الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفةشؤون دولية

المسجد والسد وحرب أردوغان الثقافية الآخذة في الاتساع

كيوبوست – ترجمات

نيك دانفورث

خلال الأسابيع الأخيرة، استقطبت الحكومة التركية إدانة دولية كبيرة؛ بسبب طريقة تعاملها مع التراث الثقافي الفريد للبلاد. ففي أوائل شهر يوليو، غمرت المياه المتصاعدة من سد جديد موقع حصن كيفا الأثري؛ ما دفع صحيفة “نيويورك تايمز” إلى الإعلان أن الوادي القديم قد فُقِد بسبب “أعمال التطوير”.

اقرأ أيضاً: إلى أي مدى ستذهب القومية الإسلامية لأردوغان؟

وبعد ذلك بفترة وجيزة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن متحف آيا صوفيا في إسطنبول -الكنيسة القديمة التي تحولت إلى مسجد ثم إلى متحف- سوف يتم تحويلها مرة أخرى إلى مسجد. وقد انزعج المنتقدون إزاء ما قد يعنيه ذلك بالنسبة إلى الفسيفساء البيزنطية المزخرفة للمبنى؛ حيث سلَّطوا الضوء على الخسائر المادية المتزايدة الناجمة عن السياسات الدينية والاستبدادية التي ينتهجها أردوغان.

وفي حالة حصن كيفا، أشار أردوغان إلى أن المنتقدين الذين يعارضون بناء السد ليسوا مهتمين بالموروث الثقافي أو البيئة؛ بل إنهم لا يريدون لتركيا أن تزدهر. ولعل الحرب الثقافية التي يخوضها أردوغان تضع الإيمان والقومية والتقدم المادي في إطار صراع مع خصومه في حصيلةٍ صفرية في الخارج والداخل. وربما يلقى هذا النهج استحساناً لدى الناخبين؛ لكنه لم يفعل إلا أقل القليل لتحسين الاقتصاد المتعثر في تركيا، في حين تُركت البلاد تعاني المزيد من الضغوط في علاقاتها مع جيرانها.

اقرأ أيضاً: “آيا صوفيا” وحماقة أردوغان!

وقد بنى الإمبراطور البيزنطي جستينيان، “آيا صوفيا” في القرن السادس، كرمز كبير لإيمان الإمبراطورية وقوتها. وبعد أن استولى العثمانيون على القسطنطينية عام 1453، حوَّل السلطان محمد الثاني الكاتدرائية إلى مسجد للسبب نفسه تقريباً. وفي عام 1934، أمر الرئيس التركي كمال أتاتورك، الذي استعاد إسطنبول بعد إلحاق الهزيمة بالقوات البريطانية واليونانية، بتحويل المبنى إلى متحف.

بلدة عمرها 12 ألف عام تختفي في الإقليم الجنوبي الشرقي بعد ارتفاع منسوب المياه بسبب السد الجديد.. تركيا فبراير 2020- “رويترز”

وكان الهدف من هذا العمل هو تسليط الضوء على النظرة العلمانية للجمهورية التركية الفتية، فضلاً عن مناشدة الشعور بالقيم الثقافية والحضارية المشتركة مع القوى الغربية التي هزمتها تركيا للتو. ولكن العديد من الإسلاميين والقوميين المحافظين استاؤوا بشدة من هذا القرار؛ فقد كان تسلسل تحول “آيا صوفيا” بمثابة إهانة لهوية تركيا الإسلامية ومداهنة لأعداء تركيا الغربيين. 

وعند الإعلان عن الوضعِ الجديد لـ “آيا صوفيا”، وصف أردوغان المبنى بأنه “التراث المشترك للإنسانية”. ومع ذلك، فإن بقية كلمته تُقرأ كتحذيرٍ ضد أي شخص قد يأخذ هذه العبارة بشكل حرفي. وأصرَّ على أن التشكيك في قراره بتحويل “آيا صوفيا” هو هجوم على حقوق تركيا السيادية، ولا يختلف عن التشكيك في علمها أو حدودها. وبعد بضعة أيام، رد على انتقادات الحكومتين اليونانية والأمريكية بالقول إن ازدراءهما “يرقى إلى مرتبة الهجوم المباشر على سيادتنا”.

اقرأ أيضاً: تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد.. سابقة تاريخية تنتهك التراث الإنساني

وكانت دول الحلفاء قد وقعت معاهدة لوزان في ذلك التاريخ عام 1923، معترفة بظهور جمهورية تركية حديثة مستقلة تحت قيادة أتاتورك. وكما كتب أتاتورك نفسه في البداية، قدمت الحسابات التقليدية للتاريخ التركي لوزان بوصفها سند ملكية للجمهورية التركية، وتكريس لسيادتها التي حصلت عليها بشق الأنفس.  ومن خلال الصلاة في “آيا صوفيا” في هذه الذكرى، رفض أردوغان هذه الرواية ونقحها. حيث كان مفهوماً ضمنياً من سردية أتاتورك أن الفكرة كانت أنه قام بتحويل “آيا صوفيا” إلى متحف بعد تحرير تركيا من المحتلين الأوروبيين الذين كانوا سيحولون المبنى إلى كنيسة.

صورة قريبة للمنازل التي تهدَّمت بسبب مياه السد الجديد وشرد سكانها.. فبراير 2020- وكالات

لعْن المنتقدين

لطالما أدَّت مشروعات السدود إلى نزوح الناس وإلحاق الضرر بالبيئة؛ ولكن لعقود كانت أيضاً رموزاً للتنمية وإرساء الديمقراطية. فقد قامت أول حكومة منتخبة بحرية في تركيا ببناء سدود بدعم حماسي من المستشارين الأمريكيين في أوائل فترة الحرب الباردة.

اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل قمع معارضيه مروجاً لمحاولة انقلاب جديدة

ومنذ تولَّى أردوغان وحزبه السلطة في عام 2002، تحدثوا عن الفوز بأصوات الناخبين الأكراد من خلال سياسات التنمية؛ لكن هذه الخطابات أثبتت أنها جوفاء في السنوات الأربع الماضية، حيث قام أردوغان باعتقال البرلمانيين الأكراد بشكل ممنهج، واستبداله برؤساء البلديات الأكراد المنتخبين أشخاصًا معينين من قِبل الحكومة. وفي السنوات الأخيرة، تعرضت السدود الكبيرة؛ مثل سد بلدة حصن كيفا إلى انتقادات من الليبراليين الأتراك وأنصار البيئة، الذين يشككون في فوائدها العملية ويقولون إن هذه الفوائد من غير المرجح أن تعود على نفس الأشخاص الذين تهجِّرهم السدود. 

اشتباكات بين شرطة مكافحة الشغب التركية والمتظاهرين المحتجين على حملة تركيا ضد رؤساء البلديات الأكراد في إسطنبول.. أغسطس 2019- “فرانس برس”

وبدوره، ردّ أردوغان بعنف؛ حيث اعتقلت السلطات صحفياً أجنبياً كان يزور حصن كيفا، كما اعتقلت متظاهرين بيئيين، وصنفت على نطاق أوسع معارضي المشروع بأنهم إرهابيون وعملاء أجانب. وهكذا أصبح السد؛ مثل العديد من المشروعات الإنمائية الأخرى، تكتسب أهمية أكبر بسبب ما تشير إليه وليس لما تحققه بالفعل. وقد سعى أردوغان إلى تنفيذ مشروعات بناء ضخمة؛ مثل بناء أكبر مطار في العالم في إسطنبول، وحفر قناة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة؛ من أجل إظهار قوة تركيا.

اقرأ أيضاً: لماذا انقلب جيل الشباب التركي على أردوغان؟

ولا يزال المنتقدون يتساءلون عن الأساس المنطقي لشراء نظام أسلحة بقيمة 2,5 مليار دولار، يقبع حالياً في أحد المستودعات، والذي قد يؤدي إلى عقوبات أمريكية؛ حيث إن تركيا لا تستطيع استخدامه للدفاع عن نفسها ضد الهجمات الروسية (مثل الغارات الجوية التي قتلت 33 جندياً تركياً في إدلب في الربيع الماضي). لكن المقاربة الجريئة التي تبناها أردوغان ضمنت أن يبدو مجرد المضي قدماً في عملية الشراء بمثابة انتصار، حتى في نظر منتقديه.

اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة نحو فرض عقوبات على تركيا

ولكن إذا كانت قاعدة دعمه الفعلية تتآكل بالسرعة التي يشير إليها بعضُ استطلاعات الرأي، فإن حتى هذه التدابير غير الديمقراطية قد لا تكون كافية. ومن المقرر حالياً إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية عام 2023. فلا شك أن الناخبين سوف يحصلون في الأعوام المقبلة على المزيد من المساجد والمشروعات الضخمة، كما لن تنتهي مبادرات أردوغان التصعيدية في شرق البحر الأبيض المتوسط.

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة