الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
“المستضعفون في الإرهاب”… كيف تستفيد الجماعات الإرهابية من تجنيد الأطفال؟
يوفر تجنيد الأطفال لارتكاب الأعمال الإرهابية مزايا عديدة تصب في صالح الجماعات المتطرفة

كيوبوست
قال تقريرٌ حديث إن تجنيد الأطفال يوفِّر للجماعات الإرهابية والمتطرفة مزايا قد لا تحصدها عند تجنيد الشباب، أبرزها أنهم أكثر مرونة وحركة، وتكلفة تجنيدهم منخفضة، لكونهم لا يحتاجون إلى مرتبات أو مزايا اقتصادية ضخمة على العكس من الشباب أو الكبار، بالإضافة إلى سهولة السيطرة عليهم بشكل أكبر لسهولة ترهيبهم، سواء بدنياً أو نفسياً، مما يعني الولاء سريعاً للجماعة أو الجهة التي يقاتل فيها.
التقرير الصادر بعنوان “المستضعفون في الإرهاب” يشدِّد على أن الجماعات الإرهابية تسعى لاستغلال سمةٍ أخرى قد تسيطر على تفكير الأطفال في سن مبكرة، وهي فكرة البطولة والإقدام على الأعمال القتالية، والإعجاب بالشخصية القوية في بعض الأحيان، بالاستناد إلى حبِّ المغامرة والاستكشاف، والظهور والشعور بالقوة، فضلاً على المزايا التكتيكية التي تتمثل في إمكانية استخدام الأطفال للقيام ببعض المهام التي قد تحتاج إلى شخصٍ قد لا يعرف خطورة ما يقوم به مثل الهجمات الانتحارية، نظراً لأن الأطفال أقل إدراكاً للأخطار التي قد يتعرضون لها، جراء الإقدام على تنفيذ عملية انتحارية أو حمل مواد متفجرة.
اقرأ أيضًا: الجماعات الإرهابية والأطفال الأفارقة.. “جرائم فظيعة وانتهاكات جسيمة”
أنواع التجنيد
وميَّز التقرير الصادر عن مركز سلام لدراسات التطرف التابع لدار الإفتاء المصرية، بين التجنيد القسري الذي يعتمد على خطف الأطفال وإكراههم على المشاركة في العنف والإرهاب، عبر التهديد الوحشي أو عبر جماعات الإتجار بالبشر، وهو ما يحدث في المناطق التي يوجد فيها سيطرة لجماعة أو تنظيم على الأرض، وبين التجنيد الطوعي الذي يشير إلى انضمام الطفل من تلقاء نفسه إلى جماعة مسلحة أو تنظيم إرهابي، حيث يندفع الأطفال طواعية خلف هذه التنظيمات نتيجة لخطاب هذه الجماعات.
وشهدت ظاهرة تجنيد الأطفال واستخدامهم في الأعمال العنيفة زيادة كبيرة في العقدين الماضيين، بعدما أقدمت الجماعات المسلحة، ثم الجماعات الإرهابية، على توظيفهم بشكلٍ مباشر وغير مباشر، لافتاً إلى التطوير الذي شهدته أساليب وسائل تجنيد الأطفال، والتي تتدرج وفقاً لأهميتها من حيث موقعها في استراتيجية التجنيد، وتبنى على أساس تلبية احتياجات الأطفال النفسية وغيرها، بهدف كسب تأييدهم والسيطرة عليهم.

ويبدو أن الأطفال في الفئة العمرية من 13 إلى 18 عاما مفضلين ومستهدفين من الجماعات والتنظيمات الإرهابية، حيث يسهل التحكم بهم، وهو ما يجعل منهم أرضية خصبة لزرع الأفكار الإرهابية عبر دعم ظاهرة التمرد وهي السمة التي يتصف بها الأطفال في هذه المرحلة، لافتاً إلى أن تجنيد الأطفال يتزايد في المجتمعات التي تشهد صراعاتٍ، وهي بيئة خصبة لذلك؟
ووفقاً لتقارير اليونيسف، فإن نحو 93 ألف طفل تم تجنيدهم في جماعات مسلحة ومتطرفة، خلال الفترة ما بين عامي 2005 و2020 لاستخدامهم من جانب أطراف النزاع، معتبراً أن ظاهرة استخدام الأطفال في الصراعات المسلحة جزءٌ من أيديولوجيا العنف التي تستخدمها العصابات الإجرامية والجماعات الإرهابية، وتعبِّر عن إفلاسٍ تنظيمي لهذه الجماعات، خاصة وأنها تلجأ لها ليس فقط لتعويض نقص المقاتلين، بل لتعويض خسائرهم المتتالية، وتجييش كل الموجودين في مناطق الصراع.
اقرأ أيضًا: استمرار الصراع في اليمن يهدد بتزايد تجنيد الأطفال
تهيئة سهلة
توفِّر عملية تجنيد الأطفال الكثير من الأموال للتنظيمات الإرهابية، لأن تهيئة الطفل لخوض مثل هذه العمليات يكون غير مكلف، فضلاً على أن تنشئته على الأفكار الإرهابية لا تحتاج إلى إغراءات كثيرة مثل الشباب، علاوة على ذلك فإن الأطفال يظهرون أقل إثارة للريبة، ومن ثم يزيد استخدامهم في العمليات الإرهابية من فرص نجاحها.
وتناول التقرير العديد من الدوافع التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتجنيد الأطفال، ومن بينها استغلال النزعة العرقية والإثنية، حيث تقدِّم نفسها باعتبارها خطاً للدفاع عن التهديدات التي تحيط بمنطقة تواجدها، وهو ما يجعل العائلات تدفع بأبنائها إلى هذه الجماعات كنوعٍ من التضحية في سبيل الدفاع عن منظومة القيم والعادات التي تعلن الجماعة الدفاع عنها، وهو خطاب يلقي قبولاً أكبر لدى الأطفال عن الشباب، نظراً لأن إمكانية اقناعهم بأن هناك خطراً قد يهددهم يدفعهم نحو الانضمام وبسهولة إلى هذه التنظيمات، مشيراً إلى أن الدفاع عن القضية “القومية” التي ينتمون لها يُعتبر أحد العوامل الأساسية لتجنيد الأطفال، وهو ما يتضح بشكلٍ واضح في إفريقيا بشكلٍ خاص.
وهناك اعتماد على عدة مستويات لإعداد الأطفال واستخدامهم للقتال فعادة لا يتم إرسالهم مباشرة للقتال، ولكن يخضعون لمجموعة من المؤثرات التي تؤهلهم فكرياً وبدنياً للقتال، من خلال مستويات مختلفة من المؤشرات الحياتية والعاطفية التي تلعب على العوامل النفسية للأطفال، حيث يتم تلقينهم الفكر الإرهابي بما فيه الاستعداد للمشاركة في القتال، وفي الغالب تكون العمليات الانتحارية حيث يتم طرح خطاب ذي دوافع مشوهة للمفاهيم، وعلى رأسها مفهوم الجهاد حيث يتم تحريف واقتصار أشكاله المتعددة وتجسيده في إعلان الحرب ضد “غير المؤمنين” على حد وصفهم مع الاستشهاد بالآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، حول فضل “الشهادة والجهاد”، منتزعين ذلك كله من سياقه.

ولا ينبغي نسيان المستوى النفسي الذي يتم اتباعه عند تجنيد الأطفال بالتركيز على العواطف وتشجيع الأطفال على إظهار الذات لمعرفة ميولهم النفسية بعد تلقينهم في المرحلة الأولى، وتهيئتهم بالعنف الفكري، حيث يتم تلقين الطفل بمقولاتٍ متطرفة كـ”الغرب الكافر” أو “المرتدين” وغيرها من المقولات لحث الطفل على تشكيل رغبةٍ قوية بداخله في “تغيير الأوضاع التي يعاني منها العالم الإسلامي”، طبقاً لما تعرض له من تلقين.
مصفوفة التجنيد
وتناول التقرير ما حدَّده بـ”مصفوفة التجنيد”؛ المكونة من مجموعة من العوامل التي تستند إليها عند التجنيد، والتي تتحدد في أربعة عناصر رئيسية؛ أولها الإغواء، حيث يقوم التنظيم بعرض أفكاره على الأطفال، عبر لقاءاتٍ مباشرة تجمعه بهم، دون الخوض في الكثير من الأفكار، وثانيها التعليم ونقل الأفكار، وهي المرحلة التي يتم فيها تلقين الأطفال بشكلٍ مكثف مبادئ وممارسات التنظيم.
اقرأ أيضًا: لماذا يسعى المتطرفون إلى تجنيد الأطفال في صفوفهم؟
أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الإخضاع التي يتم فيها برمجة عقلية الطفل، عبر تدريبات جسدية ونفسية، ويتم فيها برمجة عقلية الطفل عبر تدريبات جسدية ونفسية، ويتم فيها عزله عن محيطه، وبخاصة الأسرة، وفرض زي موحد عليه لتعميق حس الانتماء للتنظيم، مما يغذي التضحية والفداء داخل الطفل.
وتشمل المرحلة الرابعة، والتي يطلق عليها مرحلة التخصص، تعزيز معلومات الأطفال البدائية حول الأيديولوجية التي تلقوها داخل التنظيم، بالتزامن مع تدريباتٍ متخصصة يتم فيها تأهيلهم بدنياً للمشاركة في العمليات، حيث يتم تدريبهم وإعطاؤهم مهام مختلفة، ومن خلالها تكشف قدراتهم.
وطالب التقرير بضرورة وضع سياسات واضحة للتعامل مع الأطفال خاصة في ضوء حداثة الأزمة نسبياً، وطبيعتها المختلفة، من خلال برامج إعادة التأهيل التي تهدف لدعم الأشخاص الذين تم تجنيدهم واستغلالهم من قبل الجماعات الإرهابية، عبر مساعدتهم في العودة للمجتمع من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية.