الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دوليةصحة
المسنون أم العاملون الأساسيون.. مَن يجب أن يحصل على لقاح فيروس كورونا أولاً؟
مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها سيقرر قريباً أي المجموعات سيوصي بها.. والجدل يتزايد.. والولايات ستقرر مَن يجب أن يأخذ اللقاح أولاً

كيوبوست- ترجمات
مع الارتفاع الحاد في الإصابات بفيروس كورونا، ومحدودية كميات اللقاح الأولية، تواجه الولايات المتحدة خياراً صعباً. هل يجب أن يركز برنامج التلقيح الوطني في الأشهر الأولى على المسنين والأشخاص الذين يعانون حالات مرضية خطيرة، والذين يشكلون النسبة الأعلى في الوفيات بسبب الفيروس، أم على العاملين الأساسيين الذين يشكلون فئة كبيرة تشمل الأمريكيين الذين يتعرضون إلى أكبر احتمالات الإصابة؟
من شبه المؤكد أن العاملين في القطاع الصحي وكبار السن الأكثر ضعفاً -المقيمين في مراكز الرعاية الصحية- سيحصلون على أول اللقاحات وفقاً لإرشادات مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، والتي صدرت يوم الثلاثاء الماضي. ولكن مع اقتراب إطلاق عملية إعطاء اللقاحات هذا الشهر يتزايد الجدل بين مسؤولي الصحة الفيدراليين ونظرائهم في الولايات حول مَن ستشمل المجموعة التالية.
وفي نهاية المطاف، فإن الخيار هو بين منع الموت أو الحد من اتشار الفيروس والعودة إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية. يقول الدكتور سكوت غوتليب؛ المفوض السابق لإدارة الأغذية والعقاقير: “إذا كانت الغاية هي الحفاظ على حياة الناس، عندها يجب توجيه اللقاح نحو الأمريكيين الأكبر سناً، أما إذا كان الهدف هو تخفيض نسبة العدوى فيجب إعطاء الأولوية للعاملين الأساسيين؛ فالأمر يعتمد على النتيجة التي نسعى إليها”.
اقرأ أيضاً: بوادر إيجابية حول تجارب لقاحات فيروس كورونا
إلا أن المفاضلة بين المجموعتَين غير واضحة المعالم؛ لأن تعريف “العاملين الأساسيين” الذي يعتمده مركز مكافحة الأمراض يشمل نحو 70% من القوة العاملة، إذ لا يقتصر على موظفي المتاجر ومسعفي الطوارئ؛ بل يضم أيضاً فئات مثل مشغلي قوارب القطر وعمال المبيدات والعاملين في المحطات النووية. ويرى بعض مسؤولي الصحة العامة أن هذه المجموعة موسعة جداً، ويجب اختصارها بحيث تضم فقط مَن هم على تواصل مباشر مع الجمهور.
قريباً سوف تصوت لجنة مستقلة من الخبراء الطبيين، مهمتها تقديم المشورة لمركز مكافحة الأمراض بشأن عملية إعطاء اللقاح، على مَن ستوصي بأن تستهدف الدفعة الثانية من اللقاحات “المرحلة 1.ب”. وكان أعضاء هذه اللجنة قد أشاروا، في اجتماع لهم جرى في الشهر الماضي، إلى أنهم يميلون إلى دعم التوجه نحو تلقيح العاملين الأساسيين قبل المسنين أو المرضى.
لطالما اعتمدت هذه اللجنة على الأدلة العلمية في اتخاذ قراراتها؛ ولكنها الآن تأخذ موضوع العدالة الاجتماعية في الحسبان. يقول الدكتور بيتر زيلاجي؛ عضو اللجنة والبروفيسور في جامعة كاليفورنيا: “بالنسبة إليّ المسألة الأخلاقية مهمة جداً؛ وهي مهمة جداً بالنسبة إلى هذا البلد، وأنا بكل وضوح أدعم إعطاء الأولوية إلى العاملين الأساسيين؛ لأنها تضم نسبة عالية من الأقليات ومحدودي الدخل والتعليم”.

إلا أن هذا الموقف يتعارض مع الأطر التي اقترحتها منظمة الصحة العالمية، والأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب والعديد من الدول التي تقول إن الحد من الوفيات يجب أن يكون الأولوية الأولى، وإن المسنين والمرضى يجب أن يتلقوا اللقاح قبل العاملين الأساسيين. وهذه وجهة نظر يعتقد بها كثيرون في حقل الصحة العامة والطب.
اقرأ أيضاً: شركة أمريكية تبدأ في تجريب لقاح جديد لعلاج فيروس كورونا
الدكتور ديفيد ريدفيلد؛ مدير مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، وهو أعلى مسؤول في قطاع الصحة العامة في البلاد، ذكَّر اللجنة بأهمية المسنين في تصريحٍ له يوم الخميس الماضي، قال فيه إنه يتطلع إلى “توصيات تظهر أننا أمة تعطي الأولوية للمسنين”.
وعلى الرغم من أن توصيات اللجنة غالباً ما تؤخذ بعين الاعتبار؛ فإن القرار النهائي بقبولها أو رفضها يرجع إلى الدكتور ريدفيلد، ولكن في نهاية المطاف سيكون لحكام الولايات ولمسؤولي الصحة العامة المحليين الكلمة الفصل في ولاياتهم.

تعريف العاملين الأساسيين
وفقاً لتعريف وضعته وزارة الأمن الداخلي، هنالك نحو 90 مليوناً من العاملين الأساسيين في الولايات المتحدة، ممن يشغلون وظائف تسهم في الحفاظ على البنى التحتية الأساسية أثناء الجائحة. ونظراً لعدم توفر ما يكفي من اللقاحات في المرحلة الأولى، فسيكون على الولايات أن تتخذ خيارات صعبة. فعلى سبيل المثال، تضع خطة لويزيانا حراس السجون والعاملين في تصنيع الأغذية قبل المدرسين وموظفي البقاليات. بينما تعطي نيفادا الأولوية للعاملين في قطاع التعليم والنقل العام على أولئك العاملين في صناعة الأغذية والبيع بالتجزئة.
في هذه المرحلة المبكرة تضع العديد من خطط الولايات المسنين والمرضى قبل معظم العاملين الأساسيين؛ ولكن هذا الأمر ربما يتغير في ظل توصيات لجنة مركز مكافحة الأمراض.
وقد كان التعليم من المهن التي أثارت الكثير من النقاشات؛ فمركز مكافحة الأمراض يصنف المدرسين من بين العاملين الأساسيين، إلا أن كثيرين يختلفون معه في ذلك. إذ يقول مارك ليبستيتش عالم الأوبئة في كلية الصحة العامة، جامعة هارفارد، إن المدرسين يجب ألا يصنفوا ضمن العاملين الأساسيين إذا كان هدف اللجنة الرئيسي هو العدالة الصحية. بينما تختلف معه إيليز غـولد؛ كبيرة الاقتصاديين في معهد السياسة الاقتصادية، وترى أن المعلمين لا يضمنون عدم تراجع المستوى التعليمي للأولاد فقط؛ بل هم مهمون للقوة العاملة بشكل عام أيضاً، إذ لا تستطيع الأم العاملة الذهاب إلى عملها إذا لم يكن أولادها في مكان آمن.
اقرأ أيضاً: فيروس كورونا.. متى نستطيع التوقف عن استعمال الكمامة؟
في سبتمبر، قام باحثون أكاديميون بتحليل قائمة وزارة الأمن الداخلي للعاملين الأساسيين، واقترحوا فئة أضيق تشمل العاملين في الصفوف الأمامية ممن هم أكثر تعرضاً لالتقاط العدوى؛ مثل العاملين في توصيل الأطعمة وأمناء الصناديق والعاملين في الطوارئ الطبية. ومن خلال هذا التعريف قالت فرانسين بلاو، خبيرة الاقتصاد العمالي في جامعة كورنيل، إن المدرسين ينتمون إلى الفئة الأوسع من العاملين الأساسيين؛ ولكنهم إذا كانوا يعملون في الصفوف وليس بالتعليم عن بُعد فهم يقعون ضمن العاملين في الصفوف الأولى. وترى الدكتورة بلاو أن العاملين في الصفوف الأولى يجب أن تكون لهم الأولوية بالنظر إلى المخاطر الكبيرة التي يواجهونها.
الموت في مقابل انتشار العدوى
يقول بعض خبراء السياسات الصحية إن إعطاء الأولوية للحد من الوفيات بدلاً من التقليل من انتشار العدوى هو ببساطة خيار عملي؛ لأنه في البداية لن تكون هنالك كميات كافية من اللقاحات لإحداث تأثير ملموس في مدى انتشار العدوى، والاستعمال الأكثر فعالية لكمية محدودة من اللقاحات هو في إنقاذ حياة مَن هم أكثر ضعفاً.
علاوة عل ذلك، فإن نتائج التجارب على اللقاح تشير إلى أن اللقاح يمكنه حماية مَن يتلقاه ولم يثبت أن مَن يتلقى هذا اللقاح لن ينقل العدوى إلى الآخرين، مع أن العلماء يرجحون ذلك إلا أنه لا دليل عليه حتى الآن.
اقرأ أيضاً: أبوظبي.. إنجازات صحية متقدمة للسيطرة على فيروس كورونا
يرى الدكتور هارالد شميت، الخبير في الأخلاقيات والسياسات الصحية في جامعة بنسلفانيا، أنه من المنطقي إعطاء الأولوية للعاملين الأساسيين قبل المسنين بالنظر إلى المخاطر التي يواجهونها في عملهم، ونظراً لارتفاع نسبة الأقليات بينهم أيضاً. يقول الدكتور شميت: “النسبة الكبرى من المسنين هي من البيض؛ فالمجتمع مركب بطريقة تتيح لهم العيش لأعمار أكبر، فبدلاً من إعطاء مزايا صحية لمَن لديهم الكثير منها يمكننا أن نبدأ في تحسين تكافؤ الفرص قليلاً هنا”.
ولكن في الوقت نفسه، دعا شميت لجنة مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها إلى “تضمين مؤشر الضعف الاجتماعي” الخاص بالمركز؛ من أجل حماية المسنين ممن هم أكثر عرضة للخطر.
ويضم المؤشر 15 مقياساً مستمداً من التعداد السكاني؛ مثل الوحدات السكنية المكتظة، وعدم توفر السيارات، والفقر، وذلك من أجل تقييم مدى حاجة المجتمعات إلى الدعم الصحي؛ بهدف الحد من عدم المساواة.

من خلال تحليل جديد لخطط الولايات المبدئية لتوزيع اللقاح، وجد الدكتور شميت أن 18 ولاية تنوي تطبيق المؤشر؛ فولاية تينيسي، على سبيل المثال، أشارت إلى أنها سوف تخصص بعض مخصصاتها الأولى للمجتمعات الفقيرة.
ولكن لا يزال كثيرون يعتقدون أنه من الخطأ إعطاء الإنصاف العرقي والاجتماعي والاقتصادي وزناً أكثر ممن هم من المرجح موتهم.
قال تشاك لودلام؛ مساعد سابق في مجلس الشيوخ وعضو في جماعات الضغط التابعة لصناعة التكنولوجيا الحيوية، معترضاً على تقديم العاملين الأساسيين على المسنين ومعلقاً على توجهات اللجنة: “يجب أن يكون لديهم أسباب قوية للغاية، ومبنية على الحقائق، وقائمة على ضرورات الصحة العامة؛ من أجل تقديم مجموعة على مجموعة أخرى، وهم هنا لم يقدموا أي تفسير قادر على الصمود أمام التدقيق العام”.
اقرأ أيضاً: أزمة “كورونا”.. لا أحد يعلم ماذا سيحدث في المستقبل!
خطوط مشوشة وكثير من الأمور المجهولة
ومما زاد الأمور تعقيداً أن المجموعات ذات الأولويات المختلفة التي ناقشتها لجنة مركز مكافحة الأمراض تتداخل في ما بينها؛ فالعديد من العاملين الأساسيين لديهم ظروف عالية المخاطر، وبعضهم تجاوز الخامسة والستين من عمرهم. وبعض الولايات قالت إنها ستعطي الأولوية فقط للعاملين الأساسيين الذين هم على تماس مباشر مع الجمهور؛ بينما قالت ولايات أخرى إنها لن تعطي أولوية لأيٍّ منهم.
حتى إن بعض الأشخاص ممن ينتمون إلى مجموعة معينة طالبوا بإعطاء الأولوية لمجموعة أخرى. فعلى سبيل المثال، يعتقد مارك بيروني؛ رئيس اتحاد عمال الأغذية والتجارة، الذي يمثل 1.3 مليون عامل في متاجر بيع ومصانع الأغذية، أنه على الرغم من ارتفاع نسبة الإصابات بين أعضاء اتحاده؛ فإنه لا بد أن تُعطى الأولوية في اللقاح للمسنين. “كل ما في الأمر هو أن الجميع لديهم جد أو جدة، وأنا أعتقد أن الجميع في هذا البلد يريدون حمايتهم أو حماية آبائهم المسنين”.

ولكن الدكتور نيراف شاه، كبير مسؤول الصحة العامة في ولاية ماين، قال إنه لا يتفق معه، وكرر ما قاله لأهل زوجته الأكبر سناً؛ ولكنهم بصحة جيدة، وقادرون على التزام التباعد الاجتماعي: “قُلت لهم أنا آسف، هنالك آخرون يجب أن أعطيهم اللقاح أولاً، وذلك كي يكون العالم الذي ستعودون إليه بعد تلقيكم اللقاح جاهزاً لاستقبالكم”.
كل هذه الخطط بالطبع تتكشف بينما هنالك الكثير من الأمور المجهولة، وقد قال العديد من مسؤولي الولايات إنهم يتوقعون أن تتطور خططهم بشكل كبير مع تكشف الحقائق على الأرض.
اقرأ أيضاً: بعد إيقاف اختباراته المنزلية لـ “كورونا”.. هل غيتس ضحية أم له مآرب خفية؟
وما زال عدم اليقين يخيم على عدد الناس الذين سيرغبون في أخذ اللقاح في ظل ارتفاع نسبة القلق حول تأثيراته. يقول الدكتور بروسر المحلل الصحي في جامعة ميتشيغان: “إذا رفضت نسبة كبيرة من العاملين في القطاع الصحي أخذ اللقاح، يجب على الولاية أن تنتقل بسرعة إلى المجموعة التالية؛ لأن اللقاح يجب أن يستعمل خلال فترة محددة قبل أن يتفكك”.
الكاتبان:
آبي غودنو: مراسلة لشؤون الصحة العامة الوطنية، وعملت كرئيسة مكتب “نيويورك تايمز” في ميامي، وغطت قطاعَي التعليم والسياسة في نيويورك.
جان هوفمان: كاتب في شؤون الصحة السلوكية وقوانين الصحة.
المصدر: نيويورك تايمز