الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
المطربة فيروز تثير جدلاً وتعيد فتح ملف حرية المعتقد في الجزائر
الحادثة فتحت أبواب السجال الأيديولوجي بين قوى إسلاموية تتخفى برداء الدفاع عن الثوابت الوطنية وتيار يريد التجديد

الجزائر- علي ياحي
لا يزال المد والجزر يسيطران على الشارع الجزائري، بخصوص تسبب بث أغنية المطربة اللبنانية فيروز على أمواج إحدى الإذاعات المحلية، في إقالة مدير ومذيعة؛ ففي حين اعتبر جمهور عريض أن البث هو السبب، أكدت الإدارة العامة للإذاعة الجزائرية أن إنهاء المهام لا علاقة له بما يتم تداوله.
وألهب قرار إقالة مدير إذاعة “قسنطينة” الجهوية بالجزائر، مواقع التواصل الاجتماعي والصحف المطبوعة والإلكترونية، وراحت فئات واسعة من الجزائريين؛ خصوصاً الأكاديميين والجامعيين، من أساتذة وطلاب، بالإضافة إلى فنانين وصحفيين وسياسيين، تفتح ملف الحريات الدينية في الجزائر، ليس بسبب الإقالة؛ ولكن بعد أن تم إرجاعها إلى بث أغنية “مسيحية” للمطربة فيروز.
اقرأ أيضاً: محاكمة باحث متصوف في الجزائر تعيد إلى الواجهة الصراع بين الإخوان والعلمانيين
وأثار القرار موجة تضامن واسعة مع الصحفيين “المطرودين”؛ حيث قال الروائي والإعلامي عبدالعزيز غرمول، في تدوينة على “فيسبوك”: “يا للمصيبة في هذا البلد؟ هل من قانون أو عرف يمنع إذاعة أغاني فيروز؟ وهل هناك قانون يمنع الأغاني والترانيم المسيحية عندما تكون في إطار فني؟”، وشدد على أن “هذا حال الكفاءات في هذا البلد الذي يطرد ويقيل كفاءاته ويرفع ويمجد تفاهاته”.
أما الكاتب والباحث منتصر أوبترون، فقد دون اعتذاراً للفنانة الكبيرة فيروز، بالقول: “عيوننا إليك ترحل”، وأضاف: “عفواً على ما بدا من السفهاء منا أيتها الفنانة العظيمة”.

سجال أيديولوجي
وفتحت الحادثة أبواب السجال الأيديولوجي والفكري بين قوى إسلاموية تتخفى برداء الدفاع عن الثوابت الوطنية والروحية والحضارية للبلاد، وتيار يريد التجديد في الأفكار والممارسات والانفتاح، كما أحيت موضوع الحريات الفكرية والأيديولوجية على الرغم من أن الدستور الجزائري داعم للحريات الفردية والدينية.
بالمقابل، رجح عديد من الأطراف أن يكون سبب الإقالة هو “تصفية حسابات”؛ بدليل أن هناك إذاعات أخرى في الجزائر تبث يومياً أغاني بلغات أجنبية تحمل في طياتها كلمات سيئة.
اقرأ أيضاً: لماذا يتسابق الجزائريون على بلوغ أوروبا بطريقة غير شرعية؟
أستاذ علم الاجتماع، مصطفى راجعي، أوضح في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، أن هناك تضارباً في المعلومات حول سبب توقيف مدير محطة “قسنطينة” وصحفية مذيعة، من قِبل مدير الإذاعة الوطنية.. هل كان ذلك بسبب خطأ في بث أغنية لفيروز تحوي غناءً كنسياً؟ أم أن الخطوة جاءت بناء على قرار سلطة الضبط التي استندت إلى عريضة قدمها محامون يقولون إن بث أغانٍ وصلوات مسيحية يوم الأحد في القناة الثالثة يخالف الدستور؟ وقال إنه في كلتا الحالتين يعتبر توقيف مدير وصحفية سابقة خطيراً وحدثاً صادماً وخرقاً للقوانين والأعراف الجزائرية في احترام التنوع الديني وحماية حق المعتقد للجميع حسب ما يؤكده الدستور.

من جانبه، شدد الإعلامي محمد دلومي، في حديث إلى “كيوبوست”، على أن هذا القرار الذي اتخذ في حق مدير محطة قسنطينة الإذاعية، كان قاسياً ومتسرعاً في نفس الوقت، وبغض النظر عن محتوى الأغنية التي تم بثها على أثير الإذاعة التي قيل إنها تتعلق بتمجيد المسيحية، فإن عزل المدير والصحفية من وظيفتيهما أمر مبالغ فيه، موضحاً أن المدير لا يتحمل مسؤولية اختيار الأغاني، ربما كمسؤول أول في المحطة هو يعنى بشؤون التسيير بصفة عامة والسهر على السير الحسن وعلى نوعية البرامج؛ لكن ليس من الممكن أن يكون على اطلاع بمحتوى هذه البرامج، وأضاف أن هذا الخطأ يتحمله الطاقم الذي كان موجوداً أثناء بث الأغنية؛ سواء تعلق بمذيعة البرنامج أو المنتج والمخرج، ورغم ذلك لا تصل الأمور إلى الفصل من العمل.

وتابع دلومي بأن مستوى الأداء الإعلامي لعب دوراً في هذا الخطأ، ربما حتى الصحفية والطاقم الذي كان معها لم يكونوا على دراية بأن بث هكذا أغنية تمجد الدين المسيحي، ستتسبب في هكذا لغط، وكان على المدير العام توجيه إنذار فقط على إثارة قضية لا طائل من إثارتها وربما قد تتحول إلى قضية سياسية ودينية، هذا إن لم تكن الفكرة كلها ذات أبعاد سياسية مدبرة الهدف منها إثارة النعرات وتحريك الرأي العام وخلق مشكلة من العدم، تم فيها استغلال مذيعة فترة أو المخرج أو أحد العاملين على الفترة.
اقرأ أيضاً: مع اقتراب الانتخابات البلدية.. انتكاسة إسلاميي المغرب تخيِّم على إخوان الجزائر
موقف رسمي
وفي خضم الجدل الحاصل، سارعت إدارة الإذاعة الجزائرية إلى إصدار بيان توضيحي، وقالت إنها تستغرب الحملة المشبوهة والمغرضة التي تطولها منذ يومين، والتي تهدف إلى تشويه سمعتها كوسيلة إعلامية عمومية وطنية عريقة ومحترمة، عبر بث أخبار كاذبة تسيء في الحقيقة إلى ناشريها، الذين لم يتحروا الحقيقة من المصدر قبل تداولها على صفحاتهم ومواقعهم وجرائدهم وقنواتهم، كما لم يحترموا وهم يقدمون على ذلك، أبسط قواعد المهنة وأخلاقياتها، وهم الذين تعوَّد بعضهم على ادعاء تقديم دروس للغير في ذلك.

وأضافت أن مدير إذاعة “قسنطينة”، لم يتم بأية حال من الأحوال إنهاء علاقة عمله مع الإذاعة، بل تم فقط إعفاؤه من مهامه، وأن القرار جاء تبعاً لتقرير أعده جهاز التدقيق ومراقبة التسيير في المؤسسة، الذي سجل اختلالات وأخطاء كثيرة في تسيير شؤون المحطة، وهو التقرير الذي ستترتب عنه موضوعياً إجراءات قانونية أخرى تحتفظ مصالح المؤسسة بحقها في عدم الإفصاح عنها، وأن المعني قد أُطلع على سبب إعفائه من المنصب عن طريق مسؤوله المباشر، مدير تنسيقية الإذاعات الجهوية.
اقرأ أيضاً: استخدام الإخوان للدين في السياسة يغضب الجزائريين.. وتبون يشدد “لا عودة لإسلاموية التسعينيات”
وتابعت الإدارة: “تكذب إدارة المؤسسة العمومية للإذاعة المسموعة قطعاً أية علاقة لإعفاء مدير المحطة ببث أغنية لأسطورة الطرب العربي فيروز، التي تُكِن لها الإذاعة الوطنية كل الاحترام والتقدير، كواحدة من أيقونات الأغنية العربية والعالمية، وتتشرف الإذاعة الجزائرية بكونها من بين الإذاعات العربية الأكثر برمجة لأغاني المبدعة فيروز، تقديراً لإبداعاتها واحتراماً لمواقفها المشرفة الداعمة لقضايا الأمة العادلة”.