في المناهج الدراسية المغربية، كما أن العاهل المغربي الملك محمد السادس، قام بمبادرة تهدف إلى تأهيل مواقع التراث اليهودي؛ لا سيما مئات المعابد والمقابر اليهودية في عدة مدن.

الملك يعتني باليهود المغاربة

وتطرق تقرير الخارجية الأمريكية إلى قرار المغرب بتعديل المناهج والمقررات التعليمية؛ من أجل أن تشمل التراث اليهودي وتاريخ الدولة العبرية، كما أثنى على حرص المملكة على ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية، مشيداً بدور مؤسسة إمارة المؤمنين في البلاد التي تحمي الإسلام، وترعى حقوق وحريات الأقليات الدينية.

وأغلب المغاربة مسلمون بنسبة تصل إلى 99 في المئة، وَفق التقرير الأمريكي، وأقل من 0,1 في المئة من السكان شيعة، ونفس النسبة بالنسبة إلى المسيحيين واليهود والبهائيين، بينما عدد اليهود بالمملكة يبلغ 3500 شخص؛ منهم 2500 بمدينة الدار البيضاء، وأما عدد المسيحيين فيتراوح بين ألفين وستة آلاف مسيحي في أرجاء البلاد.

اقرأ أيضاً: حاييم سعدون: إنكار الهولوكوست غير مقبول.. والمغرب يعتبر اليهود أبناء

رعاية ملكية

وسبق للمغرب أن نظَّم، في خطوة لافتة ومثيرة، مؤتمر الأقليات الدينية سنة 2016، تحت رعاية مباشرة للملك محمد السادس الذي حرص على بعث رسالة إلى المؤتمر، قال فيها “إننا في المملكة المغربية لا نرى مبرراً لهضم أي حق من حقوق الأقليات الدينية، ولا نقبل أن يقع ذلك باسم الإسلام، ولا نرضاه لأحد من المسلمين”.

جانب من مؤتمر الأقليات الدينية بمراكش المغربية سنة 2016- (صورة: RT)

يقول ملك المغرب: “نضع على عاتقنا حماية حقوق المسلمين وغير المسلمين على السواء، نحمي حقوقهم كمتدينين بمقتضى المبادئ المرجعية الثابتة، ونحميهم كمواطنين بمقتضى الدستور، ولا نجد في ذلك فرقاً، حسب المقاصد والغايات”، مضيفاً: “نسير في تمكين المسيحيين المقيمين إقامة قانونية بالمغرب من أداء واجباتهم الدينية بمختلف طوائفهم وكنائسهم المتعددة، كما نعمل على تمتيع المغاربة اليهود بالحقوق نفسها المخولة للمسلمين بالدستور”.

اقرأ أيضاً: المغرب يحيي ذكرى “الهولوكوست”.. ذاكرة للتاريخ ودرس للمستقبل

مطالب مسيحيين

رسالة العاهل المغربي كانت بمثابة خارطة طريق في ما يتعلق بحماية حريات الأقليات الدينية؛ إذ ركز على اليهود المغاربة الذين بالفعل يتمتعون بالحقوق كافة، ويمارسون شعائرهم دون أدنى تضييق، كما ذكر الملك المسيحيين الأجانب المقيمين في المغرب، والذين تضمن الدولة حقوقهم الدينية، غير أن الرسالة لم تشر إلى المغاربة الذين تحولوا من الإسلام إلى المسيحية.

ويرى فؤاد (مسيحي مغربي)، رفض الكشف عن هويته لدواع خاصة، في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، أن أكبر مطلب للمسيحيين المغاربة كان ولا يزال هو تفعيل حرية المعتقد الوارد في الفصل الثالث من دستور المملكة لسنة 2011، الذي يقول إن “الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية”.

مسيحيون مغاربة مجتمعون في أحد البيوت دون الكشف عن وجوههم- (مواقع التواصل)

ويضيف المسيحي المغربي أن هذا الفصل من الدستور لم يتحدث صراحةً عن حرية المعتقد، وأن هذا المطلب لا يزال بعيد المنال حالياً، مستدلاً بأنه يضطر إلى ممارسة شعائره وطقوسه الدينية خفية عن الأعين، وفقط بمعية رفقائه من المسيحيين المغاربة.

ويسترسل: “بخلاف المسيحيين الأجانب الذين تُفتح لهم الكنائس بشكل رسمي وتضمن لهم الدولة حرية الممارسة الدينية، فإننا نحن المسيحيين المغاربة لم نصل بعد إلى هذا المستوى، ونزاول شعائرنا الدينية في المنازل، وإذا ما أعلنا اعتناقنا المسيحية قد نتعرض إلى المتابعة القضائية بالنظر إلى القانون الجنائي المغربي”.

اقرأ أيضاً: قراءة في كتاب “المسيحيون والمواطنة في البلاد العربية”

ويعاقب الفصل 220 من القانون الجنائي في المغرب بالسجن بين 6 أشهر و3 سنوات مَن “استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى”، وهو قانون تطالب تنسيقية المسيحيين المغاربة بإلغائه؛ لضمان حقوق الأقليات الدينية، كما تطالب بزواج كنسي مسيحي أو زواج مدني، وحرية اختيار أسماء الأطفال المسيحيين، علاوة على الدفن في المقابر المسيحية وَفق طقوس الدفن المسيحي.

شيعة وبهائيون

وإذا كانت مطالب المسيحيين المغاربة واضحة وقد خرجت إلى العلن، فإن الشيعة المغاربة يكتفون بالتواري في كثير من الأحيان، كما لا يُعرف عددهم الحقيقي؛ هناك مَن يقدرهم ببضع مئات، ومَن يرى أن العدد يصل إلى عشرات الآلاف في البلاد.

شيعة مغاربة- (صورة: مواقع التواصل)

الباحث المتخصص في ظاهرة التشيع، إبراهيم الصغير، يرى في إحدى مقالاته البحثية أنه “ليس من السهل الوصول إلى العدد الحقيقي للمتشيعين المغاربة، في ظل تكتم العديد منهم عن إعلان تشيعهم وانتهاج التقية في تحركاتهم”.

وأما المناطق الجغرافية التي ينتشر فيها الشيعة المغاربة بشكل أكبر، فإن الباحث نفسه يرى أنهم تركزوا في البداية في أربع مدن؛ هي: الدار البيضاء ومكناس وطنجة وفاس، ولكن مع مرور الوقت اتسعت رقعة انتشارهم ليشمل وجودهم العديد من مدن المملكة، بينما المتشيعون خصوصاً في شمال المغرب “أصبحوا أكثر جرأة في الإفصاح عن تشيعهم، بعد سنوات من العمل السري وعقد (التجمعات الحسينية) في البيوت”.

اقرأ أيضاً: هل يستغل حزب الله المراكز الشيعية في أوروبا؟

وأما البهائية والأحمدية (القاديانية)، فلا يكاد يُسمع لها أثر في المغرب؛ ليس فقط لقلة أفرادها، وإن كان أطباء وكوادر في مناصب مهنية راقية قد صرحوا بأنهم بهائيون، بينما الأحمديون أعربوا عن استعدادهم لـ”الانخراط في مطالب الأقليات الدينية المغربية بترخيص قانوني”.

دور إمارة المؤمنين

ويعلق سعيد لكحل، الباحث المتخصص في الحركات الدينية، على الموضوع بالقول، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”، إنه “إذا استثنينا اليهود المغاربة والمسيحيين الأجانب، سواء أوروبيين أو أفارقة يمارسون شعائرهم بكل حرية وعلانية، فإن المغاربة المعتنقين المسيحية يجدون صعوبة في ممارسة شعائرهم التعبدية خارج منازلهم لاعتبارات قانونية بالأساس”.

سعيد لكحل

ويورد القانون الجنائي المغربي في الفصل 220، أنه “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مئة إلى خمسمئة درهم مَن استعمل وسائل الإغراء لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، وذلك باستغلال ضعفه أو حاجته إلى المساعدة أو استغلال مؤسسات التعليم أو الصحة أو الملاجئ أو المياتم”.

ويصف لكحل هذا القانون بأنه “نص فضفاض يشمل بالعقوبة البالغين المستقلين مادياً في حالة اعتنقوا المسيحية، وقد أُدين عدد منهم بنفس التهمة والقانون”، مبرزاً أنه “في السنوات الأخيرة، نهجت المحاكم المغربية مسطرة (حفظ الملف) في القضايا التي عرضت عليها والتي توبع فيها مغاربة بنفس الفصل ونفس التهمة”.

اقرأ أيضاً:  نموذج التدين المغربي يحارب التطرف بالتسامح وإمارة المؤمنين

ويكمل الباحث: “يراهن الحقوقيون على الحكومة لتقديم مشروع قانون جنائي عصري ينسجم مع الدستور ومع المواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب والمتعلقة بحقوق الإنسان”، متابعاً بأن “ما يشجع على ممارسة حرية الاعتقاد، أن المجتمع المغربي مجتمع منفتح ومتشبع بقيم التعايش ولا يعادي أو يعتدي على أتباع أهل الديانات الأخرى”.

ولفت لكحل إلى أن “المجتمع المغربي غير متأثر بفتاوى التكفير وحدّ الردة الذي يرفعه شيوخ التطرف في المجتمعات المشرقية ويجد له أنصاراً ومنفذين”، متابعاً بأنه “بفضل إمارة المؤمنين وسلطتها الروحية تراجعَ المجلس العلمي الأعلى عن فتوى سابقة له قدمها في إطار استشارة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقول بقتل المرتد؛ لهذا لا تعرف المحاكم المغربية دعاوى الردة ضد أفراد أو أقليات على النحو الذي يقع في مصر أو وقع في موريتانيا”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

حسن الأشرف

صحفي مغربي

مقالات ذات صلة