الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
المغاربة يدكون آخر حصون الإخوان المسلمين في المنطقة العربية
"خسارة مدوية للعدالة والتنمية"

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
بإعلان وزير الداخلية المغربي عبدالوافي الفتيت، صباح الخميس، 9 سبتمبر الجاري، نتائج الانتخابات التشريعية بالمملكة، التي تصدرها حزب التجمع الوطني للأحرار الليبرالي، بحصوله على 97 مقعداً، من أصل 396، بينما حلَّ حزب الأصالة والمعاصرة ثانياً بـ82 مقعداً، وحزب الاستقلال ثالثاً بـ78 مقعداً، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رابعاً بـ35 مقعداً، وحزب الحركة الشعبية خامساً بـ26 مقعداً، وحزب التقدم والاشتراكية سادساً بـ20 مقعداً، والاتحاد الدستوري سابعاً بـ18 مقعداً، بينما قبع العدالة والتنمية (إخوان مسلمون)، الذي تصدر القائمة الانتخابية لدروتَين متتاليتَين، في انتخابات 2011 و2016، ضمن أحزاب الذيل، محتلاً المركز الثامن بـ12 مقعداً، لا تتأخر عنه سوى بعض الأحزاب الصغيرة التي لا وزن لها، يكاد يصبح المشهد السياسي العربي خِلْواً من جماعة الإخوان المسلمين، التي تعرضت إلى هزائم قاسية، بُعيد صعودها المفاجئ إلى مراكز صنع القرار في عدة دول عربية عقب ما سُمِّي حينها بـ”الربيع العربي”.
اقرأ أيضاً: هل تطيح الانتخابات المغربية القادمة بـ”العدالة والتنمية”؟
وكان مراقبون تحدثوا إلى “كيوبوست”، في تقريرٍ سابق، توقعوا هزيمة حزب العدالة والتنمية، مقابل فوز حزب التجمع الوطني للأحرار الليبرالي، وأكدوا أن المغرب مقبل على مرحلة سياسية مُختلفة ستُعيد تشكيل الخريطة السياسية، وتبديل مراكز القوة، ولربما سيفضي ذلك إلى عودة “العدالة والتنمية” إلى المعارضة البرلمانية، بعد أن فقد حزب العدالة والتنمية شعبيته وقاعدته الجماهيرية، بسبب أدائه الضعيف وتصدعاته وانشقاقاته الداخلية الناجمة عن الخلافات بين قادته، التي أدت إلى جملة من الاستقالات الفردية والجماعية عن الحزب.
في ذيل القائمة
وفي السياق ذاته، لم يتمكَّن رئيس الوزراء والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد العثماني، وقادة كبار في الحزب الحاكم السابق، من المحافظة على مقاعدهم في مجلس النواب (البرلمان)؛ مما يُعد خسارة إضافية لجماعة الإخوان التي هيمنت على المشهد السياسي المغربي لعشرة أعوامٍ متتالية، لتخسر كل ذلك بضربة واحدة صباح الخميس الماضي، رغم أن نسبة المشاركة في انتخابات هذا العام (2021)، ارتفعت إلى 50.35% مقارنة بسابقتها (2016) التي استقرَّت في حدود 43%، فضلاً عن تنافس نحو 30 حزباً على أصوات نحو 18 مليون مغربي مسجلين بالقوائم الانتخابية.

ووفقاً لمراقبين، فإن الانتخابات الأخيرة اتسمت بالنزاهة والدقة، ولم تتخللها اتهامات بالتزوير أو التلاعب من قِبل الأحزاب المشاركة، رغم أن “العدالة والتنمية” أشار إلى شراء بعض الأحزاب أصوات الناخبين، وإلى حدوث ما سمَّاها بخروقاتٍ خطيرة؛ لكن دون تقديم أدلة ملموسة، ما اعتبر محض مناكفة سياسية للضغط على المُنافسين الرئيسيين.
وبناءً على هذه النتائج، فإن المتوقع أن يُكلِّف الملك محمد السادس، حزبَ التجمع الوطني بتشكيل حكومة جديدة للسنوات الخمس المقبلة، ويُرجح مراقبون أن يتولى عزيز أخنوش، الأمين العام للحزب الفائز، ورجل الأعمال، ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات منذ 2007، رئاسة الوزارة؛ التي ستُشكَّل في الغالب من ائتلافٍ للأحزاب الحاصلة على مراكز مُتقدمة في السباق الانتخابي الماضي.
اقرأ أيضاً: تناقض الجناحين السياسي والدعوي للإخوان المسلمين في المغرب بسبب التطبيع!
زمن أخنوش
ويُعد أخنوش أحد السياسيين ورجال الأعمال البارزين والمُقربين من الملك المغربي محمد السادس؛ الأمر الذي سيسهِّل على الحكومة المتوقعة تسيير مهامها، وتحقيق المزيد من التنمية ودعم الشرائح الفقيرة؛ خصوصاً في الساحل الجنوبي، الذي يمثل سكانه الثقل الانتخابي لأخنوش وحزبه.
يُشار إلى أن أخنوش لم يكن معروفاً في المشهد السياسي المغربي قبل عام 2003، تاريخ انتخابه رئيساً لبلدية سوس ماسة درعة؛ حيث برز اسمه كسياسيٍّ ذي توجهات ليبرالية محافظة، وإداري ورجل أعمال ناجح، الأمر الذي جعله يحصل على حقيبة وزارة الفلاحة عام 2007، وبعدها بتسعة أعوام أصبح الرجل أميناً عاماً لحزب التجمع الوطني للأحرار، خلفاً لصلاح الدين مزوار؛ إلا أن أخنوش اكتسب شهرته الحقيقية عندما تمكن من إدارة تحالفات مع بعض رموز حزب العدالة والتنمية، نتج عنها إطاحة رئيس الوزراء الأسبق عبدالإله بنكيران، وإحلال نائبه في الحزب، سعد الدين العثماني، مكانه.

وشهدت حقبة تولي أخنوش وزارة الفلاحة، وفقاً لتقارير متطابقة، أداءً جيداً أسهم في النمو الاقتصادي وزيادة الإنتاجية؛ لذلك يُعوِّل المغاربة على الحكومة القادمة أن تقدِّم أداءً أفضل من سابقتَيها، خصوصاً أن الحزب الفائز الذي يضم عدداً كبيراً من رجال الأعمال وكبار المسؤولين في الدولة، يحظى بدعم الملك محمد السادس، وفقاً للتقارير نفسها، فضلاً عن أن للحزب خبرة معقولة في إدارة الحكومة؛ حيث كان مشاركاً ضمن حكومتَي العدالة والتنمية بتولِّي وزارت مهمة، مثل الفلاحة والاقتصاد والمالية والصناعة والاستثمار، رغم أنه لم يحصل إلا على 37 مقعداً في مجلس النواب خلال انتخابات 2016، مقارنةً بـ125 مقعداً حصدها حزب العدالة والتنمية.
اقرأ أيضاً: هل سهَّل حزب العدالة والتنمية الغزو الثقافي التركي للمغرب؟
وقد وعد الحزب، خلال حملته الانتخابية، الشعبَ المغربي بإجراء إصلاحاتٍ مهمة؛ ضمنها رفع الحد الأدنى لأجور المدرسين إلى ما يعادل (840 دولاراً) بزيادة (200 دولار) عما كانت عليه، مع توفير مليون فرصة عمل للشباب، وصرف منح شهرية لكبار السن، وتطوير القطاع الفلاحي والسياحة والبنية التحتية للريف المغربي.

عودة الليبراليين
بالنسبة إلى الهزيمة الساحقة التي حاقت بحزب العدالة والتنمية (إخوان مسلمين)، الذي يصف نفسه بالحزب السياسي ذي المرجعية الإسلامية، فإن وضعه في صدر الساحة السياسية المغربية كان أمراً مطلوباً في فترة ما؛ حيث كان صعود تيارات الإسلام السياسي، عبر استخدامها الخطاب الديني العاطفي والمال السياسي، مستغلةً الفضاء الحُر الذي أنتجته ما عُرفت وقتها بثورات الربيع العربي، حيث بنى الحزب المغربي حساباته السياسية بعدم المشاركة في الاحتجاجات، مبرراً ذلك بأن أي تحوُّل وتغيير سياسي في المغرب لا يمكن أن يحدث دون موافقة القصر، وبالتالي تم دمجه، عبر اتفاق ضمني، في التسوية السياسية التقليدية؛ ما أتاح له الانخراط في الانتخابات البرلمانية بقوة دفع أكبر، حيث تمكن من الفوز بـ107 مقاعد برلمانية في انتخابات عام 2011، قافزاً من 47 في عام 2007، وهكذا تم تسكين فورة تيار الإسلام السياسي في المملكة عبر هذه التسوية، ما داموا ممتثلين إلى قواعد اللعبة السياسية المغربية.
اقرأ أيضاً: حكومة “العدالة والتنمية” المغربية ترضخ للمقاطعين: أخيرًا فهمتكم!
ويبدو أن تراجع تيارات الإسلام السياسي؛ وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في كل من الأردن ومصر والسودان، وتونس مؤخراً، كان له أثر بالغ في تقهقهر حزب العدالة والتنمية إلى ذيل المشهد الانتخابي المغربي، فضلاً عن أن انشغاله بأمور الحكم أفرز تنافساً حاداً بين أعضاء كابينته القيادية؛ ما نجم عنه انشقاقات أفقية ورأسية داخل الحزب أدَّت إلى إضعافه وتفككه، وبالتالي تراجعه الكبير، وخسارته المُدوِّية في الانتخابات الأخيرة؛ ما عدَّه مراقبون ومحللون ضربة موجعة لآخر تيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية.