الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دولية
المرأة في الحرب العالمية الثانية.. فرصة لاكتشاف الذات

كيوبوست
“إذا استخدمتِ خلاطًا كهربائيًّا في مطبخك، فيمكنكِ تعلُّم إدارة مكبس الحفر”، عبارة استخدمت خلال الحرب العالمية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتشجيع المرأة على الانخراط في الحياة المهنية، مع ظهور ملصق “Rosie Riveter”؛ بمعنى “روزي اللحامة” التي تسخدم فرد لحم الحديد، لشخصية يُقال إنها متخيلة لعاملة أمريكية، صممه الفنان J. Howard Miller عام 1943، وحمل الملصق عنوان “We can do it”؛ لرفع معنويات العاملات وحثّهن على الإنتاج.
وسبقت “روزي ريفيتر” كملصق، أغنية تشيد بإنجازاتها؛ حيث إنها جزء من العمل تحت أشعة الشمس أو المطر، فهي تصنع التاريخ وتعمل من أجل النصر.. هذه الصغيرة الهشَّة تستطيع أن تعمل أكثر مما يستطيع أن يفعله الذكر، وَفقًا للأغنية، وتحمي بذلك حبيبها “تشارلي” الذي يعمل في البحرية الأمريكية، من خلال عملها لوقت إضافي على فرد اللحم. كانت روزي الشخصية المتخيلة عبارة عن حملة دعائية موجهة إلى النساء.
أغنية الحرب العالمية الثانية
لماذا النساء؟
إن فكرة خروج النساء من المنزل والاندماج في الحرف الصناعية الثقيلة لم تكن مألوفة، بعدما اقتصر دورهن على إتمام المهام المنزلية والعناية بالأطفال؛ إلا أن الضرورة دفعت الحكومات إلى تشجيعهن على العمل؛ وهذا ينطبق على حملة “روزي ريفيتر” التي أطلقتها لجنة تنسيق إنتاج الحرب الداخلية التابعة لشركة “وستنجهاوس” الأمريكية، حينها؛ حيث إن عددًا كبيرًا من الرجال التحقوا بجيوش بلادهم المشاركة في الحرب. ولتستمر عجلة الإنتاج أخذت المرأة مكانهم في الأعمال الشاقة؛ في الحديد والصلب والخشب والبناء والذخيرة والزراعة والوظائف الحكومية.. وغيرها.
وسادت وقتها فكرة فحواها تحرير الرجال من أعمالهم الخدماتية والحرفية؛ ليتمكَّنوا من المشاركة في الحرب، عبر إيكال هذه المهام إلى النساء، وشملت الأعمال بعض المهام الحربية الداخلية أيضًا؛ كالتمريض والترجمة الاستخبارية والطيران.
اقرا أيضًا: النظام الإيراني “يشيطن” النساء لحضورهن مباريات كرة القدم!
إضافة إلى السببَين السابقَين فإن عدد الخسائر البشرية التي خلفتها الحرب يعتبر سببًا لدخول المرأة معترك الحياة العملية؛ فقد خسر العالم 70- 85 مليون قتيل تقريبًا؛ ما أدى إلى نقص في الأيدي العاملة، الأمر الذي دفع الدول إلى التفكير في إيجاد بديل يسد الفجوة التي خلفها غياب الرجال المقاتلين، وكُن (النساء) هن الخيار الأنسب لشغر الوظائف والمهن التي هجرها الرجال بسبب الحرب.
زيادة ملحوظة
إن زيادة دخول المرأة إلى المصانع تدل عليها أرقام تزايدت خلال فترة الحرب، فمع بدايتها عام 1939 كان عدد النساء العاملات في بريطانيا لا يتجاوز خمسة ملايين؛ إلا أنه تخطى سبعة ملايين عاملة مع حلول عام 1943، أما في الولايات المتحدة فقد زادت نسبتهن من 27٪ إلى 37٪ خلال الفترة من 1940 حتى 1945.
وفي ألمانيا سعى النظام النازي لتعزيز صورة ربة المنزل؛ فهي تربِّي أطفالها وتكرِّس حياتها لرعاية بيتها وزوجها، وهذا يدل عليه قول أدولف هتلر عام 1943: “كل طفل تجلبه امرأة إلى العالم هو معركة، معركة تشن من أجل وجود شعبها”، إلا أن الواقع كان يتناقض مع الصورة، فخلال الحرب كان عدد القوى العاملة من النساء في ألمانيا يقارب الـ14 مليون عاملة.. لذات الأسباب التي حتمتها الحرب، وغياب ملايين الذكور في جبهات العالم المختلفة.
اقرأ أيضًا: لماذا تضع النساء مساحيق التجميل؟ العلم وراء هوس المستحضرات التجميلية
كما تولَّت النساء مهام حربية، وكان أبرزهن المتطوعات الروسيات اللواتي تخطى عددهن الـ800000 متطوعة في الخطوط الأمامية إلى جانب وطنهن (الاتحاد السوفييتي)، وعملن غالبًا بالتمريض والطبابة.
لم تكن الجنة
كان لحداثة التجربة وقعها على النساء؛ إذ كنّ بصدد التوفيق بين المنزل والأطفال والعمل في الخارج، لا سيما أن أعمال الإنتاج الحربي في مجملها مهن خشنة، وظروفها قاسية. أما الأجور فاتسمت بالتدنِّي وكانت أقل من أجور الرجل، وتحتم على المرأة أن تدير الميزانية وتتحكم فيها، علمًا بأن ذلك كان من شأن الرجال قبل الحرب.
كما تعرضت النساء للتحرُّش الجنسي في مواقع العمل، ونُظر إليهن بدونية من قِبَل الرجال، على اعتبار أنهن لن يستطعن التكيُّف مع مهام الرجال؛ إلا أنهن أثبتن كفاءتهن من خلال جودة مخرجات عملهن، وبذلك زاد الطلب على القوى العاملة النسائية.
استمرت النساء في العمل حتى عام 1950؛ أي بعد انتهاء الحرب بخمسة أعوام، نتيجة نقص الغذاء بعد الحرب.. لكن الرجال عادوا، ومع عودتهم قلّ عدد النساء العاملات إلى نسب ما قبل الحرب؛ إلا أن النظرة الإيجابية والمشرقة تجاه حق المرأة في العمل انتشرت مع الوقت كحصيلة لنشاط المؤسسات النسوية والحقوقية، وصولًا إلى الثمانينيات؛ حيث استخدم ملصق “روزي ريفيتر” من جديد، وأُعيد إحياؤه كأيقونة تحفيزية للنساء جميعًا.
فالحرب العالمية الثانية رغم ما خلفته من مآسٍ للإنسانية؛ فإنها كما وصفها الإغريق “أم الأشياء” وكانت بمثابة الأم لعديد من الإنتاجات العسكرية التي تحوَّلت إلى مدنية؛ مثلما كانت أيضًا العتبة التي خطت عليها المرأة لدخول سوق العمل بصلابة.