الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربيةمجتمع

المساواة في الميراث.. جدل مستمر بين الإسلاميين والحداثيين في المغرب

جمعيات نسائية تطالب بالمساواة في منظومة الإرث وإنهاء ميراث التعصيب

المغرب- حسن الأشرف

اشتد الجدل من جديد بين الحداثيين والإسلاميين في المغرب؛ بسبب مطلب “المناصفة أو المساواة بين الجنسَين في نظام الإرث”، فمن جانب يرفض الإسلاميون بشدة؛ خصوصاً حزب العدالة والتنمية، الذي سبق له قيادة الحكومة في المملكة لولايتَين متواليتَين (10 سنوات)، أي تعديل في قانون الأسرة في ما يتعلق بالمساواة في الميراث، بينما يرفع الحداثيون شعار النقاش بهدف تحقيق المناصفة بين الجنسَين في منظومة الإرث.

وقد هاجم الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبدالإله بن كيران، دعوات الجمعيات النسائية والحقوقية المطالبة بالمساواة في الإرث، ووصفها بأنها شاردة عن الدين الإسلامي، بينما يرى الحداثيون أن الجدال الذي ينتهجه “الإسلاميون” “مجرد مزايدة سياسية ونوع من المقاومة للتغيير وللحقوق الإنسانية والمساواة”.

عبدالإله بن كيران

اقرأ أيضاً: المساواة في الإرث: جدل في تونس.. ومطالب في المغرب والجزائر

موقف الإسلاميين

تفجَّرت سجالات واسعة بشأن مدونة الأسرة (قوانين تنظيم أحوال الأسرة من زواج وطلاق وغير ذلك)، عندما جددت جمعيات ومنظمات نسائية مطلب المساواة في الإرث، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس من كل عام. وأصدر حزب العدالة والتنمية بياناً موجهاً إلى الرأي العام، نبَّه فيه إلى ما سمَّاه “المخاطر التي تشكلها بعض الدعوات النشاز للمساواة في الإرث”، واصفاً إياها بأنها “دعوات مستجيبة لإملاءات خارجية، خروجاً على الإجماع الوطني والثوابت الدينية والدستورية للمملكة، وتجاوزاً للإطار الذي حدده الملك بصفته أميراً للمؤمنين؛ الذي أكد ضرورة احترام النصوص القرآنية القطعية”.

وبعد البيان، حذَّر عبدالإله بن كيران، في مداخلة مباشرة، من مصير دول إسلامية تجرأت على الأحكام الإسلامية، وكانت عاقبتها فوضوية كما الحال في تونس والعراق وسوريا والسودان. وشدد القيادي “الإخواني” على أن “التصرف في الأموال الخاصة حق مكفول للفرد ما دام على قيد الحياة، لكن حين الوفاة لم يعد هذا المال ملكاً له بل للورثة، والذي يُقسم بينهم وَفق أحكام الشرع والشريعة، التي بينها الله سبحانه وتعالى في نصوص قطعية الثبوت والدلالة”.

اقرأ أيضاً: لماذا يطالب ابن كيران بإجراء انتخابات مبكرة في المغرب؟

ديمقراطية النقاش

وفي هذا السياق، قالت بشرى عبدو، مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، في تعليق لـ”كيوبوست”: “إن مطالب الحركات والجمعيات النسائية مشروعة لمناقشتها بالمنطق والعقل، أما وجود مؤيدين لموضوع المساواة في الإرث ورافضين لذلك إنما هو يدخل في جوهر الديمقراطية”، وَفق تعبيرها.

بشرى عبدو

وأوضحت عبدو أن “مَن يرفض الرأي الآخر باعتبار أنه يمس بثوابت البلاد أو يستهدف الإجماع الوطني، هو سلوك غير مقبول تماماً؛ لأنه من المفترض أن يتم الإنصات إلى الطرف الآخر”، مشيرةً إلى أن “حزب العدالة والتنمية سبق له أن أيَّد عدة مطالب للحركة النسائية كان يرفضها جملة وتفصلاً قبل تولي دفة تسيير الشأن العام، وكان يعتبرها مساً بالشريعة الإسلامية وثوابت الأمة”. وقالت: “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة، ومعها جمعيات نسائية أخرى، تهتم بموضوع الإرث (التعصيب) يكون كاملاً للبنات في أسرة دون ذكور، وهذا حق من حقوق البنات؛ لأن تراكم الممتلكات جاء من الأبوين، ولا يعقل أن تذهب هذه الممتلكات إلى العصبة من الذكور”.

اقرأ أيضاً: “الصراع القيمي” في المغرب.. بين الفضائل الأخلاقية والحريات الفردية

وشددت عبدو على أنه يتعين إعادة النظر في الميراث بالتعصيب؛ لأنه لا توجد آيات قرآنية قطعية في هذا الصدد، وأيضاً لأنه نضال تخوضه جمعيات وعائلات في البلاد، مشيرةً إلى أن “هناك ملفات متكاملة عند جمعيات نسائية من أجل المطالبة بالإرث بالتعصيب”.

وخلصت المتحدثة إلى هذه المطالب يمكن تحقيقها وقد لا تتحقق على أرض الواقع؛ لكنها يجب أن تظل مطروحة للنقاش، لكن أن يصر زعيم حزب سياسي على تسفيه الحركات النسائية والتقليل منها، فذلك أمر مرفوض ألبتة؛ لأنه من حق كل جهة أو جمعية أن ترفع سقف مطالبها الاجتماعية والحقوقية كما تريد.

جدل في المغرب بسبب قوانين المواريث

حراس معبد الفقه القديم

الباحث والكاتب أحمد عصيد، من جهته يرى، ضمن تعليق لـ”كيوبوست”، أن الجدال الذي ينهجه الإسلاميون عموماً حول مراجعة نظام الإرث هو في جانب منه نوع من المزايدة غير الواقعية، وهو من جانب آخر نوع من المقاومة للتغيير وللحقوق الإنسانية والمساواة.

أحمد عصيد

ويشرح عصيد: “يعتبر تيار (الإخوان المسلمين) و(التيار السلفي) أن من شأن عملية التحديث والدمقرطة وقيم حقوق الإنسان أن تغير النظام الاجتماعي الراكد الذي يعمل لصالح التيار المحافظ، ويمكنه من ممارسة نوع من الوصاية الدينية على المجتمع وابتزاز الدولة واستغلالها لأغراض سياسية؛ خصوصاً بعد انهيار حزب الإخوان وخروجه من اللعبة السياسية ووجوده على الهامش بعد الانتخابات الأخيرة”.

وتابع: “إنهم يلعبون دور حراس معبد الفقه القديم؛ حتى يحافظوا على مصالحهم الذكورية التي تعطي امتيازات للرجل، والتي كانت مرتبطة بنظام اجتماعي لم يعد موجوداً اليوم، والفقه الذي يعتمدون عليه  كرس التفاوت بين الجنسَين والتمييز ضد النساء الذي كان في العصور الماضية مقبولاً في المجتمع الأبوي، حيث كان ذلك التفاوت والتمييز مرتبطاً بسياقات اجتماعية وتاريخية سابقة لم تعد اليوم قائمة”.

اقرأ أيضاً: دعوة للتفكير… لماذا ابتعد العالم العربي عن العلم؟

أعطاب مواقف الإسلاميين

وحدد الباحث أحمد عصيد جوهر الخلل في موقف الإسلاميين (الإخوان والسلفيين والدعاة والفقهاء المقلدين) في ثلاثة أعطاب؛ الأول إعطاء الأولوية للنصوص الدينية وتفاسيرها القديمة على حساب الإنسان ومصلحته، بينما العالم المتقدم الذي يقود الحضارة لم ينجح إلا بإعطاء الأولوية للإنسان ومصلحته قبل كل شيء، وإعادة قراءة النصوص الدينية وتأويلها لكي لا تبقى حجر عثرة في طريق التطور، وحقوق المواطنة غير قابلة للمساومة.

واستطرد: “هذا هو السبب الرئيسي لشغب الإسلاميين في قضايا المرأة؛ فهم يعتبرون نظام الإرث هو آخر ما تبقى من قلعة الفقه القديم والشريعة في قوانين الدولة المغربية الحالية، فيسعون إلى معاكسة الواقع والمنطق وحقوق الإنسان؛ حفاظاً على النص”.

والعطب الثاني، وَفق عصيد، هو “اعتقادهم أن النص الثابت يمكن له أن يحيط بالواقع المتحرك، وهذا مستحيل؛ فعدم اكتراثهم بتحولات الواقع لكي لا يروا الظروف الجديدة التي تلزمهم بتغيير منطق تفكيرهم القديم، هو سلوك يؤدي إلى إضعافهم في الحوار الوطني والنقاش العمومي، ولهذا يمارسون العنف اللفظي بسبب نقص حُججهم”.

لا يطابق الواقع

ووَفق رأي عصيد، الآية القرآنية التي تعتبر حق المرأة نصف حق الرجل في الميراث لم تأتِ من فراغ؛ بل استجابت لواقع محدَّد في جزيرة العرب، آنذاك، حيث كانت المرأة في البيت والرجل ينفق عليها، كما أنه يحارب ويتاجر ويسافر مع القوافل، ولهذا يعتبر حظه من الميراث أوفر وأكثر من المرأة، أما اليوم فالمرأة تقوم بنفس أعمال الرجل، تنتج الثروة وتنفق وتعيل الأسر وتتفوق في الدراسة بنسبة 67 في المئة، وتتولى مناصب الدولة، ولا مجال للنظر إليها بنفس النظرة التي تعود إلى 1400 سنة؛ لأن في ذلك ظلماً كبيراً لها.

اقرأ أيضاً: كيف يواجه المغرب مضامين التطرف في مقررات التعليم؟

واعتبر عصيد أن “نظام الإرث الإسلامي لم يعد يطابق الواقع؛ بدليل التحايلات التي تلجأ إليها العائلات لإنصاف بناتها قبل وفاة رب الأسرة؛ خوفاً من كارثة (التعصيب) ومن التوزيع الشرعي للإرث الذي يحرم البنات من حقوقهن ويوزع تركة المتوفى على أعضاء الأسرة البعيدين على حساب النساء والفتيات الأقرب، لتدل هذه التحايلات مثل (الهبة) و(الوصية) بشكل قاطع على أن الأُسر المغربية تعي جيداً أن نظام الإرث القديم لم يعد يساير تحولات المجتمع ومصالح الناس”، وَفق تعبيره.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة