الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

المرأة في جنوب الجزيرة العربية (3-3)

(الجزء الثالث) دور المرأة في المجتمع

 كيوبوست- منير بن وبر

تروي البريطانية دورين إنجرامز في كتابها «أيامي في الجزيرة العربية» كيف أنها بذلت جهوداً مضنية من أجل إقناع نساء الأسرة المالكة في سيئون بالسماح لأبنائهم بتعليمٍ أكثر في عدن؛ حيث كان زوجها، السيد هارولد إنجرامز صاحب اتفاق صلح إنجرامز الشهير في حضرموت 1937-1947م، يرى أن اتفاق السلام بين القبائل الحضرمية ما هو إلا الخطوة الأولى، ولا يمكن للأمن بدون حكومةٍ رشيدة أن يؤدي إلى نجاح مشاريع التطوير بعيدة المدى، وكانت أحد التدابير التي يفكر بها إنجرامز هو إلحاق أبناء السلطان الكثيري بكلية أبناء الرؤساء في عدن، والتي يمكن أن تعدهم لإدارة البلاد بشكلٍ أفضل.[1] ومن أجل إقناع نساء السلطان اللاتي كُن يمانعن فراق أبنائهن تم انتداب دورين إنجرامز، وقد نجحت في مهمتها.

تدلنا حكاية دورين إنجرامز على الأهمية الكبيرة للمرأة في صناعة المجتمع، والمشاركة في حاضره ومستقبله؛ فمن دون تشجيع الأم لأبنائها، ورعايتها لهم، والحرص على إعدادهم للمستقبل، فإن التغيير لن يحدث قط، وإن حدث فسيكون بطيئاً للغاية. ولطالما عُرفت المرأة في حضرموت بسعةِ فكرها، على الرغم من قلة حظوظها التعليمية في معظم المناطق حتى منتصف القرن الماضي تقريباً.

اقرأ أيضاً: حرب العملة في اليمن تلقي بظلالها على الواقع المعيشي وتنذر بأزمة اقتصادية

ولقد لفتت سعة فكر المرأة الحضرمية نظر الطبيبة إيفا هوك، والتي زارت اليمن والمكلا، في حضرموت، خلال الفترة من 1947-1957م؛ إذ تصف في كتابها «سنوات في اليمن وحضرموت» زيارتها لأحد أعيان المكلا، واسمه عمر باسويد،  قائلة “ولم نكن قد بدأنا بعد في حديثٍ عام يدور حول المكلا وعدن واليمن، عندما جاءت زوجته، تحمل أقداح الشاي وصحاف الحلويات. ولم تهرع خارجة على استحياء من الغرفة كما تفعل نساء اليمن بل جلست معنا واشتركت في الحديث. وكانت مخلوقة سعيدة تنبض بالحياة، ولا توحي بالانطباع بأن عالمها ضيق محصور كعالم شقيقاتها في اليمن.”

وقد اشتهرت في حضرموت عدة نساء بالعلم والورع والتصوف والشعر عبر التاريخ، ومنهن، على سبيل المثال لا الحصر، الشيخة سلطانة بنت علي الزبيدية، المتوفية سنة 845 للهجرة، والتي اشتهرت بالتصوف ومشاركة الجلسات والمباحثات العلمية مع رجال علم تلك الحقبة مثل عبدالرحمن السقاف العلوي.[2] كان للشيخة سلطانة رباطٌ بالقرب من مدينة سيؤون في حضرموت، وكان رباطها وجهة للكثير من العلماء والمشايخ والصالحين والسلاطين، واستطاعت أن تؤسس لنفسها وجاهة كبيرة عند القبائل والقيام بدور الشفاعة والصلح.

قصر السلطان الكثيري في سيئون- حضرموت

لقد شاركتِ المرأة في جنوب الجزيرة العربية في مختلف مناحي الحياة، وعملت في عدة مهن من مختلف المستويات؛ فقد عملت قديماً في نقل الماء، وجمع الحطب، ونقش الحناء، وتربية الأطفال، وسف الخوص لصناعة السلال وغيرها من الأدوات، ناهيك عن التطريز والخياطة، وغيرها كثير.

وربما كانت مسؤولية بيت كامل على عاتق امرأة صبورة نشيطة، فكما تروي قصة المثل الحضرمي “المكتوب يدخل لك إلى الصندوق”، فإن امرأة تقية كانت تعمل في سف الخوص، وكانت تعيش مع أخ لها يعمل صياداً، وكان هذا الأخ عندما يحتاج إلى المال، ولا يجد سمكاً يبيعه، يسرق من مال أخته الذي تجمعه من عملها البسيط داخل صندوق لها، وعندما تسأل الأخت وتبحث عن المال عندما تفتقده، كان أخوها يجيبها قائلاً: “المكتوب يدخل لك إلى الصندوق” أي أن القضاء والقدر لا يعجزه شيء، ويصل حتى إلى داخل الصندوق، وبالطبع فإن هذه الحكاية تحمل مضامين سيئة كالسرقة، لكن ما يهمنا هو دور المرأة وعملها في المجتمع.

اقرأ أيضاً: الحَوطة.. سبيل أجداد الحضارمة لتحقيق السلام

وبالرغم من أن المرأة في مناطق أخرى، وبالتحديد عدن، كانت أكثر حظاً فيما يتعلق بالتعليم منذ وقتٍ مبكر بفضل الاستعمار البريطاني، وطبيعة المدينة المتعددة الأعراق والأديان والثقافات والطبقات الاجتماعية، فإن المرأة العدنية أصبحت أكثر مشاركة في الحياة الاجتماعية والثقافية، وأكثر تحرراً، بعد خروج الاستعمار، وربما يعود ذلك إلى حرص الاستعمار على عدم التدخل في الشؤون الدينية والثقافية، على عكس النظام الاشتراكي الذي ورث الاستعمار، وسعى لتحرير المرأة متبنياً الفكر الاشتراكي.

لكن وضع المرأة العدنية قبل انسحاب الاستعمار لم يكن يعني بالتأكيد أن المرأة كانت خاملة في حقبة الاستعمار البريطاني، بل كانت نشيطة في مختلف المجالات، حتى أن بعض النساء شاركن في الثورة ضد المستعمر، والكفاح المسلح للجبهة القومية؛ مثل نجوى مكاوي، وفوزية محمد جعفر، وغيرهما.

كما شاركت أخريات في العمل الصحفي والسياسي مثل رقية محمد ناصر، مؤسسة صحيفة “فتاة الجزيرة” ونادي الإصلاح العربي في كريتر، عدن، سنة 1930م، والسيدة سعيدة باشراحيل، رئيسة تحرير مجلة “فتاة شمسان” التي كانت أول مجلة نسوية، وصدرت في العام 1960م.

يُذكر أن العمل الصحفي لأسرة باشراحيل لا يزال مستمراً إلى اليوم من خلال صحيفة “الأيام” التي يرأس تحريرها ابن السيدة سعيدة، هشام باشراحيل.

المرأة العدنية تشارك في الكفاح المسلح- (أرشيف)

منح النظام الاشتراكي بعد الاستعمار البريطاني لعدن المزيدَ من الحريات والحوافز للمرأة، وتشجيعها على الانخراط في مختلف نواحي الحياة وحمايتها، من خلال عدة قوانين مثل التعليم الإلزامي، وحق المشاركة في الحياة السياسية، والحق في اختيار اللباس، وغيرها من القوانين.

وقد أدى ذلك إلى تحفيز المرأة واقتحام مجالاتٍ لم تكن ممكنةً مثل الطيران المدني والقضاء، وممارسة الرياضة والمشاركة في البطولات المحلية والعالمية، والعمل في عشرات المصانع التي تبنت الدولة تأسيسها وإدارتها بحكم النظام الاشتراكي، كما شغلت المرأة مناصب عالية؛ مثل نائب وزير، وعميد كلية.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (10-10)

ومع أن العالم اليوم يشهد انفتاحاً غير معهود، وفرصاً أكثر في مجالات التعليم والعمل بفضل تطور وسائل الاتصال، فإن المرأة في عدن وحضرموت، وغيرها من المناطق الرازحة اليوم تحت نيران الحرب في اليمن، بعيدة كل البعد عن أي مستقبل واعد، وقد باتت مشاركة النساء في التعليم ومختلف نواحي الحياة مهددة؛ وهو الأمر الذي سيؤثر ليس على النساء فحسب، بل كلا الجنسين الذين يحتاجون إلى الأم المتعلمة الواعية المحفزة والنشيطة و المفعمة بالحيوية.

وإن كانت الظروف والتقاليد في الماضي لا تعطي سوى القليل من الفرص، وبالرغم من ذلك أشركتِ المرأة في الحياة دون انتقاص وبمستوياتٍ مختلفة، فإنه من المحبط اليوم أن يؤدي الصراع في اليمن إلى تقليص دورها وإغراقها في هموم لا تصنع سوى الظلام والبؤس لها ولأجيال المستقبل.

المراجع:

[1]– «أيامي في الجزيرة العربية»، دورين إنجرامز. ص 104.

[2]– «أدوار التاريخ الحضرمي»، الجزء الثاني، محمد الشاطري. ص 308-309.

لقراءة الحلقتين السابقتين:

الحلقة الأولى: المرأة في جنوب الجزيرة العربية (1-3)

الحلقة الثانية: المرأة في جنوب الجزيرة العربية (2-3)

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة